فتح وزير الأوقاف المصرية السابق، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الأسبق، فضيلة أ.د. طلعت عفيفي قلبه لـ«المجتمع»، في حوار رمضاني خاص، وأول حديث إعلامي له منذ سنوات.
تحدث العالم الأزهري الجليل عن كيفية استقبال شهر رمضان المعظم، وتأثيرات نفحاته على واقع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبخاصة مع استمرار معركة «طوفان الأقصى»، وقضايا الدعوة الإسلامية و«الإسلاموفوبيا».
رمضان موسم وفرصة ونعمة ورمانة الميزان لباقي الشهور
في البداية، كيف ينبغي أن ينظر المسلمون إلى شهر رمضان؟
– رمضان شهر له خصوصية، فهو ليس كبقية شهور العام، كما أنه فرصة، فهو كما ذكر الله عز وجل: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) (البقرة: 184)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر شهر رمضان رمانة الميزان بالنسبة لباقي الشهور، إذا صح التعبير، فكان يستعد قبل مجيئه جيداً، وسلفنا الصالح كانوا يستعدون له كذلك، ويدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان.
علينا ألا يمر هذا الشهر كغيره، وندعو الله أن يرزقنا السداد فيه، فهو شهر مفصلي وله قيمة ووزن، ويعتبر منحة ونعمة من الله عز وجل، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النيران، وتصفّد مردة الشياطين، وتتضاعف الحسنات، وتعم الخيرات ربوع الأمة بشكل واضح؛ قياماً وصياماً ودعاء وصلاة وصلة وتواصلاً بين الناس.
كيف ترون واقع الأمة الإسلامية حالياً، وتأثير رمضان عليه؟
– وضع الأمة الإسلامية على غير ما نحب، فهي ترزح في ابتلاءات وأزمات، وأعداء الأمة ينزلون بالمسلمين البلاء، وعلينا أن نستغل شهر رمضان في أن نتضرع إلى الله عز وجل أكثر أن يرفع عنا ذلك البلاء، وأن نتقرب إلى الله أكثر كي نحقق في أنفسنا ما طلب الله منا حتى يتنزل علينا النصر، مصداقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد 7)، وقوله عز وجل: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
يأتي رمضان، ومساجد غزة هدمت، والمسجد الأقصى تحت قيود تعسفية، ما تعليقكم؟
– لا نتوقع من أعدائنا خيراً، وعلينا ألا نلين، وأن نرفض أي مساس بمقدساتنا، وعلى إخواننا الفلسطينيين أن يجتهدوا في مواصلة برنامجهم الرمضاني، في المسجد الأقصى، مهما كانت التضحيات، فهذا نضال وجهاد في سبيل الله حتى نصل إلى تحرير مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، ويقيني أن موعد تحرره قد اقترب بإذن الله.
أيام الصيام قد تساعد على إصلاح ذات البين ووقف التنازع
اليهود يريدونها حرباً دينية، والذي لا يرى ذلك فهو لا يفقه حقيقة الأمر، وقد قال الله عز وجل: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) (البقرة: 217)، والمسجد هو رمز للدين، ومعنى هدم المساجد في غزة أو المساس بها هو استهداف للإسلام، ورغبة في عدم وجوده، ولكن الأرض جعلت للمسلمين مسجداً وطهوراً، وستعود المساجد لما كانت عليه وأفضل.
ولعل رمضان هذا العام يكون شهر الانتصارات والفتوح على أرض فلسطين، كما حدث في غزوة «بدر» و«فتح مكة»، ومعركة «عين جالوت»، وفتح عمورية، وفتح بلاد الأندلس، وحرب أكتوبر 1973م.
في ظل الخلافات والنزاعات بين أبناء الأمة، هل يمكن أن يشكل رمضان فرصة لمعالجتها؟
– لا شك أن المسلم مطالب بينه وبين المسلمين في أي وقت وزمان ومكان، بإصلاح ذات البين، مصداقاً لقوله تعالى: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (الأنفال: 1)، فاتحاد المسلمين وتضامنهم مع بعضهم بعضاً يعزز قوتهم، أما الفرقة والنزاع والتناحر والقتال فيخصم من قوتنا.
