من الخصائص والسمات المهمة للمدرب المتألق تجنُّب حشو الكلام، وسرد النظريات الفلسفية، والفرضيات التي لا تقوم على دليل سلوكي سواء من علم الاجتماع، أو علم النفس، أو علم الإدارة، أو غيرها من العلوم الإنسانية.
فوسائل التدريب كثيرة لا تعد ولا تحصى، وكل يوم يمضي يأتي العلم بوسائل جديدة في التدريب الآسر، ومن هذه الوسائل التي طابت لها النفوس، وقرت لها العيون، وطربت لها الآذان، وأثبتت فاعليتها لدى المتدربين نذكر منها التالي:
– سرد القصص الواقعية والمرتبطة بموضوع الدورة:
من شروط سرد القصة أن يذكر المدرب تاريخ وقوعها، ومكانها، والأشخاص المرتبطين بها، والعبرة من ورائها؛ وهذا ما يجعلها ذات جاذبية خاصة للمتدرب، أما زمن سردها فيكون عادة بين 3 – 10 دقائق.
وهذا مثال لقصة واقعية: في إحدى الدورات التدريبية لوزارة التجارة والصناعة في دولة الكويت، وكانت بعنوان «مهارات التواصل في العرض والتقديم»، قمت بسرد قصة لفتاة اسمها فاطمة أنهت الصف الثامن في مدرسة بريطانية في ضاحية سلوى، وقد حدثت هذه الواقعة في مايو 2001م.
أرادت فاطمة تحويل ملفها الأكاديمي من مدرسة ذات نظام بريطاني إلى مدرسة ذات نظام أمريكي، وقد طَلَبْتُ من المتدربين -وهم يستمعون إلى القصة- أن يكتبوا أهم 10 عناصر من عناصر التواصل مع الآخرين.
تقول القصة: كانت فاطمة قد أنهت الصف الثامن، وأرادت أن تنهي المرحلة الثانوية في مدرسة للبنات غير مختلطة، فتقدمت للقبول في مدرسة أمريكية للبنات بمنطقة سلوى في الكويت، وكان من شروط القبول في المدرسة الأمريكية اجتياز امتحان تفرضه المدرسة على جميع الطلبة المتقدمين لها.
حينما قامت مديرة المدرسة الأمريكية -واسمها مورغان- بمراجعة نتيجة امتحان فاطمة، صُدمت! وأخبرتها أنها رسبت رسوباً مروعاً في الامتحان! وأن المدرسة الأمريكية قد رفضت طلبها!
من وسائل التدريب سرد القصص الواقعية المرتبطة بموضوع الدورة
هنا، قالت فاطمة للسيدة مورغان: أرجوك، اختبريني مرة أخرى، فالأمر يهمني، قالت مورغان، بعد سجال في الحديث مع فاطمة: حسناً، تعالي بعد الصيف بتاريخ 5 سبتمبر، ولك فرصة ثانية وأخيرة في إعادة الامتحان.
قبلت فاطمة التحدي، وبدأت تستعد للامتحان في الصيف، والتزمت بالموعد، وأعادت حل الامتحان، ولكنها شعرت في قرارة نفسها أنها لم تتقن الأداء للمرة الثانية؛ فبادرت فاطمة، واتصلت بمورغان وقالت لها: من الضرورة بمكان أن ألتقي بك قبل تعليق النتائج.
قالت مورغان، بعد سجال في الحديث مع فاطمة: حسناً، تعالي يوم غد الساعة 10 صباحاً، ولك دقيقة واحدة فقط، تخبريني بما تريدين.. بالطبع، دقيقة واحدة -في عرف الناس- لا تكفي لإقناع مورغان بتحويل الملف، ولكن فاطمة وافقت وقبلت التحدي.
وبدأت فاطمة تستعد لهذا اللقاء الذي مدته دقيقة واحدة فقط، فوجدت معادلة رائعة في كتاب مكتوب باللغة الإنجليزية للكاتبة سام هورن بعنوان «الثقة الخرسانية»، تشير هذه المعادلة إلى كيفية إقناع الشخص الذي أمامك بأفكارك في 7 ثوانٍ بتطبيق معادلة «SMILE»، ومعناها:
«S = Smile at the face»: ابتسم في وجه الشخص الذي أمامك.
«M = Make the shake of hand»: صافح الشخص الذي أمامك.
«I = Introduce yourself»: عرِّف نفسك.
«L = Learn the name of the other party»: تعرَّف إلى الشخص الذي أمامك.
«E = Eye contact the other party»: اتصل بصرياً بالشخص الذي أمامك.
