بين يوم وآخر، تكشف وسائل الإعلام الصهيونية قدرات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي أحسنت استغلال ما ورد إليها من معلومات استخباراتية بالقيام بعملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، وتجنيد «إسرائيليين» يهود للقيام بمهام خاصة، بل تدريبهم على المساعدة بنقل المواد الناسفة لتنفيذ عمليات ضد أهداف نوعية داخل الأراضي المحتلة، دون علمهم.
في 11 فبراير 2024م، تنقل صحيفة «يسرائيل هايوم» عن ضابط بارز في المخابرات الصهيونية العسكرية (أمان) أن جيش بلاده تعرض لعمليات تجسس مضادة عميقة من «حماس» قبل قيامها بهذا الطوفان الجارف والناجع، دفعته إلى مطالبة لجنة التحقيق «الإسرائيلية» المشكَّلة لبحث أسباب تفوق وتقدم الفصائل الفلسطينية، حتى الآن، في قطاع غزة، وكيف حصلوا على معلومات قيمة حول ما كان يحدث في قواعد الجيش الصهيوني، في طرح هذا الملف، وبقوة.
«حماس» جنَّدت «إسرائيليين» للقيام بمهام خاصة لتنفيذ عمليات ضد أهداف نوعية
اختراق قواعد عسكرية سرية
المدهش أن الضابط الصهيوني اعترف بالقدرات الكبيرة لـ«حماس» في جمع المعلومات، وتحديداً بشأن تلك القواعد العسكرية، التي تبقى سرية حتى بين قادة جيش الاحتلال نفسه، مؤكداً أن «حماس» نجحت في اختراق تلك القواعد وجلب كل المعلومات المهمة عنها، وهذا النجاح المدوي للحركات والفصائل الفلسطينية في غزة يعني فشل الجيش وجهاز «الشاباك»، ما يحتاج معه إلى مراجعة حقيقية ودقيقة لمفاهيم الأمن القومي الصهيوني، التي تمكنت الحركة من تغييرها في عمليتها التاريخية «طوفان الأقصى».
الجهاز نفسه اعترف، في 1 فبراير 2024م، بأن نشطاء «حماس» استغلوا يهوداً يحملون الجنسية «الإسرائيلية» كمساعدين بنقل شحنات، بهدف تدريبهم على المساعدة بنقل مواد ناسفة أو وسائل قتالية لتنفيذ عمليات ضد أهداف نوعية تم تحديدها من قبل «حماس» كأهداف تقديرية لعمليات داخل الكيان الصهيوني، دون علمهم؛ وذلك عبر معرفة وإتقان عناصر الحركة الفلسطينية للغة العبرية؛ ما سمح لهم بالتواصل مع هؤلاء اليهود، بكل سهولة ويُسر.
استغلال «دُمى الأطفال» والكلاب!
عملية «الخداع الإستراتيجي» لحركة «حماس»، وتفوقها على جيش الاحتلال في جمع المعلومات لم تتوقف عند عمليات التجنيد لليهود فحسب، وإنما أكد خبراء عسكريون صهاينة أن الحركة أظهرت قدراتها ومهاراتها العسكرية والجديدة ومدى استفادتها ومعرفتها بالتضاريس داخل غزة وشبكة الأنفاق الكبيرة ومخزونها من الأسلحة في تحويل شوارع القطاع إلى متاهة للجيش الصهيوني؛ حيث استخدمت الحركة طرقًا جديدة ومبتكرة لنصب الكمائن للجنود الصهاينة في غزة، من بينها استغلال دُمى أطفال تصدر أصواتًا باللغة العبرية.
الخبراء العسكريون الصهاينة اعترفوا بأن «حماس» نصبت فخًا عند أحد الأنفاق في مدينة جباليا بالقطاع، بعد استخدامها لمكبرات صوت مثبتة على «دُمى الأطفال»، تصدر أصوات بكاء من أجل جذب الجنود الصهاينة، بالإضافة إلى حقائب أطفال كانت موجودة بالقرب من فتحة نفق كبير يؤدي إلى شبكة واسعة من الأنفاق، نجحت خلاله الحركة في إيقاع عدد كبير من الصهاينة بداخله؛ حيث شكَّلت تلك الفخاخ سببًا في رفع عدد قتلى جيش الاحتلال في غزة، رغم توغله في مساحة كبيرة من القطاع؛ ما يعكس بدوره مدى براعة «حماس» في استخدام أسلوب «حرب العصابات» وترسانتها المتواضعة من الأسلحة.