ولهذا، فإن رمضان فرصة لإصلاح تلك الأوضاع في ظل وضوح أعداء الأمة من يهود ومن خلفهم، أمام الجميع، وكذا مخططاتهم التي لا تريد خيراً للمسلمين، وانكشاف الوجه الحقيقي للحكومات الغربية ومدى عجز المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة.
الخطاب الدعوي ينبغي أن يهتم بالواقع بلا صدام ولا انعزال
توليتم سابقاً عمادة كلية الدعوة في جامعة الأزهر، بحكم خبراتكم، ماذا يحتاج الخطاب الدعوي الآن؟
– نحتاج إلى خطاب دعوي يتناغم مع المعطيات المعاصرة، بحيث لا يكون منعزلاً ولا يكون صدامياً، يذكر الحق دون أن يجامل أحداً، وعلى الداعية أن يناصر الحق وألا يذوب مع التيارات يميناً ويساراً، وأن يستخدم كل الطرق الإيجابية ليصل إلى الناس، سواء القديمة التقليدية أو الجديدة، وأن يخاطب الناس بوسائل عدة، فالدعوة لا تتوقف عند الخطبة أو درس المسجد، فالوسائل متعددة، والكلمة قد تصل إلى أنحاء العالم لا محيط الداعية؛ ما يتطلب تأهيله لاستخدام ما استجد من وسائل ليكون صوته مؤثراً.
وما يقال عن تجديد الخطاب الديني يجب أن يقتصر على وسائل الدعوة وأساليبها، ولا يمكن أن يكون في الإسلام، فحينها سيكون تبديداً للأصول والقواعد والثوابت.
تحرير المسجد الأقصى قد اقترب وحمايته جهاد في سبيل الله
في رمضان، كانت لكم جولات دعوية بين الجاليات في أمريكا؟
– زياراتي لأمريكا كانت تتم عادة في شهر رمضان، وكنت ألحظ عمار المساجد هناك وإقبال المجتمع الأمريكي المسلم على الطاعات والعبادات، والحنين الجارف للمسجد والكثافة العددية، وكنت متعلقاً بالمساجد، لا غير، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومساعدة المسلمين على صيانة دينهم في هذه البيئة.
وحالياً، أنا أتابع دعم الشعب الأمريكي، والغربي، والحر عامة، للقضية الفلسطينية بعدما كشفت لهم الأيام الأخيرة حقيقة اليهود.
كيف ترون «الإسلاموفوبيا» وتأثيرها على الأقليات المسلمة في الخارج؟
– هذه شعارات يريد بها أعداء الإسلام إخافة غير المسلمين من الدين الإسلامي، عبر الإشاعات والأكاذيب، ولكن الناس إذا وجدوا من يرشدهم إلى الدين بطريقة صحيحة، أو يعاملوا مسلمين على خلق حسن؛ لن يمنعهم أي أحد من دخول الإسلام أو أي وسيلة سلبية أو حملة مضادة.
اليهود يريدونها حرباً دينية وهدم المساجد بغزة استهداف للإسلام
ولكن البعض يقول: إن الإساءة تأتي من داخل المسلمين مثل تجربة «داعش»، هل تتفقون مع ذلك؟
– مثل هذه المنظمة وغيرها ممن قَتلوا وأشاعوا الرعب والفزع باسم الإسلام، أساؤوا للإسلام أبلغ إساءة، وفي رأيي أن هذه المنظمات صنيعة استعمارية، وفي المقابل، لعل الصورة التي ظهرت لـ«حماس» والمقاومين مع الأسرى اليهود كانت تصحيحاً لصورة المجاهدين المغلوطة لدى الغرب، وحملت رسالة غير مباشرة ودعوية ودعائية إيجابية للدين الإسلامي.
ومن الواجب على كل مسلم يقيم وسط الغرب أن يكون قدوة حسنة.
الكرة الآن في ملعب المسلمين، كما يقولون، ويقيني أن المستقبل للإسلام، والناس ستكتشف مع مرور الوقت أن الإسلام دين سابق في كل المجالات وهو الكلمة الحق.