رغم مرور أكثر من عام على تدشين حملات المقاطعة الاقتصادية لشركات دعم الكيان الصهيوني في الشارع المصري، فإن المصريين ما زالوا يكبدونها خسائر لافتة، تبرز جهود المصريين لدعم القضية الفلسطينية في إطار الحيز المتاح في البلاد، بجوار بعض الندوات وسرادقات العزاء الوطنية، والبيانات الداعمة من النقابات المهنية، بعد انحسار فرص التظاهر لأسباب أمنية.
ويعول مراقبون تحدثوا لـ«المجتمع» على استمرار نجاح المصريين في مسار المقاطعة الشعبية، شريطة إعادة تقييم الحملات لنفسها، وإعداد هيكلة لنشاطها، لتطوير المقاطعة وتعزيز فرص نجاحها.
حس وطني
من جانبه، يثمن د. عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، في حديثه لـ«المجتمع»، نجاح الشعب المصري في حملات المقاطعة الاقتصادية، مرجعًا ذلك إلى الحس الوطني والإدراك الشعبي بأهمية ذلك في مواجهة ما يحاك للمنطقة في ظل الحرب على غزة وجنوب لبنان.
انخفاض إيرادات واختفاء منتجات وعلامات تجارية متأثرة ونمو الطلب على «المحلي»
ويضيف أن الشعب المصري صاحب خبرات طويلة في المقاطعة، خاصة في أوقات مواجهاته مع الكيان الصهيوني بعد هزيمة عام 1967م، والانتصار الكبير في أكتوبر 1973م، حيث كانت هناك مقاطعة اقتصادية شاملة لأصدقاء الكيان الصهيوني من أجل دعم المجهود الحربي في مواجهة العدو.
ويرى عامر أن ثمار المقاطعة الاقتصادية تظهر بشكل واضح في الاعتماد على المنتج المحلي الخالص، بدلًا من الاعتماد على العلامات الأجنبية، وهو ما يساعد، بحسب تأكيده، الاقتصاد المصري في أزمته، ويعيد الاعتبار للإنتاج في مصر على حساب الاستيراد، ويعزز عقيدة المصري الثابتة في مواجهة العدوان، في ظل عجز المؤسسات الدولية والعالم عن ردع الاحتلال ووقف إطلاق النار.
هيكلة مطلوبة للحفاظ على النجاح
ويذهب مدير تحرير صحيفة «الأهرام» القاهرية الأسبق، المحلل السياسي كارم يحيى، في حديثه لـ«المجتمع»، إلى أهمية التعامل بخطة وهيكلة أمام الأخبار الإيجابية للمقاطعة الشعبية الاقتصادية لشركات دعم الاحتلال، حتى لا تمتص حماس المصريين، بشكل يؤثر سلبًا على استمرار تصاعد فكرة المقاطعة في المجتمع المصري.
ويطالب يحيى القائمين على حملات المقاطعة الشعبية في النقابات والأحزاب والجامعات بتقييم الأوضاع من جديد، والعمل على وضع قدر أكبر من الهيكلة بعد التقييم، للتركيز على تطوير الحملات وتجويدها بما يشكل فارقًا في نسب المقاطعين في المجتمع.
يحيى: الأزمة الاقتصادية ومشاهد الإبادة وتراكم الخبرات وراء نجاح المقاطعة
ويشير إلى خبرات المصريين في مجال المقاطعة الشعبية منذ السبعينيات من القرن الماضي، التي نجحت فيما يسميه «قطع رجل» الصهاينة من حضور معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلى جانب خسائر اقتصادية لشركات دعم الاحتلال.
ويرجع يحيى نسب النجاح اللافت، حسب الأرقام المنشورة، إلى حجم الأزمة الاقتصادية الكبير الضاغط على الطبقة الوسطى في مصر الذي تصادف مع انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، حيث ساعد على رواج فكرة المقاطعة في هذه الطبقة التي لم تعد قادرة على استمرار عاداتها الاستهلاكية السابقة كالاعتماد على الوجبات السريعة، أو استمرار دعم تلك العلامات الأجنبية في ظل جرائم الإبادة الصهيونية، في ظل عملية استغلال ممنهجة من تلك السلاسل الأجنبية والعلامات التجارية الداعمة للكيان الصهيوني.
