كتاب “مدخل إلى فكر الإسلام الاقتصادي من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر” يعتبر واحدًا من أهم الإصدارات الحديثة في مجال تاريخ الفكر الاقتصادي، حيث يسلط الضوء على دراسة الأفكار الاقتصادية في العالم الإسلامي عبر العصور. صدر الكتاب ضمن سلسلة “ترجمان” التي يشرف عليها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويعود تأليفه إلى الباحث رامون فيرييه وترجمته إلى العربية من قبل خالد محمد جهيمة.
يتألف الكتاب من قسمين رئيسيين يضمان ستة فصول، تتناول مواضيع تاريخ الأفكار الاقتصادية في العالم الإسلامي وأسباب ندرتها في الدراسات الغربية. يمتد الكتاب على 296 صفحة تشمل ببليوغرافيا وفهرساً عاماً.
المؤلف رامون فيرييه هو أستاذ في كلية القانون والاقتصاد والعلوم الاجتماعية، ويُعتبر متخصصًا في دراسات التعاون الدولي والأوروبية. أما المترجم خالد محمد جهيمة فهو حاصل على الدكتوراه في المصطلح والترجمة من جامعة ليون الثانية.
تتناول الدراسة تطور الأفكار الاقتصادية عبر العصور، مركزةً على الفكر الاقتصادي الإسلامي ومساهمته في الحضارة الإنسانية. يركز الكتاب على تاريخ الفكر الاقتصادي بشكل عام، ويعكس استجابة الباحث لفجوة معرفية محددة مسلطًا الضوء على تأثير الحضارة الإسلامية في هذا المجال.
يتضمن كتاب “مدخل إلى فكر الإسلام الاقتصادي” منهجًا شاملًا يتكون من قسمين رئيسيين. يُركز القسم الأول على استكشاف أسباب الجهل بالفكر الاقتصادي في العالم الإسلامي، بما في ذلك عدم دراسة هذا الفكر على الرغم من تأثيره الكبير في العصور القديمة. يستعرض هذا القسم أيضًا آراء بعض المفكرين المسلمين حول التحديات الاقتصادية التي مرت بها المجتمعات الإسلامية في تلك الفترة.
يعتبر الكتاب ردًا على الفجوة المعرفية التي أشار إليها شومبيتر، الذين لم يعرفوا بعض جوانب الفكر الاقتصادي الإسلامي وأهميته في تاريخ الفكر الاقتصادي العالمي. يتناول القسم الثاني من الكتاب أعمال وآراء مجموعة متنوعة من الفلاسفة والعلماء والفقهاء المسلمين من القرون الوسطى، مما يشمل الطليعيين مثل ابن المقفع وأبو يوسف والجاحظ وأحمد بن حنبل وأبو الفضل الدمشقي. يُستخرج من أعمالهم أفكار اقتصادية مهمة مثل خطر الاكتناز وضرورة دوران النقد والثروة ومسألة الضرائب وحرية الأسعار في السوق التنافسية.
يُركز المؤلف بشكل خاص على إبن خلدون ويُعتبره بمثابة المغامر المؤرخ، حيث يحلل تفاعلات المجتمعات ويدرس العلاقة بين الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كما يناقش الكتاب العلاقة بين الغرب والاقتصاد الإسلامي، مؤكدًا على أن الاقتصاديين المسلمين بنوا قواعد اقتصادية جديدة استنادًا إلى مبدأ النزاهة، وتميزوا بمقاربة عملية ونظرية تمتاز بالمساواة والعدل في المعاملات.
من خلال جهود الباحثين الغربيين في استكشاف فكر الإسلام الاقتصادي، بدأوا يدركون أن التفكير الاقتصادي للمفكرين المسلمين الكبار لم يكن غريبًا عنهم، بل كان جزءًا مهمًا من مجموعة أفكارهم ونظرياتهم. كان لهؤلاء المفكرين العرب المسلمين أفكار متقدمة ونظريات تعكس تفكيرهم في المسائل الاقتصادية، ولو أنها لم تكن في مركز اهتمامهم الأساسي.
من بين هؤلاء المفكرين الكبار، كان لهم تأثير كبير في الفكر الاقتصادي الإسلامي:
ابن خلدون: يُعتبر من أبرز المفكرين المسلمين الذين درسوا المسائل الاقتصادية. وصفه البعض بأنه “المغامر المؤرخ”، حيث قدّم تحليلًا ديناميكيًا للمجتمعات وتأثير العوامل الاقتصادية عليها.
ابن تيمية: قدم وجهة نظر تشير إلى أن “النقد الرديء يطرد الجيد”، مما يشير إلى تأثير السياسات النقدية على الاقتصاد.
التلمساني: أشار إلى أن “النقد الرديء يطرد الجيد”، مما يعكس فهمه للتداول النقدي وتأثيره على الاقتصاد.
المقريزي: تناول مسائل مثل تداول النقد الرديء ودوره في ظهور التضخم، وأسباب التضخم وآثاره.
أبن المقفع وأبا يوسف والماوردي: قدموا مفاهيم مثل أن “كثرة الضرائب تقضي على الضرائب”، مما يشير إلى فهمهم لتأثير السياسات الضريبية على الاقتصاد.
صعوبات البحث تأتي من التحديات اللغوية والثقافية، حيث أن فهم الفكر الاقتصادي الإسلامي يتطلب فهمًا عميقًا للقيم الدينية والأخلاقية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من تلك الفكرة. وبالتالي، يجب على الباحثين غير الناطقين باللغة العربية الاعتماد على الترجمات الموثوقة والفهم العميق للسياق الثقافي والديني للفكر الإسلامي.
لذلك، يجب أن تكون الدراسات الغربية حول الفكر الاقتصادي الإسلامي شاملة ومتعمقة، تعتمد على الترجمات الدقيقة لنصوص المفكرين المسلمين الكبار وتستشفّ أيضًا الإضاءة الفقهية والدينية لكتاباتهم، لتكون مكملًا مثاليًا لفهم الجانب الاقتصادي من خلال الإطار الثقافي والديني المناسب.