قال الباحث الفلسطيني في العلاقات الدولية أدهم أبو سلمية: إن قطاع غزة يعيش كارثة إنسانية حقيقية على كل المستويات جراء العدوان الصهيوني، داعياً الأمة العربية والإسلامية لمزيد من الجهود لنصرة غزة.
وحذر أبو سلمية، في الجزء الثاني من حواره لـ«المجتمع»، من أصحاب الخطابات المثبطة، مبيناً أنواعهم وخطورتهم وكيفية التعامل معهم ومواجهتهم.
كان هناك حديث أن المساعدات لا تصل إلى غزة، وأن سيارات الإسعاف الكويتية يتم تبديلها، هل هذا صحيح؟
– في بداية هذه المعركة، الاحتلال «الإسرائيلي» وبعض أدواته الإعلامية حاولت أن تمارس ضغطاً حقيقياً على القاعدة الشعبية الفلسطينية، ورأينا خلال فترة الحرب كيف أن الاحتلال تعمد التنكيل بالفلسطينيين في قطاع غزة، وضرب مقومات الحياة، إذاً كان المستهدف هو المواطن الفلسطيني قتلاً وضرباً لقواعد صموده وتعزيزه.
أمام هذه الحالة، يدرك الاحتلال أن الفلسطيني يستند كثيراً إلى ما تقدمه الأمة العربية والإسلامية، وحتى أحرار العالم في كل معركة من دعم وإسناد، هذا الذي يُبقي لديه القدرة على الصمود، ويُبقي لديه القدرة على المواجهة.
أمام خطة الاحتلال لتهجير الفلسطيني، كان مطلوباً أن يقطع عن الفلسطيني الطعام والشراب، ولذلك انطلقت مع أول قذيفة أطلقت على قطاع غزة، كان في المقابل هناك معركة إعلامية تقول لكل الناس: لا تتبرعوا لغزة، لا تقدموا أموالكم للمؤسسات؛ لأنها لن تذهب لغزة، لأنها ستسرق، إشاعات، فوضى إعلامية، كان المراد منها والمطلوب منها حقيقة فض الناس عن قطاع غزة تحت مبرر مقبول لدى الناس أن مساعداتنا لن تصل.
📌الناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية يبين الحرب الإعلامية القذرة التي يقوم بها الاحـ.ـتلال الصـ.ـهيونـ.ـي، ويجيب على سؤال: هل المساعدات تصل إلى أهل غـ.ـزة؟#غزة_تباد#غزة_تحت_القصف#مقاطعة_داعمي_الاحتلال#أوقفوا_العدوان_على_غزة@adham922 pic.twitter.com/LC9RFv0u86
— المجتمع (@mugtama) December 7, 2023
دعني أقول لك نقطة مهمة: كل ما يقدم لغزة من خلال الجمعيات الكويتية يصل إلى غزة بشكل منتظم سواء من خلال الجمعيات المحلية التي تعمل في غزة وتركز في عملها على توفير ما تيسر من خلال السوق المحلية، صحيح أنها اليوم نادرة وفي تناقص، لكن ما زالت هناك بعض البضائع موجودة، هناك جهود للتكيات الخيرية، وهناك على الطرف الآخر يتم تسيير كما نلحظ في الحالة الكويتية، الطائرات التي تذهب بشكل مستمر من الكويت إلى مطار العريش ثم تدخل بشكل منتظم إلى قطاع غزة.
أنا أؤكد لك من خلال هذا المنبر أنه لم يتم العبث بأي من سيارات الإسعاف التي خرجت من الكويت ووصلت إلى مطار العريش، ثم انطلقت إلى قطاع غزة، أرقام «الشصي» لهذه السيارات التي استلمناها في رسالة رسمية من الجمعية الكويتية للإغاثة إلى وزارة الصحة في غزة التي خرجت من الكويت، هي نفسها التي وصلت إلى قطاع غزة، لم يتم العبث فيها.
الأمر الآخر، هناك جهد مقدر للهلال الأحمر المصري الذي يتولى عملية استلام هذه المساعدات وينقلها إلى قطاع غزة، والهلال الأحمر الفلسطيني، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين اللذين يستلمان هذه المساعدات وليس أي طرف آخر، يقومان بعملية توزيعها سواء على المواطنين أو على المستشفيات، قد يكون لدينا عتب على الأمم المتحدة أن عملية التوزيع فيها حالة من التباطؤ، لكن مع ذلك يتم توزيعها.
