بمؤتمر صحفي، في 29 سبتمبر الماضي، تحدث رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو عن خطة «إسرائيلية» لتشكيل ما أسماه «شرق أوسط جديد».
كان غرور القوة واضحاً، وهو يتحدث ويشرح عبر خرائط، كيف ستقوم دولة الاحتلال بتشكيل «الشرق الأوسط الجديد»، وفق هواها بين محورين؛ «شر» و«اعتدال»، وذلك بعدما كان الكيان الصهيوني يستجدي الدول العربية، منذ طرح هذا المصطلح لأول مرة في التسعينيات، ليعترفوا به كدولة ضمن الشرق الأوسط.
سبب زهو وغرور نتنياهو تصوره بعد اغتياله الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، والعديد من قادة الحزب، وحركة و«حماس»، وقصف اليمن وسورية ولبنان وغزة وإيران، أن القضاء على قوى المقاومة سيتبعه هيمنة «إسرائيلية» وبناء «شرق أوسط جديد».
ولأنه كان في زهو وغرور الانتصار على «حزب الله»، كان حديثه عن هذا الشرق الجديد مرتبطاً بتغيير توازن القوى في المنطقة، ملمحاً إلى أنه بعد ضرب «حزب الله» و«حماس» وإيران، لا يوجد مكان في الشرق الأوسط بعيد عن متناول «إسرائيل»، بحسب وكالة «رويترز».
بالمقابل، تحدث نتنياهو عن قيام تحالفات جديدة في المنطقة؛ أي التطبيع مع الدول العربية؛ لأن «إسرائيل» حينئذ ستكون منتصرة، وفق زعمه، ولم يكتف نتنياهو بالحديث بمنطق القوة؛ أي إخضاع الدول العربية والشرق الأوسط لهيمنة الكيان الصهيوني، بعد تغيير توازن القوى، ولكنه حشر تعاليم التوراة في حديثه؛ ما أكد أن المعركة دينية ووجودية؛ حيث لجأ إلى التوراة لتبرير وتفسير العدوان الذي تشنه «إسرائيل» على غزة ولبنان وسورية وإيران، متوعداً بتغيير المعادلات بالمنطقة.
وقال: «كما هو مكتوب في التوراة سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم»، مؤكداً: «نعمل بمنهجية على تغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط كله»، وكرر نتنياهو الحديث عن الشرق الأوسط الجديد، وتغيير المنطقة مستخدماً مصطلحات دينية عدة مرات منذ «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، حيث تحدث، في 2 سبتمبر 2024م، عن أن زمن المشياح (المسيح المنتظر من نسل داود) جاء ليقيم مملكة اليهود، وهو يبشر «الإسرائيليين» أنهم سينتصرون لأن زمن المشياح سيأتي.
وقبل هذا، زعم في خطاب تلفزيوني، في 25 أكتوبر 2023م، أنه سيحقق نبوءة إشعياء، في تدمير الفلسطينيين والعرب ووصفهم بأنهم أبناء الظلام، و«الإسرائيليون» أبناء النور.
ويتصرف نتنياهو وأركان حربه، ضمن سعيهم لتحقيق شرق أوسط جديد يكون لهم العلو والهيمنة فيه، كأنه في مسار انتصاري، للقضاء على «حزب الله»، ثم بقية أذرع إيران في سورية والعراق واليمن، وصولاً إلى استدراج إيران إلى احتكاك يسمح لدولة الاحتلال بفتح حرب ضدها بمشاركة الولايات المتحدة ودول غربية، وتدمير قدراتها النووية والعسكرية.
تحديات داخلية
كان من الواضح أن طرح نتنياهو مفهوم جديد لـ«الشرق الأوسط»، له علاقة بالصراعات والأزمات التي تواجه العديد من دول المنطقة وقوى المقاومة، بجانب تحقيق جيش الاحتلال اختراقات تكتيكية في الحرب مع «حزب الله».