بدأت فاطمة تمارس هذه المعادلة، وتستعد مسبقاً في كيفية ممارستها، حتى أتقنتها في 7 ثوانٍ، وفي اليوم التالي وصلت فاطمة قبل الموعد بربع ساعة، وذلك في لقاء مدته دقيقة واحدة، فلما حانت الساعة العاشرة، رأت فاطمة السيدة مورغان، فابتسمت في وجهها، ومدت يدها وصافحتها، وأقبلت عليها بوجهها، وقالت: معك فاطمة، هل أنت السيدة مورغان؟
أجابت مورغان، وهي منبهرة من طريقة فاطمة في استقبالها: نعم تفضلي! كيف يمكنني أن أساعدك؟
قالت فاطمة، في سرها: هذه 7 ثوانٍ من اللقاء قد مضت، باقي 53 ثانية، هنا بدأت فاطمة تتكلم بكل ثقة؛ لأنها جاءت وهي مستعدة لمقدمة مدتها 18 ثانية، وعدد كلماتها 36 كلمة، كانت قد حفظتها عن ظهر قلب، فقالت: سيدتي، لديَّ 5 أسباب تجعلني أُصر على قبولي في مدرستكم الموقرة:
أولاً: هذه رغبتي.
ثانياً: هذه رغبة أبي وأمي.
ثالثاً: مدرستكم تتمتع بسمعة طيبة.
رابعاً: جميع زميلاتي اللاتي تقدمن بطلب للقبول، قد قُبلن وأريد أن أكون معهن.
خامساً: أريد أن أكمل المرحلة الثانوية في مدرسة غير مختلطة.
هنا، انبهرت مورغان من أداء فاطمة الرائع! فقالت: هل أنت سياسية محنكة؟! اذهبي إلى بيتك وسوف أتصل بك خلال ساعتين من الزمن.
ذهبت فاطمة إلى بيتها وهي تحدِّث نفسها قائلة: قد بقي من اللقاء 35 ثانية! تُرى، هل استطعت أن أقنع السيدة مورغان ببغيتي في زمن استغرق 25 ثانية فقط؟
اتصلت السيدة مورغان بفاطمة بحسب الموعد وهي تقول لها: على الرغم من أن أداءك في الامتحان الثاني كان سيئاً، فإن مدرستنا تفتخر بوجود طالبة مثلك فيها، تحياتي الخالصة لك، أنت مقبولة!
.. وسرد آخر الإحصائيات وفتح المجال للمتدربين للتعليق عليها
بعد سماع هذه القصة، قام المتدربون بسرد بعضٍ من عناصر التواصل الفعال مع الآخرين، من هذه العناصر: الإصرار في تحقيق الهدف، قبول التحدي، الاستعداد المسبق، ممارسة معادلة «SMILE»، الابتسامة، المصافحة، تعريف النفس للآخرين، التعرف إلى الآخرين، مطالعة الناس في وجوههم في أثناء الحديث، ترتيب الأفكار، إدارة الوقت.
نخلص مما سبق؛ أن المدرب المتألق هو الذي يوصل أفكاره إلى المتدربين من خلال أسلوب سرد القصص الواقعية والمرتبطة بموضوع الدورة.
– سرد الإحصائيات:
كذلك من وسائل المدرب المتألق سرد آخر الإحصائيات المتعلقة بموضوع الدورة، ويجعل المتدربين يقرؤونها ويعلقون عليها.
في إحدى الدورات لبنك بوبيان بعنوان «التميز في خدمة العملاء»، تم عرض إحصائية العملاء المتذمرين على هيئة سؤال يبدأ بـ«هل تعلم؟» كما يلي:
1- هل تعلم أنه من كل 20 عميلاً متذمراً، يوجد عميل واحد يبث شكواه إلى المؤسسة مباشرة، في حين يوجد 19 عميلاً يبثون شكواهم إلى الناس من حولهم؟
2- هل تعلم أن كل عميل متذمر يخبر 10 أشخاص عن شكواه لأناس خارج المؤسسة؟
3- هل تعلم أنه إذا حُلت مشكلة العميل المتذمر، فإن احتمال رجوعه للتعامل مع ذات المؤسسة يصل إلى 54%؟
4- هل تعلم أنه إذا حُلت مشكلة العميل بسرعة، فإن نسبة رجوعه للتعامل مع ذات المؤسسة يرتفع ليصل إلى 96%؟ السر هنا يكمن في سرعة حل المشكلة!
5- هل تعلم أن كل عميل راضٍ يُثني على المؤسسة، ويُخبر 5 أشخاص خارج المؤسسة عن رضاه؟
لذلك، من المهم جداً أن يقوم المدرب بسرد الإحصائيات الخاصة بموضوع الدورة ويجعل المتدربين يقرؤونها، ومن ثم يفتح المجال للتعليق عليها، ولا ينسى أن يوجِّه سؤالاً للمتدربين عن مدى صحة الإحصائيات التي يعرضها، ومدى توافقها مع بيئات العمل في بلادنا.