المسألة الأخيرة؛ ما يشاع حول بيع المساعدات داخل قطاع غزة، لا توجد أي عملية بيع للمساعدات داخل القطاع من الجهة المرسلة، هذه نقطة مهمة جداً لا بد أن يعرفها الناس، لكن ما الذي يحدث في هذا السياق؟ تعرف أن الوضع في قطاع غزة صعب جداً، اليوم بعض العائلات يتوفر لها في ظل هذا الضغط الموجود، يعني تحصل على كيسين من الطحين على سبيل المثال، تكفيها 15 يوماً، لكن هذه العائلة تحتاج إلى الملح، الملح غير موجود، ولا يتم تقديمه ضمن المساعدات، تقوم هذه العائلة ببيع كيس لمن يحتاج وتأخذ هذه النقود وتقوم بشراء الملح من السوق المحلية؛ بمعنى أن المواطن هو الذي يحاول أن يقوم بعملية تبديل لبعض الاحتياجات المتوفرة لديه حتى يحصل على احتياجات أخرى غير متوفرة لديه.
وأنا أقول لأبناء الأمة العربية والإسلامية: غزة حقيقة تعيش كارثة إنسانية على كل المستويات، دمار هائل في كل القطاعات الصحية، ودور العبادة، والقطاع التعليمي، وقطاع الصرف الصحي، وقطاع المياه، والبنية التحتية، البيوت، هذا الصبر وهذا الصمود الأسطوري لأهل غزة يحتاج بكل تأكيد وبلا أدنى شك إلى جهود أبناء أمتنا العربية والإسلامية للوقوف إلى جانبهم.
وأنا أريد أن أقول هنا تذكيراً بقول الله تبارك وتعالى: (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) (التوبة: 41)، كما أن الناس في غزة تجاهد بنفسها، فالأمة مطالبة أن تجاهد بأموالها لنصرة هؤلاء أياً كانت الطريقة أو الوسيلة ومن أي جمعية كانت، أنا أعتقد أن كل المؤسسات الكويتية التي نراها ونتابع عملها كلها على قدر الأمانة والمسؤولية، كلها تحمل هماً واحداً؛ وهو كيف تنصر أهل غزة، فأسأل الله عز وجل أن يبارك جهد العاملين فيها، وأن يتقبل منهم.
هناك دعوات تثبيط تجاه التضامن مع الشعب الفلسطيني أو بالأحرى دعنا نصفها بخطابات التخاذل، كيف ترى هذا الأمر؟
– دعنا نقول: إنه ليس غريباً على البشرية من زمن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، وفي حالتنا الإسلامية لدينا نموذج عبدالله بن سلول وجماعته، تتغير الأزمان، ولكن المواقف تبقى كما هي، المنافقون في «غزوة الخندق» قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً، ونفس الشيء يتكرر في كل زمان.
خطاب التثبيط له عدة أسباب، جزء منه أن منطقتنا العربية والإسلامية تعرضت على مدار 100 عام إلى حالة من تجريف الوعي؛ بمعنى إشعار العربي والمسلم دائماً بأنه ضعيف وعاجز، ولذلك لاحظ أن شعوب أمتنا اليوم تواقة للإنجازات، تواقة للبطولات، تواقة للانتصارات، ترى هذه الشعوب في أبي عبيدة ذلك الرجل المخلص، ذلك البطل الذي نصبو إليه وهي تعرف أنه رجل واحد، لكن هي تنظر إلى صورته على أنه هذا هو البطل، هذا هو النموذج الذي نريد أن يتكرر في كل زمان ومكان، ولذلك البعض يثبط لأنه زُرع في اللاوعي الجمعي، بالنسبة لديه أننا كأمة لا نستطيع أن ننتصر، وأننا كأمة مخذولة، وأننا كأمة لا نملك إمكانات، ما يملكه الغرب، وأننا كأمة بلا ظهير سياسي، وأن هذا «الإسرائيلي» معه الولايات المتحدة الأمريكية، ومعه كل الدنيا، وأن هذا الجيش كما زُرع في عقولنا هو جيش لا يُقهر، وأن الجندي «الإسرائيلي» لا يموت! ولذلك تحت ضغط الصورة التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي، والقتل، والشهداء والاستهدافات، تجد أن هؤلاء الناس يقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً! نحن لا نستطيع، يجب أن تتوقف هذه المعركة!