ويرجح أن قلة المساحة المتاحة للاحتجاج في مصر بالمقارنة مع دول أخرى كالأردن والمغرب واليمن، دفعت المصريين إلى التمسك بالمقاطعة كأداة احتجاج اقتصادية معتبرة، ومساحة تنفيس في مواجهة مشاهد القتل والترويع والدمار التي ينفذها الاحتلال بمعاونة الأمريكيين.
خسائر مستمرة لشركات الكيان
وفي الأيام الأخيرة، اعترفت شركة «أمريكانا» بخسائرها في المنطقة العربية، وبخاصة في مصر، بعد تراجع أرباحها بنسبة 52%، خلال الربع الأول من العام 2024م إلى 28 مليون دولار، مقارنة مع 58.1 مليون دولار في نفس الفترة من عام 2023م، مؤكدة أن السبب يرجع لمقاطعة المصريين للعلامات التجارية الأمريكية المساندة للكيان الصهيوني بعد العدوان على غزة.
عامر: حس وطني وإدراك شعبي بأهمية فعل شيء في مواجهة ما يحدث بالمنطقة
ووفق البيانات الرسمية، فقد انخفضت إيرادات شركة «أمريكانا» بمصر بواقع 45%، فيما حلت الكويت في المركز الثاني بواقع 16%، تلتهما السعودية والإمارات بنسبة 5%.
وتضم سلسلة أمريكانا قائمة طويلة في حملات المقاطعة، مثل: «كنتاكي»، و«هارديز»، و«بيتزا هت»، و«كرسبي كريم وويمبي»، و«تشكن تكا».
وترى المترجمة شفاء علاء، في حديثها لـ«المجتمع»، أن هناك روح تحدٍّ متنامية في مسألة المقاطعة في مصر باعتبارها الوسيلة المتاحة أمام كل الناس، لدعم أهلنا في غزة ولبنان، مؤكدة أهمية امتداد روح المقاطعة إلى مقاطعة الثقافة الأمريكية وثقافة الرجل الأبيض خاصة بعد فوز ترمب برئاسة أمريكا.
وفي 21 أغسطس الماضي، توقفت شركة «بيبسيكو» عن توريد منتجات المشروبات الغازية «ليبتون آيس تي» التي كانت تحظى برواج كبير بين المصريين؛ تأثرًا بالمقاطعة الشعبية، وفق تقارير محلية متواترة.
بالتزامن، شهدت الشركات المصرية الوطنية نمواً في الطلب على منتجاتها، ووفق تقارير اقتصادية محلية، أكدت فتح حملات المقاطعة أبواباً جديدة أمام نمو مكاسب المنتجات المحلية مثل «سبيروسباتس»، و«إيجيبت فودز»، و«جي بي إس»، وشركة «كوفرتينا» للشوكولاتة.
جهود شعبية متواصلة
على مستوى الحملات والجبهات، تتواصل الجهود الشعبية لدعم المقاطعة وتطويرها.
روح تحدٍّ متنامية ومطالبة بامتداد المقاطعة إلى الأمركة والإعلام المتصهين
وأعلنت «الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل» (بي دي إس إيجيبت) تأثر علامة «كارفور» التجارية بمصر المحسوبة على شركة فرنسية داعمة للاحتلال، وتراجعها تراجعًا ملحوظًا، جراء المقاطعة.
وقالت الحملة الشعبية، في بيان: ستستمر خسائر كارفور في التعاظم طالما أصرت على التواطؤ لصالح الاحتلال الصهيوني والمشاركة في احتلال وتهجير الشعب الفلسطيني.
وفي ذكرى «وعد بلفور»، نظمت الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية بمصر (حق الناس) ندوة بمقر حزب الكرامة لدعم المقاطعة، دعت فيها إلى تفعيل جهود الدعاية لصالح استمرار دعم المقاطعة والمقاومة.