«عودوا إلى مقاعدكم».. كانت هي العبارة التي قالها القاضي محمود الرشيدي وهو يحكم ببراءة الرئيس السابق المخلوع «مبارك»
«عودوا إلى مقاعدكم».. كانت هي العبارة التي قالها القاضي محمود الرشيدي وهو يحكم ببراءة الرئيس السابق المخلوع «مبارك» وأركان حكمه، موجهاً حديثه لمن حصلوا على البراءة، بعد 3 سنوات وقرابة 4 أشهر من دخولهم القفص في 3 أغسطس 2011م، وهي عبارة غريبة اعتبرها نشطاء ثورة 25 يناير «ضوءاً أخضر» في الاتجاه المعاكس للثوار؛ بأن يعيدوا تنظيم صفوفهم مجدداً قبل حلول الذكرى الرابعة الثورة، ويعيدوا ثورتهم بعدما عاد النظام السابق بكافة رموزه وظلمه وقمعه، وأصبح الثوار وثورة 25 يناير هم المدانين، بل ويطالب إعلام السلطة حالياً بمحاكمة من دعوا لمحاكمة «مبارك» ورد الاعتبار له، ويتهمون الإخوان بأنهم من قتلوا الثوار، رغم أن من بين الشهداء كثيرين من الإخوان.
صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، لخصت في تقرير نشرته 6 ديسمبر 2014م ما يراه ثوار مصر بعد تبرئة «مبارك» بعبارة: «لم تحدث في مصر ثورة حقيقية حتى تموت»، مشيرة إلى أن الثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير بميدان التحرير لم تمت؛ لأنها لم تحدث من الأساس، واصفة الحكم الأخير ببراءة الدكتاتور المخلوع السابق «حسني مبارك» بأنه «بمثابة طبقة السكر فوق كعكة الثورة المضادة في مصر».
وأكدت أن الشعور العام هو أن الثورة الحقيقية لم تحدث في مصر، وأنه بعيداً عن الرغبة الثورية لتحقيق الإصلاح السياسي في البلاد التي جسَّدها خطاب «الربيع العربي»، وأيَّدها بعض الثوريين، فإن جزءاً من الشعب المصري أيَّد الثورة لهدفين أساسيين؛ هما: إنهاء حكم «مبارك» الذي استمر مدة 30 عاماً، ومنع خلافة ابنه «جمال»، إلا أن ما حدث من تحديات خلال الأعوام الأربعة الماضية واليأس دفع المصريين للبحث عن العودة للحياة الطبيعية حتى لو كان ذلك لا يرقى إلى الديمقراطية.
وسلط التقرير الضوء على «تناقص قدرة الشباب المؤمن بثورة حقيقية»، وأشار إلى أن مظاهرات النشطاء فيما بعد تعامَلَ معها الجيش بمزيد من القمع، وتناقص أعدادها حتى وصلت إلى إلغاء النظام الحالي إمكانية التظاهر من الأساس، ولكنه توقع «تبخر» دعم محبي الاستقرار للنظام الحالي خاصة في ظل عدم توفير «السيسي» الاستقرار المطلوب سياسياً واقتصادياً.
انقسام الثوار
برغم أن بروفة الذكرى الثالثة للثورة في يناير الماضي كشفت انقسام الثوار بين تيار لم يعد يرفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» ويضم ليبراليين ويساريين، وتيار لا يزال يطالب بإسقاط النظام (الذي لم يسقط) ويضم الإخوان وإسلاميين، فقد طال الطرفان نفس أذى السلطة الحالية، ولم يسلم أحد من قمع الشرطة والاعتقال، رغم أن كل طرف سعى للتظاهر في أماكن بعيدة عن الآخر.
ومع هذا، لم يتعظ ثوار الأمس خاصة بعدما أيقن الجميع أن المستهدف ليس فقط جماعة الإخوان، ولكن كل من يطالب بالحرية والديمقراطية، لتجيء الذكرى الرابعة للثورة، والثوار أكثر تشرذماً، وبعضهم بدأ يقبل بالأمر الواقع، ويطالب بالاحتفال بذكرى الثورة و«إحيائها» دون إعلان محدد عن استكمال الثورة.