أيضاً هناك نموذج آخر أسميه شبه الرسمي الذي تحركه أدوات تريد أن تختفي أو تتغطى خلف هؤلاء كي لا يكشف عجزها، وكي لا يكشف ضعفها، وضعف مواقفها، وبالتالي تبدأ بضخ هذا النوع من التثبيط والإحباط واليأس، وإظهار المقاومة، وكأنها تجلب الدمار الفلسطينيين، وكأن القضية بدأت يوم 7 أكتوبر وليس قبل 75 عاماً، وكأن الفلسطيني يموت اليوم وليس منذ 7 عقود، وكأن الفلسطيني يعتقل اليوم، وليس هناك مليون فلسطيني عبر السجون على مدار العقود الماضية، هذا نموذج يريد البعض أن يختفي خلفه كي يبرر ضعفه وعجزه وقلة حيلته وضعف مواقفه وعدم حراكه وانتصاره.
📌الناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية يبين من هم المثبطون وأنواعهم وكيفية التعامل معهم ومواجهتهم.#غزة_تباد#غزة_تحت_القصف#مقاطعة_داعمي_الاحتلال#أوقفوا_العدوان_على_غزة@adham922 pic.twitter.com/vX9WxfrhEi
— المجتمع (@mugtama) December 7, 2023
النموذج الثالث، هذا النموذج الأخطر، وهو النموذج الذي يتكلم باللسان العربي، وهو النموذج الصهيوني الذي تحركه أجهزة المخابرات الصهيونية، وموجود لدى الاحتلال في جهاز «الموساد» على وجه التحديد، دوائر متخصصة توجه خطاباً، والجيش «الإسرائيلي» لم يخف أنه يوجه خطاباً للعالم بـ7 لغات، وهذه اللغات السبع يحاول الاحتلال الصهيوني أن يتحدث وكأنه يخاطبك باللغة العربية وبالإنجليزية والفرنسية، من جانب يريد أن يقدم صورة الضحية لمن يقتل في غزة، ولمن يقتل الناس ويدمر المساجد، ومن جانب آخر يقدم لك الفلسطيني وكأنه هو الذي يمارس القتل ويمارس الإرهاب.
كيف يمكن مواجهته؟
– أنا في تقديري، أولاً كعرب ومسلمين وقبل ذلك كشعوب على مستوى العالم، الحقائق دائماً تواجه بالحقائق، الحجة تواجه بالحجة، الوعي يواجه بالوعي، يجب ألا نتلقى معلوماتنا من مصدر واحد، إذا استطاع المجتمع الدولي والشعوب على مستوى العالم أن تغير قناعاتها لأنها بدأت تجري مقارنات بين ما سمعته في قضية روسيا وأوكرانيا مثلاً، وما تسمعه في قضية فلسطين و«إسرائيل» لا بد لنا كعرب ومسلمين أيضاً أن نمارس نفس هذا النوع.
المسألة الثانية: نحن مسلمون لدينا القرآن الكريم الذي يسلي نفوسنا، والله أخبرنا أن القتال كتب علينا وهو كره لنا وأخبرنا بأنه ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139)، وأخبرنا بأن هذا القتال سيكون فيه الكثير من الألم، ولكن في نهاية المطاف نحن أمام فوزين؛ إما جنة عرضها السماوات والأرض وتنتهي حياتنا بالشهادة، نسأل الله عز وجل أن يكتبها لنا، وإما أن يكون هناك نصر مؤزر؛ وبالتالي على كلتا الحالتين نحن فائزون بإذن الله عز وجل.
الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نواجه بها خطاب التثبيط هو أن يكون هناك خطاب وعي، وأن تتحرك كل المؤسسات وكل المثقفين والكتَّاب والأحرار بأن يضخوا المزيد من خطابات الوعي تجاه أبناء أمتنا العربية والإسلامية، لأن الفترة الماضية تعرضت الأمة لحالة من تجريف الوعي؛ ولأن مواقع التواصل الاجتماعي ترافق معها بث الكثير من المحتوى الهابط، المحتوى المحبط، المحتوى الذي أراد أن يفصل شعوب أمتنا عن حقيقة الأهداف.
لكن أيضاً نحن نرى نماذج من تقدم الوعي في الأمة، وأنا أريد أن أضرب لك هنا نموذجاً على الكويت وباقي الدول العربية والإسلامية في مسألة المقاطعة؛ الناس لم تقاطع لأنها تريد أن تقاطع، الناس قاطعت لأن هناك وعياً تشكل لدى هذا الجمهور بأن هذه إحدى الوسائل التي أستطيع أن أضغط فيها على هذه الشركات الداعمة لهذا الكيان الصهيوني، ولذلك نواجه خطاب التثبيط بكثير من التوعية وخطابات الوعي.