في عام 1948م تشكل «جيش الجهاد المقدس» على إثر قرار التقسيم الجائر للأراضي الفلسطينية الذي أعلنته هيئة الأمم المتحدة بقيادة الشهيد القائد عبدالقادر الحسيني الذي انطوت تحته العديد من القوات العربية رافضة لذلك القرار، ومن بين المنضمين لتلك القوات كانت كتائب جماعة الإخوان المسلمين التي شاركت بعدة محاور من الوسط والشمال والجنوب كذلك، وكان للإمام الشهيد حسن البنا قبل عام من اغتياله الأثر الكبير في أن يُري للعالم أجمع مدى صدق الفكر الذي كان يدعو الناس إليه في جمعه للبناء النظري والتأطير المنهجي، والحركة والعمل والجهاد.
«الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء»، ذلك كان نص الأصل الأول من الأصول العشرين لفكر جماعة الإخوان المسلمين الذي رسم الخطوط العريضة للمنهج الشمولي للفكرة والتطبيق، ولعل هذا الأصل هو ما جعل الرشاقة حاضرة في تعدد مجالات اهتمام وعمل ذلك الفكر من ناحية، وسر استقطاب العديد من الأقطار والأمصار لذلك الفكر من ناحية أخرى.
فبعد سقوط الخلافة العثمانية، دخل العالم الإسلامي بدوله وأفراده متاهة لا يعلم أين نقطة النهاية فيها، بل كانت الذئاب منتشرة في كل زواياها؛ إما على شكل المستعمر الخارجي، أو المستبد الداخلي، فالكل كان يبحث عن خلاص يعيد التنظيم الهيكلي والمرجعية المركزية وإن لم يصرح بذلك، فتوالت التجارب والمحاولات الشيوعية والقومية والإسلامية، ولكن دون أن تضيف للإنسان ذلك النظام الشامل الذي ينظم حياته في ظل الشريعة والدولة والحقوق والواجبات، ولكن الإمام البنا قد أنار الله بصيرته في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا الإسلامية المعاصر فوضع منهجاً جامعاً للأمة لا مفرق لها، فتلقاها العربي والأعجمي، والغني والفقير، والعالم والإنسان البسيط، والتاجر والفقير.
إن الركائز التي ينبني عليها الإسلام تتكامل فيما بينها من حيث الأمة والنظام الذي يدبر حياتها، والسلوك القويم والمبادئ العادلة التي تحفظ الحقوق وترتب الواجبات، ومعالم القوة العلمية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والحركية، فتلك الركائز هي التي يقوم عليها البناء الإسلامي المتين، وإن اختل أحد الأعمدة اختل البناء وصار هشاً أمام بقية الأمم.
وقد تلقف الكثير من الدعاة والمجددين والإصلاحيين دعوة الإمام البنا الشمولية بعد أن تيقنوا من صدق منطلق فكره بأن الله وحده هو الغاية والمقصد والسبيل، والإسلام بمفهومه الشامل لا شك أنه مصدر خوف لكل مستبد ومتوجس من تمكن هذا الدين وظهوره على سائر الأمم.
وعلى الرغم من قساوة الطريق وآلامه وما فيه من إيذاء أو اعتقال أو اغتيال أو تهجير لسالكيه، فإنه طريق الله الذي ارتضاه من حمل على عاتقه أمانة الصلاح والإصلاح لهذه الأمة.
في فبراير 1949م، تم اتخاذ القرار بأن يتم اغتيال حسن البنا، ظناً من مغتاليه أن الفكرة سينطفئ نورها بمجرد ذهاب مؤسسها وغيابه، وأن الفراغ القيادي سيولد المشكلات الداخلية ويضعف الإيمان بالفكرة من شعب الإخوان في البلدان الخارجية، ولكن هي دعوة الله الخالصة التي استمرت وكبرت وانتشرت وتوسعت ووصلت إلى ما كان يتمنى الإمام الشهيد رحمه الله ومن سار معه من إخوانه المؤسسين.
ولعل أجمل ما أوصى به الإمام في رسائله: «أيها الشباب، إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة؛ الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل، من خصائص الشباب، لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب، ومن هنا كان الشباب قديماً وحديثاً في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها؛ (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف: 13)».