فبرغم إعلان «ثوار 25 يناير» عقد اجتماعات وجلسات للاتفاق على العودة للميادين في الذكرى الرابعة للثورة، للاحتجاج على الانحراف بالثورة عن مسارها، وعدم تحقيق المطالب التي دعت إليها: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، وتنديداً بعودة رموز نظام «الحزب الوطني» المنحل إلى المشهد السياسي، بعد أن تمت تبرئتهم من جميع التهم التي وجهت إليهم بعد الثورة، فقد جاءت ردود الأفعال تحمل نفس خلافات الماضي، رغم قول أشرف بدر الدين، عضو الهيئة العليا لحزب «الحرية والعدالة»، التابع لجماعة الإخوان المسلمين: إن الجماعة تبحث التحالف مع القوى الثورية لاستعادة زخم ثورة 25 يناير، وإنهم على استعداد لتقديم بعض التنازلات في سبيل توحيد الصفوف ضد النظام السابق، الذي يسعى للانقضاض على مكاسب ثورة 25 يناير.
قبول بالأمر بالواقع
فقد أطلقت حركة «شباب 6 أبريل»، التي أسسها أحمد ماهر، دعوة، عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، للنزول لـ«إحياء» ذكرى ثورة 25 يناير، دون أن تحدد الحركة في دعوتها مكاناً بعينه، مكتفية بالإشارة «كل مكان في مصر»، وقال خالد إسماعيل، عضو المكتب السياسي للحركة: إنهم وعدداً من القوى الثورية التي تنسق معاً تحت لواء «جبهة طريق الثورة» قد عقدوا اجتماعاً، ناقشوا فيه «فكرة إحياء ذكرى الثورة»، عبر تنظيم سلسلة من الفعاليات داخل المناطق الشعبية التي خرجت منها مسيرات الثورة، والتخلي عن فكرة التمسك بالتوجه لميدان التحرير كرمز للثورة؛ بسبب الوضع الأمني، مع تنظيم حملات توعية بأهمية استكمال الثورة، حتى تتحقق مطالبها.
وهو ما علق عليه نشطاء بقولهم: إن «إحياء» الثورة معناه رضوخ 6 أبريل والقوى الثورية غير الإسلامية، وعدم نزولهم للثورة مرة أخرى، والقبول بالأمر الواقع والنظام السياسي القائم مع معارضته فقط بالبيانات، مشيرين إلى تصريحات سابقة لقادة الحركة تؤكد أنهم تحولوا إلى «حركة إصلاحية» من داخل النظام، وأنهم لم يعودوا يطالبون بإسقاط النظام.
وضربوا عدة أمثلة على هذا، منها: وقوف حركة 6 أبريل في صف قائد الانقلاب «عبدالفتاح السيسي» في وجه الدعوات الحاشدة لمعارضته في فعاليات «انتفاضة الشباب المسلم» (28 نوفمبر الماضي)، ومهاجمتها لهذا النزول ضد حكم «عبدالفتاح السيسي».
وإثر الحكم ببراءة «مبارك»، بادرت قوى إسلامية بالدعوة لفعاليات جامعة؛ للمطالبة بالقصاص من قتلة الشهداء، وفي مقدمتهم «مبارك»، في محاولة لرأب الصدع بين القوى الثورية من جديد على روح ميدان التحرير في يناير، ولكن 6 أبريل رفضت جميع دعوات الاصطفاف، واصفة القوى الإسلامية بـ«اليمينية المتطرفة»، فيما أعلن «الاشتراكيون الثوريون» أنهم لن يشاركوا في الفعاليات بسبب اعتقال المتظاهرين.
وأخيراً أعلنت 6 أبريل تخليها عن العمل الثوري وأعلنت ضمناً، تحولها إلى «حركة إصلاحية» في تصريح رسمي، مؤكدة أن جميع تظاهراتها ستكون خلال المرحلة القادمة؛ بهدف إصلاح النظام وليس إسقاطه، وقال محمد كمال، المتحدث الرسمي باسم الحركة في تصريحات صحفية لجريدة «الشروق»: واهم من يدعو لإسقاط النظام حالياً، فليس لديك بديل ثوري، كما أن هوجة الإسقاطات دون البناء كارثة على البلد، نحن نعارض فقط سياسات موجودة.