لقد سعى الكيان الصهيوني لاستغلال هذه الأوضاع الداخلية للدول العربية، لإعادة تشكيل النظام السياسي أو الجغرافي للشرق الأوسط وفق منطق القوة العسكرية الجديد، جاء في غمرة النشوة بانتصارات مؤقتة على «حزب الله» وإبادة غزة، وحاول استغلال ما أسماه انتصارات «إسرائيل»؛ لتهديد الدول العربية التي لم تُطبع أو لا تزال تعتبره عدواً، بأنها ما لم تخضع لهيمنة الاحتلال (ضمن هذا الشرق الأوسط الجديد) فسيطالها القصف.
فالقاهرة تعاني من وقوعها تحت وطأة سلسلة تهديدات من كافة الاتجاهات الإستراتيجية؛ ففي الجنوب، تعاني من تداعيات حرب السودان، وأخطار العلو والغطرسة الإثيوبية بعد بناء «سد النهضة» وفرض أمر واقع على مصر وتهديد أمنها المائي والقومي.
وفي الغرب تعاني من عدم الاستقرار في ليبيا والصراع بين حكومتي طرابلس وشرق ليبيا، الذي يهدد بإعادة الحرب مجدداً.
ويتهددها من الشرق ضرب الحوثيين لسفن معادية في البحر الأحمر، الذي أدى لتراجع دخل مصر الأهم من قناة السويس بمقدار 6 مليارات دولار سنوياً، هي في أشد الحاجة لها.
وجاء احتلال «إسرائيل» لرفح الفلسطينية ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) وخرق معاهدة «كامب ديفيد» بهذا الاحتلال، وسط صمت مصري غريب، ليزيد الضغوط والتهديدات الداخلية في مصر.
فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الحادة، التي وصلت لحد تلميح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لأول مرة للجوء لـ«اقتصاد الحرب»، حال اتسعت الأزمة.
ويحاول نتنياهو استغلال هذه التحديات المصرية الداخلية بفرض معادلة جديدة في منطقة الحدود تقوم على قطع علاقة مصر بغزة (غلق معبر رفح وإنشاء ممر «ديفيد»)، ومزيد من تركيعها أمام المشروع الصهيوني.
وقد عبر عن هذا المأزق المصري واستغلال «إسرائيل» له عاموس يدلين، رئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية الأسبق، بقوله: لن نسمح بتواجد جيش على حدودنا إلا بالمعايير التي وضعناها للجيش المصري والجيش الأردني، زاعماً أن كليهما لا يتحركان إلا بأوامر صارمة من دولتنا!
القيود ذاتها تكبل الأردن، الذي يعاني من أزمات اقتصادية وأمنية وضغوط داخلية بسبب حرب غزة، وما تبعها من طرح أطراف صهيونية أفكاراً عدوانية مثل ملف تهجير الضفة الغربية، وهدم المسجد الأقصى وغيرها من الملفات، التي لها تأثير مباشر على الأردن وتوازنه.
وقد تحدثت افتتاحية صحيفة «هاآرتس»، في 7 أكتوبر الجاري، عن أصوات عربية معتدلة، تعرض السلام على «إسرائيل»، وانتقدت عدم وجود هذه الأصوات المعتدلة في حكومة «إسرائيل»، وانتقدت الصحيفة سعي حكومة نتنياهو لاحتلال الشرق الأوسط بحجة 7 أكتوبر ورفض السلام.
ودعت الصحيفة العبرية في افتتاحيتها الأصوات المعتدلة في «إسرائيل» إلى الانضمام إلى الأصوات المعتدلة في العالم العربي، لتعزيز المحور المناهض لإيران، الذي يمر عبر إقامة دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل».
وقد ألمح تقرير لصحيفة «ناشيونال إنترست»، في 7 أكتوبر الجاري، أيضاً لفشل حكومة نتنياهو في التكامل الإقليمي مع الدول العربية المعتدلة كضرورة إستراتيجية جديدة، وذكرت الصحيفة أن هذا النهج، بربط المصالح المتبادلة بالسلام والاستقرار، يوفر للكيان الصهيوني أفضل فرصة لتأمين مستقبله في عالم متزايد الغموض، محذرة «إسرائيل» من أن هناك حاجة إلى تنويع تحالفاتها مع الدول العربية، والحد من اعتمادها على القوى الغربية، كما فعلت بـ«اتفاقيات أبراهام»، لبناء شراكة اقتصادية وتقليل التوترات السياسية وخلق منافع متبادلة.