«حماس» استخدمت طرقاً جديدة ومبتكرة لنصب الكمائن للجنود الصهاينة
الغريب أن قائد «الكتيبة 8717» الصهيونية التي شاركت في الكشف عن كمائن حركة «حماس» لجنوده، قد اعترف، صراحة، بأن «حماس» سعت إلى جذب القوات الصهيونية إلى نفق مفخخ عبر استخدامها لحقائب مدرسية ودُمى أطفال تصدر أصواتًا باللغة العبرية، حتى يعتقد الصهاينة أن هناك أسرى ومفقودين بداخل النفق المفخخ يمكن إعادتهم إلى ذويهم.
والمؤكد أن الاعترافات الصهيونية بقدرات «حماس» الاستخباراتية تتوالى بمرور الوقت، خاصة مع تحذير جيش الاحتلال، في 1 فبراير، بتقرير آخر، من ظاهرة جديدة في غزة، ممثلة في ربط الأهالي الفلسطينيين كلابهم في ساحات منازلهم، لإرباك الكلاب الصهيونية التي تعتمد عليها وحدة «عوكيتس» التابعة لجيش الاحتلال؛ بعدما رصدت قوات صهيونية خلال فترة الحرب الدائرة على غزة، أن الفلسطينيين يتركون كلابًا ضخمة الحجم مقيدة بالحبال والسلاسل الطويلة داخل منازلهم، المراد تفتيشها واقتحامها، وفي ساحات المباني الكبيرة التي يرسل الجنود الصهاينة إليها الكلاب لإجراء تمشيط أوّلي، وللتأكد من عدم وجود عبوات ناسفة أو مسلحين فلسطينيين ينصبون كمينًا لجنود الجيش.
والشاهد أن الصحف العبرية قد أوضحت أن تلك الظاهرة لم تكن معروفة لدى دخول جيش الاحتلال القطاع، في المرحلة الأولى من القتال، فالحديث يدور عن حوادث، غير عادية، خاصة أن كلاب غزة الضخمة قد هاجمت كلاب الوحدة الصهيونية -رغم تدريبها العالي- وأعاقت عملها؛ وذلك بالتوازي مع تأكيد فقدان أكثر من 100 كلب من وحدة «عوكيتس» خلال الحرب الدائرة على غزة.
الخداع الإستراتيجي!
نجاح «الكلاب» الخاصة بالفلسطينيين ومدى استغلالها استخباراتيًا في خداع إستراتيجي للجيش الصهيوني، دفع مدير المشتريات بوزارة الدفاع الصهيونية إلى طلب شراء عاجل لكلاب مدربة، أهمها كلاب كشف المتفجرات والإنقاذ، خاصة من سلالة «المالينو»، من هولندا وألمانيا، بملايين الدولارات، ليتبين أن ضربات «حماس» البسيطة جدا كبَّدت الجيش الصهيوني خسائر مادية باهظة.
وكما حقق الجيش المصري نجاحه الباهر في 6 أكتوبر 1973م، باختياره للزمان، واعتباره أحد أسرار تفوق الجيش في تلك الحرب، فإن حركة «حماس» تمكنت من اختيار 7 أكتوبر 2023م، لتزامنه مع الأعياد اليهودية، ولتراخي جنود جيش الاحتلال وتواكلهم على استسلام الفلسطينيين وعدم عزمهم استرداد أراضيهم بـ«المقاومة»، بعدما استغلت ما وصلها من معلومات استخباراتية في القيام بخداع الكيان الصهيوني، والقيام بعملية «طوفان الأقصى».
__________________________
1- صحيفة «إسرائيل هاليوم»: https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/15247939?utm_source=%D7%92&utm_medium=%D7%92&utm_campaign=%D7%92.
2- صحيفة «يديعوت أحرونوت»: https://www.ynet.co.il/news/article/bj3dp3tit.
3- المصدر السابق: https://www.ynet.co.il/news/article/ryqkzcv5t.