من خلال متابعتي للأنشطة العلمية والخيرية في الكويت على صفحات مجلة «المجتمع»، استوقفتني مسألة الغمز في العمل الخيري الذي يقوم به أهل الكويت على امتداد العالم كله.
ولقد هممت في مرات عدة أن أكتب خاطرة في هذا الأمر، غير أن القاعدة الفقهية «تعريف المعرَّف تنكير»، كانت تصرفني عن ذلك، حتى قرأت حواراً مع عبدالله العلي المطوع حفظه الله تعالى(1)، فإذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم يقفز إلى مخيلتي «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم؟!».
معذرة، فإنها خاطرة تكتب بدون تكلف، ولا تنسيق عبارات.
إن من يفكر بتحجيم العمل الخيري في الكويت أو منعه فكأنه يتخذ قراراً بإلغاء الكويت المنطلق اسمها من «كوت»؛ قلعة، وهي مخزن للخيرات.
إن حضور الكويت في أذهان العالم أجمع هو أكبر بكثير من حضور دول أخرى، لا بل فإن المشابهة غير موفقة، فقد تذكر دولة ما لقوة بطشها وجبروتها والحروب التي تشعلها هنا وهناك، بينما الكويت تذكر بخيرها والنعم التي تفيضها بتوفيق من الله تعالى على المتعبين والمنكوبين والمتطلعين إلى ارتقاء سلم المجد والعزة.. دول عظمى.. يتذكرها من دمرت مدنهم، وقتلت فلذات أكبادهم وسُلبت خيراتهم وحجمت حرياتهم، وقضي على وجودهم، أما من يتذكر الكويت باستمرار فهم: يتيم مكفول، وطالب يدرس، وعطشان يشرب، ومنكوب يغاث، ومصلٍّ يذكر الله تعالى في محراب مسجد، هؤلاء هم من لا تغيب الكويت الرمز، عن بالهم.. وإليها تهفو قلوبهم.. فأي فرق بين هذه وتلك؟
إن دول العالم تحب أن يكون لها حضورها في بقاع الأرض الأخرى، ودولة مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا تقوم بتقديم الهبات والمعونات للدول النامية أو الفقيرة، وكذلك القروض، فإذا لم يكن في ذلك مصلحة، فلِمَ يفعلونه؟ لكن الفارق يبقى دائماً بين خير الكويت وسائر دول الخليج ومساعدات دول أخرى، فأهل الخير يتأسون بما وصف الله تعالى به المؤهلين من المؤمنين لدخول الجنة؛ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) (الإنسان)، أما الآخرون فيقدمون مساعداتهم لإحكام السيطرة على الضعفاء والمغلوبين واستعبادهم أو العمل على إفلاس مؤسساتهم الاقتصادية والإنتاجية، وفوق ذلك ترتيب ديون وفوائد ربوية ستؤدي إلى إفلاس الدولة التي تمت مساعدتها والشواهد كثيرة.
أما أهل الخير فقدرهم أن يقيهم الله تعالى الشرور، وأن ينضر وجوههم، وينير بصيرتهم، ويجزيهم سعادة الدارين.
إن كاتب المقال من منطقة جبلية في ريف طرابلس، «الضنية»، يستفيق عند الصباح على أصوات المؤذنين بين تلك الهضاب والروابي، فيمتع ناظريه بجمال المآذن المرتفعة ويعيش لحظات قرب من الله تعالى وهو يسمع الله أكبر الله أكبر، فتعود به الذاكرة إلى أهل الخير في الكويت والخليج، ويلهج لسانه بحمد الله تعالى والشكر والثناء.
وفي هذا الجبل الأشم «الضنية» بَنَتْ الأيادي الكويتية مستشفى عظيماً يشعر المشاهد بنقلة جديدة، كما حصل مثل ذلك في مناطق أخرى من لبنان.
وإذا خطر لمن يحب المعرفة والاستطلاع فسوف تقابله في كل ناحية مدرسة كبيرة، ومسجد ومستوصف.
إن كويت الخير هي الرئة التي يتنفس منها المتعبون الذين يسألون الله تعالى أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وتقدم لهم من خيرات الله تعالى وثمار خلقه، حفظ الله تعالى الخير وأهله إنه سميع مجيب(2).
________________________
(1) توفي العم عبدالله المطوع رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح السابق يوم الأحد 10 شعبان 1427هـ/ 3 سبتمبر 2006م.
(2) كتب هذا المقال د. علي لاغا، باحث وأستاذ جامعي لبناني، وتم نشره في العدد (1374)، 24 رجب 1420هـ/ 2 نوفمبر 1999م.