مازالت التساؤلات حائرة عن مفاهيم وقيم العالم الذي نعيش فيه، بواقع عملي في مجال حقوقي وزياراتي ولقاءاتي في العديد من المؤتمرات والفعاليات المحلية والعالمية أجدني أقف بلا حراك مكتومة الصوت مضطربة المشاعر عندما أقرأ مثل هذا الخبر: “نساء من لاجئي مسلمي ا
مازالت التساؤلات حائرة عن مفاهيم وقيم العالم الذي نعيش فيه، بواقع عملي في مجال حقوقي وزياراتي ولقاءاتي في العديد من المؤتمرات والفعاليات المحلية والعالمية أجدني أقف بلا حراك مكتومة الصوت مضطربة المشاعر عندما أقرأ مثل هذا الخبر: “نساء من لاجئي مسلمي الروهينجيا يتعرضن للاتجار والبيع أثناء رحلة هروبهن”، ومرفق مع الخبر صورة لثلاث نساء مقيدات من أيديهن يجلسن في انكسار وخوف.
مؤلم أن ترى ذلك، وعلى الجانب الآخر صرخات وأصوات رنانة تتشدق بالقيم، وتطالب بالعدالة.. كيف لنا أن ندعي الحياة ونحن نسمع مثل هذه الانتهاكات الصارخة؟! كيف نمضي يوماً مبتسمين وهناك من تصرخ ولا يسمع لها صوت؟! وإليكم بعض أخبار الألم الذي هو أشد:
– في بورما ممنوع التواجد للصحفيين والإعلاميين، وفي حال استوقفت يتم سجنك.
– نحن كأعضاء مؤسسات حقوقية وناشطين لا يسمح لنا الدخول بشكل رسمي، وعليك أن تغامر وتسلك كل طريق خفي، وكل سبيل غير مستقيم؛ كي تصل، وعندها قد لا يصلح ذلك للعودة.
– المؤسسات الأممية لا تستطيع التواجد، وإن وجدت فيختار لها مكان تسير فيه، وخط سير لا تحيد عنه بعيد عن الألم.
– ممنوع على أهل البلد الصراخ أو الحديث، بل من جنون الدكتاتور أنه يعاقب ويحاسب من يحمل جوالاً ذكياً.
– قوانين صارمة تستهدف كلها إبادة مسلمي الروهينجيا أصحاب الأرض والحق.
وللأسف لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شارك في القهر والظلم دول الجوار التي لجأ إليها الروهينجيون والتي مارس بعضها انتهاكات جسيمة بدعوى عدم القدرة على استيعاب اللاجئين، ومازالت الأخبار تتواتر عن عصابات تستهدف اللاجئين، وخاصة النساء والأطفال ليتم المتاجرة بهم، وحدِّث ولا حرج عن سياسات الترحيل القسري والاعتقال دون وجه حق، وآخر هذه الانتهاكات ما تقوم به بنجلاديش من محاولات لنقل اللاجئين من مخيماتهم لأماكن أكثر صعوبة دون الاهتمام بالمعايير والأسس العالمية والأممية الموضوعة في هذا الشأن.
إن الانتهاكات في ميانمار بورما سابقاً ضد أقلية الروهينجيا المسلمة لا تسعها الأوراق لتكتبها، ولأن العالم منشغل تاركاً الفرصة لمن يستبد أن يمعن في استبداده ضد هذه الأقلية، فإننا موقنون بأن الحق لن يضيع، وسنواصل العمل برغم الصعوبات والحواجز، وسنظل نطالب بحق هؤلاء في حياة كريمة تحترم إنسانيتهم.
وأخيراً أقول: جاءت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحمل هذه الأسس والمسلمات لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.
ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.
ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.
ولما كان من الجوهري تعزيز تنمية العلاقات الودية بين الدول، ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.
ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها.
ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد..
فإنني أقول وبكل استهجان واستغراب: لما كان كل ذلك حقاً وأصلاً؛ لماذا نغمض العين عنه عندما يتعرض له الضعفاء؟ وهل وضعت الديباجة لغير الضعفاء، أم أنها مازالت حبراً على ورق؟