يُشبه الأطفال بالأزهار المتفتحة، كل زهرة تحمل لوناً مختلفاً ورائحة فريدة وأسراراً تنتظر الاكتشاف، ومع ذلك، يمر على البعض موسم الإزهار دون أن ينتبهوا لروعة الألوان أو عمق الروائح التي تحيط بهم.
في خضم ضغوط الحياة، يفوت العديد من أولياء الأمور فرصة ثمينة لاكتشاف مواهب أبنائهم وميولهم في سنوات طفولتهم الأولى؛ ما يحرم المجتمع من طاقات واعدة كان من الممكن أن تساهم في نهضته.
إن إدراك الأهل لمواهب أبنائهم في الصغر وتمكينهم من تنميتها قد يُنتج شخصيات متميزة قادرة على الإسهام الفعال في المجتمع، إلا أن عوامل عدة قد تحول دون ذلك، بدءاً من الانشغال بمتطلبات الحياة، وصولاً إلى النظرة التقليدية للتعليم.
الطفل الموهوب يميل إلى طرح الكثير من الأسئلة كأنه يفتح باباً لاستكشاف كل شيء
على سبيل المثال، نرى في حياة العالم توماس إديسون كيف لاحظت والدته شغفه بالتجارب العلمية وشجعته على تطويره، رغم عدم استيعاب المدرسة لأسلوبه المختلف في التعلم، ونتيجة لهذا الدعم، أصبح إديسون من أبرز المخترعين في العالم، كأنه مصباح أضاءت به والدته حياته وحياة البشرية.
قصة ألبرت أينشتاين تسلط الضوء، كذلك، على دور الأهل، حيث لم يستسلم والداه لصعوبات التواصل التي واجهها، بل دعماه ووفرا له بيئة محفزة للابتكار؛ ما أثمر عن إسهاماته العلمية الهائلة.
مثل هذه الأمثلة تبيّن لنا مدى أهمية دور الأهل في اكتشاف مواهب أطفالهم، وكيف يمكن لهذا الدعم المبكر أن يُحدث فارقاً كبيراً في حياتهم، بل وفي حياة مجتمعاتهم.
تظهر ملامح وسمات الأطفال الموهوبين في المنزل بطرق مختلفة، وهي إشارات يجب أن ينتبه إليها أولياء الأمور، من أبرز هذه السمات الفضول العالي؛ حيث يميل الطفل الموهوب إلى طرح الكثير من الأسئلة حول العالم من حوله، كأنه يفتح باباً خلف باب لاستكشاف ما وراء كل شيء، كما أنه يمتلك تركيزاً شديداً عند الانخراط في نشاط معين يستمتع به، مثل الرسم أو حل الألغاز، بحيث يبدو العالم بالنسبة له ضوءاً مسلطاً على هذه اللحظة الممتعة.
يبرز الطفل الموهوب كذلك بقدرته على حل المشكلات بطريقة مبتكرة، واهتمامه الدقيق بالتفاصيل التي قد يغفلها الآخرون، هذه الملامح هي بمثابة نوافذ يمكن للأهل من خلالها التعرف على مواهب أبنائهم وميولهم الحقيقية، لتوجيهها نحو مسارات بناءة.
تنشئة الموهوبين وتوجيههم نحو ما يخدم الأمة الإسلامية مسؤولية كبيرة على الأسرة المسلمة
لكن رغم وضوح هذه السمات أحياناً، هناك عوامل عدة تجعل الأهل يفوتون فرصة اكتشاف مواهب أطفالهم، منها ضغوط العمل وانشغالات الحياة اليومية؛ ما قد يصرف انتباههم عن ملاحظة تفاصيل دقيقة في سلوك الطفل، كذلك، يعاني بعض الأهل من نظرة تقليدية للتعليم، حيث يعتبرون أن المدرسة كافية لتحديد مسار الطفل، بينما يتطلب اكتشاف الموهبة جهداً إضافياً ومتابعة شخصية داخل المنزل.
