قبل تأسيس الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في عام 1987م، لم يكن في جعبة المقاومة في إطار عمليات المواجهة التي تقوم بها مع العدو الغاشم إلا «الحجارة»، وبعد التأسيس المبارك برز الرصاص وبعض القنابل يدوية الصنع التي أبدعها الشهيد م. يحيى عياش.
وعلى مدار أكثر من 3 عقود، استطاعت «حماس» تطوير بعض الأسلحة بما في ذلك الصواريخ، صحيح أن هذه الصواريخ وصفها الاحتلال «الإسرائيلي» بـ«البدائية»، ووصفها البعض بـ«العبثية»، لكنها كانت مقدمة ونواة لأسلحة متطورة، فاليوم تمتلك «حماس» منظومة صواريخ قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن أسلحة ذات قوة تدميرية هائلة، ذلك أن لديها مجموعة من القيم الأساسية التي تتحكم في منطلقاتها على رأسها أن الصراع مع العدو الغاشم «وجودي لا حدودي»، وأن المقاومة السبيل للتحرير، في حين أن ما يعرف بمفاوضات عملية السلام مضيعة للوقت!
ومع كل التطور الملاحظ في المقومات العسكرية التي تمتلكها المقاومة الإسلامية في غزة تحديداً؛ فإنها لا تقارن بأي حال من الأحوال بالإمكانات والقدرات العسكرية التي يمتلكها الكيان المحتل؛ فوفق مؤشر «غلوبال فاير باور»، تتبوأ «إسرائيل» المرتبة الـ18 بين الدول الأقوى عسكرياً في العالم، بينما تحتل المرتبة الـ12 بين الدول المصدرة للسلاح، حيث يمتلك جيش الاحتلال ما يقرب من 180 ألف عسكري محترف، بينما يبلغ قوام القوات المسلحة في الكيان الغاصب بالاحتياطي من 3 ملايين شخص.
ولدى الكيان المحتل أكثر من 40 مطاراً عسكرياً، تحتوي هذه المطارات على أكثر من 595 طائرة حربية متعددة المهام، بينها 241 طائرة مقاتلة و23 طائرة هجومية، إلى جانب 128 مروحية عسكرية، وطائرات لتنفيذ المهام الخاصة وأخرى للشحن العسكري، هذا بخلاف الدعم اللامحدود طيلة أيام حرب «طوفان الأقصى» من أمريكا وأوروبا.
ويصنف سلاح الجو «الإسرائيلي» اليوم من أكثر الأسلحة تطوراً في العالم بحكم تنوع أسراب الطائرات وتطورها، حيث تشمل طائرات «إف-35»، و«إف-16»، و«إف-15»، علاوة على الطائرات المسيرة ذات التقنيات المتقدمة في العمليات الهجومية.
هذا بخلاف الدبابات والمدرعات التي يصل عددها إلى 7500 مدرعة قتالية، إلى جانب القوة البحرية الهائلة التي تضم الغواصات والسفن الحربية والطرادات والزوارق المزودة بالصواريخ الموجهة، بينما يعتمد الكيان الغاصب في عملياته الدفاعية على القبة الحديدية التي يتباهى بها كما يتباهى بالدبابة «ميركافا» التي تملك إمكانات قلما تتوفر في دبابة مماثلة .
هذا الكيان المحتل الذي يمتلك كل هذه القدرات والإمكانات وفوقها السلاح النووي، وهذا الكيان الذي هزم 3 جيوش عربية في 6 أيام فيما يعرف بنكسة يونيو 1967م، واحتل أجزاء واسعة من الأراضي العربية وتدمير بنية تحتية عسكرية عربية بشكل كلي أو جزئي، جاء يوم 7 أكتوبر 2023م، فيما يعرف بعملية «طوفان الأقصى» وانتهت أسطورة جيشه الذي لا يقهر، وانسحقت الصورة الذهنية لقدراته وإمكاناته التي ظل عقوداً يضخم فيها معتمداً على آلة إعلامية ودعائية جبارة!
بنجاح المقاومة الفلسطينية في حرب «طوفان الأقصى» وحجم الإنجازات الضخمة، فإن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لخلق مشروع تحرري للأمة كلها، ذلك أن الجيش الذي كان يخشاه العرب على مدار أكثر من 7 عقود تهشمت هيبته، وتحطمت صورته، فمنظومته الأمنية والدفاعية السيبرانية الأفضل في العالم انهارت أمام العقل الفلسطيني المقاوم، وقبته الحديدية التي كان يفاخر بها انهارت أمام قوة الرشقات الصاروخية المتواصلة، وسحفت «الميركافا» التي تصل تكلفتها إلى ما يقرب من 8 ملايين دولار بقذيفة لا تتجاوز تكلفتها 300 دولار، وأبيدت إحدى أكثر فرقه في ساعات على يد الأبطال يوم 7 أكتوبر، وانسحب جنوده من المعارك المختلفة بقطاع غزة، وامتلأت أسرّة العيادات ومراكز الطب النفسي بجنوده وضباطه، ولم ينجح في ترميم صورته، الأمر الذي يشجع فاعلين آخرين في المستقبل على تكرار الفعل بطرق وأشكال مختلفة لا سيما وقد أظهرت التجربة هشاشة هذا الكيان، وأبرزت المقومات الجبارة للأمة وعلى رأسها التسلح بالإيمان.
إن السر في بقاء الإنجليز بمصر لسبعة عقود لم يكن بسبب قوة الإنجليز وضعف قوة المحتل الفرنسي الذي احتل مصر قبله، ولم يستطع البقاء بمصر أكثر من 3 سنوات، بل كان السر في ذلك كما يتضح مع معالجة الكاتب العبقري محمد جلال كشك في كتابه الماتع «ودخلت الخيل الأزهر»، أن الحملة الفرنسية كانت طليعة الاستعمارية الغربية، وبدخولها إلى مصر كانت الدول الاستعمارية تراقب مواطن القوة ومواطن الضعف، كما لو أن الفرنسيين فأر تجارب، وبالفعل أدرك الإنجليز من تجربة الفرنسيين أنه إذ لم يتم تصفية الدور القيادي الذي يمارسه الأزهر فلن يمكن لأي استعمار غربي أن يستقر على ضفاف النيل.
وبالفعل دخل الإنجليز مصر ومعهم خريطة سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة المعالم، فعلموا أن الأزهر ورجاله شوكة في حلوق الغزاة، فعملوا على إضعافه، وعلموا بثغرات اجتماعية فدخلوا منها، وأدركوا نقاط قوة فعملوا على إضعافها ولهذا بقوا في مصر تلك المدة الطويلة.
لقد رأت الأمة بعينها أن النصر ممكن، والتحرر وارد؛ إذا ما توفر الإيمان الخالص والتوكل على الله بعد حسن الأخذ بالأسباب، مهما تعاظمت قدرات أعدائها.. وتجربة المقاومة على مدار شهور خير برهان!