كشفت بعض المصادر أن الدافع الحقيقي وراء عدم اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية بالرغم من قرار مجلس العموم البريطاني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وجود ذمم مالية كبيرة متراكمة لفلسطين عليها منذ فترة الانتداب، وبينت أن صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم عام 1922م منح بريطانيا الوصاية على فلسطين في كافة الشؤون الإدارية والسياسية والعسكرية، وكانت هناك إدارة مدنية تحت إشراف المندوب السامي البريطاني ومن ضمنها سلطة النقد الفلسطينية، التي كانت بمثابة بنك مركزي، وأصدرت أول جنيه فلسطيني بموافقة سلطة الانتداب على أن يكون له غطاء مساو من الذهب.
وأضافت أن رصيد فلسطين في 15 مايو 1948م كان بحدود 138 مليون جنيه، وقامت بريطانيا قبيل إنهاء الانتداب بتجميد جميع أموال مجلس النقد الفلسطيني بموجب قانون يسمى «قانون الدفاع المالي البريطاني»، وهي تساوي ألف طن من الذهب وأرسلتها إلى لندن، ويقدر الخبراء قيمة هذه الأموال في الوقت الحالي بحدود 70 – 80 مليار دولار، في حين أن قيمتها التراكمية على مدار 72 عاماً من الاستيلاء عليها تتجاوز 6 تريليونات دولار!
ودائع سلطة النقد الفلسطينية ما زالت لدى بريطانيا حتى الآن بانتظار وجود خلف قانوني لحكومة فلسطين، فإذا ما اعترفت بريطانيا بالدولة الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية أو الجهة التي ستكون الممثل الشرعي للدولة الفلسطينية ستصبح الخلف القانوني لحكومة فلسطين وسلطة النقد الفلسطينية ما قبل عام 1948م، وعلى بريطانيا أن تعيد إليها الودائع الفلسطينية مع الفوائد المتراكمة، أو بالحد الأدنى قيمتها ذهباً، والا ستواجه قضايا أمام المحاكم البريطانية والدولية، وهذا يعني إفلاس الخزينة البريطانية أو بالحد الأدنى كارثة مالية ستستمر آثارها لسنوات طويلة.
وللاطلاع أكثر على حيثيات هذه القضية، كان لنا هذا الحوار مع المحامي والقانوني الدولي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، صلاح عبدالعاطي.
في ضوء ما سبق، لماذا جمدت بريطانيا أموال مجلس النقد الفلسطيني؟
– بريطانيا كدولة استعمارية هدفها دوماً السيطرة على مقدرات البلاد التي تقع تحت وصايتها، وفي الحالة الفلسطينية وبعد سقوط الدولة العثمانية وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني ضمن اتفاقية «سايكس بيكو»، عام 1917م، وبالتالي سيطرت على مقدرات فلسطين وممتلكاتها من الأراضي والأموال والنقد، ثم أصدرت «وعد بلفور» المشؤوم الذي أعطى فلسطين وطناً قومياً لليهود، وساهمت بشكل كبير في ذلك من خلال تشجيع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، وتجريد الفلسطينيين من أراضيهم ومنحها لليهود، وتشجيع عملائها من العائلات وسماسرة الأراضي على بيعها لليهود، كما قامت بإصدار جملة من القرارات والقوانين والإجراءات من ضمنها السيطرة على الأموال الفلسطينية بموجب ما يعرف بقانون «الدفاع المالي»، وبالتالي جمدت هذه الأموال وسرقتها ونقلتها إلى البنوك البريطانية.
كم تبلغ قيمة هذه الأموال في حينها؟ وكم تقدر قيمتها في الوقت الحالي؟
– هذه الأموال التي سرقتها بريطانيا فترة انتدابها على فلسطين وجمدتها تعادل ما بين 140 – 130 مليون جنيه من الذهب، وهي تقدر بسعر اليوم بحوالي 70 مليار دولار بخلاف القيمة التراكمية عبر كل السنين الماضية التي تصل إلى 6 تريليونات دولار.
برأيك، ما المستندات التي يمكن الرجوع إليها لإثبات هذه المبالغ؟
– في الواقع أن فلسطين زمن الانتداب البريطاني وما قبله كان لديها بنك مركزي متكامل ومعترف به دولياً، وكانت العملة التي يصدرها مغطاة بالجنيهات الذهبية وتودع في بنوك بريطانيا وموثقة في أرصدتها، والتقارير والمستندات الصادرة عن هذه البنوك تكشف عن حقيقة وقيمة هذه الأموال والأرصدة وتثبت وجودها، ومن حق أي جهة رسمية تمثل الشعب الفلسطيني الحصول والاطلاع عليها في أي وقت.