هناك أيضاً عدم دراية بطرق التعرف على الموهبة، حيث لا يتوفر لدى الجميع الوعي الكامل حول كيفية دعم الأطفال الموهوبين أو التعرف إلى اهتماماتهم منذ الصغر، وأحياناً قد تكون هناك رغبة من الأهل في فرض طموحاتهم الشخصية على الطفل؛ ما قد يتعارض مع ميوله الحقيقية.
في الأسرة المسلمة، يُعد تنشئة الموهوبين وتوجيههم نحو ما يخدم الأمة الإسلامية مسؤولية كبيرة، حيث يعتبر الإسلام الأسرة اللبنة الأساسية في بناء الأجيال، وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»؛ ما يعكس ضرورة العناية الشاملة بالأبناء، بما في ذلك اكتشاف مواهبهم وتوجيههم نحو مجالات نافعة ومثمرة، الأسرة المسلمة يمكنها أن تكون الداعم الأول لأبنائها الموهوبين، من خلال تعزيز قيم الاجتهاد والإبداع واستخدام الموهبة لخدمة المجتمع.
من المفيد توجيه الطفل للمشاركة في أنشطة ودورات تدريبية قد تعزز من مهاراته
لتتمكن الأسرة من القيام بهذا الدور على أكمل وجه، هناك عدة عوامل مساعدة يمكن للأهل اتباعها لاستكشاف مواهب أبنائهم وتطويرها، من أهم هذه العوامل مراقبة سلوك الطفل عن كثب، وملاحظة النشاطات التي يميل إليها بشكل طبيعي، يمكن للأهل كذلك تقديم الدعم والتشجيع باستمرار، خاصة عندما يتعلق الأمر بأنشطة يحبها الطفل، فالتشجيع يولد الثقة ويحفز الإبداع.
من المفيد أيضاً توجيه الطفل للمشاركة في أنشطة ودورات تدريبية قد تعزز من مهاراته، والاستفادة من برامج دعم الموهوبين في المدارس أو المؤسسات المجتمعية، من جهة أخرى، يُستحسن أن يسعى الأهل للتعلم المستمر حول كيفية اكتشاف الموهبة وتطويرها، من خلال الكتب والمصادر المتاحة؛ ما يمنحهم الأدوات اللازمة لتقديم الدعم الملائم لأطفالهم.
إضافة إلى ذلك، يمكن للأهل تبني أنشطة تفاعلية في المنزل، مثل جلسات «ساعة الإبداع» اليومية، حيث يُخصصون وقتاً يومياً للأطفال لممارسة الأنشطة التي يحبونها، سواء كانت الرسم، أو الحرف اليدوية، أو حتى التجارب العلمية البسيطة، صندوق الفضول هو فكرة أخرى، حيث يُعد الأهل صندوقاً يحتوي على أدوات متنوعة من كتب، وألغاز، وأدوات رسم وتجارب، ويتركون للطفل حرية استكشافه، كما يمكن للأهل، أيضاً، اصطحاب الأطفال إلى المتاحف والمعارض العلمية، حيث يتعرفون على مجالات جديدة، وقد يكتشفون ميولاً كانت خفية.
اكتشاف المواهب في سن مبكرة خطوة نحو إعداد جيل من المبدعين والمتميزين
أخيراً، يمكنهم الجلوس مع الأطفال بانتظام ومناقشة اهتماماتهم، والاستماع لأفكارهم وتشجيعهم على طرحها بوضوح، فالتواصل المفتوح يمكن أن يسلط الضوء على مواهبهم الحقيقية، كذلك، يمكن للأهل تشجيع الأطفال على بناء وتركيب المجسمات والألعاب التعليمية التي تنمي مهاراتهم الذهنية والحركية.
في الختام، يعد اكتشاف المواهب في سن مبكرة خطوة جوهرية نحو إعداد جيل من المبدعين والمتميزين الذين يمكنهم المساهمة بفعالية في مجتمعاتهم وأمتهم الإسلامية، ولأن الموهبة نعمة ربانية، فإن دور الأهل هو رعايتها وصقلها، لتمكين الطفل من الاستفادة منها وتوجيهها نحو الخير والنفع.