كخبير قانوني ودولي، هل تعتقد أن هذه المعلومات دقيقة؟ وما مقتضاها القانوني؟
– بالتأكيد، فكافة التقارير التسلسلية للبنك المركزي الفلسطيني في حينه تشير إلى ذلك، وتشير إلى أن بريطانيا قامت بسرقة هذه الأموال وتجميدها، وهذه المعلومات تتطلب المتابعة القانونية والقضائية ليس فقط، لاعتبار أن بريطانيا هي التي أوجدت «وعد بلفور»، وما قامت به من إجراءات وتدابير من بينها سرقة الأراضي الفلسطينية والأموال، وتسهيل إقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين، ودعم العصابات الصهيونية، وهذا الأمر يتطلب التوجه نحو القضاء الدولي لاسترداد هذه الأموال.
وحول مقتضاها القانوني، فإن القانون الدولي أكد في اتفاقية واضحة عام 1983م، أنه على الدول التي استقلت حديثاً أن تحصل على كافة ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة الموجودة بعد الاستقلال حتى خارج البلد المستعمر، وأن القانون الدولي يضمن مبدأ خلافة الدول سواء في المعاهدات الدولية أو الممتلكات والحقوق والديون، وهناك نص واضح في المادة (15) من الاتفاقية الدولية لخلافة الدول المتعلقة بالممتلكات يقول: «إن الدولة المستقلة حديثاً تعود إليها كافة ملكية العقارات وغيرها من الأموال والممتلكات المنقولة وغير المنقولة التي كانت تسيطر عليها الدولة المستعمِرة».
في ظل وجود هذه القوانين الدولية التي تضمن الحقوق للدول المنهوبة، ما الطرق والوسائل لإعادتها؟
– فيما يتعلق بالطرق والوسائل التي يمكن أن تسلكها الدول النامية التي كانت مستعمرة للحصول على حقوقها المالية وديونها حسب المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة تتمثل في الطرق الدبلوماسية، والاستعانة بوسيط حليف قوي ليمارس نوعاً من الضغط وتقريب وجهات النظر، وممارسة نوع من الضغوط السياسية والاقتصادية، واللجوء للتحكيم الدولي والمحاكم الدولية المختصة في فض النزاعات.
هل تعتقد أن هذا هو السبب الرئيس لعدم اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية؟ أم أن هناك أسباباً أخرى؟
– قضية الأموال وسرقتها وتجميدها أحد العوامل والأسباب في عدم اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، ولكن هناك العديد من الأسباب والعوامل الأخرى، من ضمنها استمرار الهيمنة والعقلية الاستعمارية باعتبار بريطانيا أكبر مساهم في قيام دولة الكيان، وارتباط السياسة البريطانية بالسياسة الأمريكية، وهي سياسات داعمة لدولة الاحتلال التي ترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
ألم تعترف «اتفاقية أوسلو» بالسلطة الوطنية الفلسطينية؟ فلماذا لا يطالب الرئيس عباس بهذه الحقوق؟
– الحقيقة أنني أبدي اندهاشي من عدم مطالبة السلطة الفلسطينية ورئيسها بهذه الأموال، فهي لديها الحق القانوني في ذلك، لأن معظم دول العالم تعترف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، إذن فهذه الأموال أصبحت مستحقة في ظل ذلك وواجب المطالبة بها، بل الأبعد من ذلك أن على السلطة الفلسطينية وعباس شخصياً المطالبة بجميع ما احتفظت به بريطانيا من ممتلكات للشعب الفلسطيني منذ الانتداب بما في ذلك الأرشيف والسجلات.
ما الأزمات التي ستتعرض لها بريطانيا في حال إعادة هذه الأموال؟
– أياً كانت هذه الأزمات التي ستواجه بريطانيا نتيجة ذلك حتى وإن تعرضت للإفلاس، أو لأزمة مالية خانقة مقابل ذلك، فهذا لا يسقط الحق الفلسطيني لا بالتقادم ولا لسبب الضرر الذي ستلحقه بها، لأن هذه الأموال هي حق مشروع للشعب الفلسطيني، فبريطانيا وأمثالها من الدول الاستعمارية بنت نفسها وعالجت أزماتها على حساب خيرات وثروات البلاد التي احتلتها.