ومن العجيب أن حركة 6 أبريل كانت تصنف نفسها سابقاً بأنها «حركة ثورية»، وتصنف جماعة الإخوان المسلمين بأنها «حركة إصلاحية»، ولا يصح لها أن تشارك في العمل الثوري أو تنتسب إليه! ولهذا كتب الناشط عمار مطاوع، يحذر من أن دور 6 أبريل الأساسي في فترة ما بعد الانقلاب هو العمل على تثبيت أركان النظام الحالي عن طريق إبراز فكرة «المعارضة» بدلاً عن فكرة «الثورة»؛ بمعنى أن تكون لهم مطالب إصلاحية داخل النظام من غير ما تقترب صراحة من المطالبة برحيل النظام.
القوى الإسلامية تستكمل الثورة
في المقابل، دعا التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، المناهض للسلطة الحالية، أنصاره إلى الاستعداد لإحياء الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير 2011م، تحت شعار «معاً ننقذ مصر»، واعتبر الموجة الاحتجاجية المقبلة في ذكرى يناير «تمهد لإشراقة عام ثوري مصيري، تتهيأ فيه الثورة المصرية لمرحلة نضالية محورية».
وقد حثَّ إسلاميون آخرون الشعبَ المصري على المشاركة في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، ولكنهم طالبوا بضرورة الاصطفاف ضد منظومة القمع والفساد والدفاع عن الثورة وإعادة اعتبارها، خاصة بعد براءة «مبارك» وباقي رموز النظام.
وتوقع د. طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية، والقيادي بتحالف دعم الشرعية، أن يكون 25 يناير القادم يوماً مهماً وحاسماً، وخاصة بعد براءة «مبارك» ونظامه، والذي يثبت إدانة للشعب الذي ثار يوم 25 يناير، وطالب الزمر الشعب المصري بأن يعيد الاعتبار لثورة 25 يناير التي تم التآمر عليها، ويؤكد أنها لم تمت بعد تبرئة القضاء لرموز «الحزب الوطني» المنحل.
وقال د. محمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط: إن 25 يناير القادم يجب أن يكون عودة لطريق الثورة بنفس الأهداف والراية، لكن بإدراك أعمق بضرورة الاصطفاف ضد منظومة القمع والفساد التي لن تسقط إلا تحت أقدام ثورة واحدة.
السلطة تتسلح حتى أسنانها
ويقول خبراء أمن: إن السلطة والشرطة تعلمت من أخطائها في ثورة 25 يناير، ولذلك أعادت تسليح الشرطة بأسلحة عديدة ومدرعات متنوعة وحديثة، وشيَّدت الأسوار حول أقسام الشرطة، وتم إشراك وحدات الجيش مع الشرطة في حماية الميادين وأقسام الشرطة والسجون، لمنع أي مظاهرات مقبلة من إسقاط وكسر الشرطة، كما حدث يوم 28 يناير 2011م، وأصبحت المدن المصرية ثكنات عسكرية في أي مناسبة للتظاهر.
وصدرت عشرات التصريحات التي تشير لعدم تكرار سيناريو كسر الشرطة مثل قول اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية السابق، ومستشار «السيسي» للأمن: إن الشرطة تعلمت من الدرس يوم 25 و28 يناير، ولن تكرر أخطاءها ولن تسمح بأن يكسرها أحد.
وقول اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية: إن جماعة الإخوان المسلمين تسعى لكسر الشرطة وإعادة الرئيس «محمد مرسي» للحكم مرة أخرى، من خلال تكرار سيناريو الانفلات الأمني الذي حدث أثناء ثورة 25 يناير مرة أخرى، ولن نسمح بهذا، وتم التعاقد على شراء 50 ألف قطعة سلاح جديدة ومتنوعة من الخارج لتسليح جميع أفراد الشرطة.
كما صدرت تصريحات تهاجم ثورة 25 يناير بعنف، حتى إن المذيع المقرب من أجهزة الأمن أحمد موسى، قال في برنامجه «ستوديو البلد»، على فضائية «صدى البلد»: إن الداخلية استوعبت درس 25 يناير جيداً، التي كانت لا تتعدى كونها انتفاضة حرامية وإرهابيين! وبالتالي لن تسمح بتكرارها اليوم أو غداً، على حد وصفه.
ولكن الباحث السياسي علاء بيومي، المتخصص في شؤون الديمقراطية والتغيير في أمريكا، يرى أن الشرطة المصرية لم تتعلم من درس 25 يناير، وتصر على كسر الشعب وإذلاله وقمعه، متخطية كل القوانين والمواثيق الدولية، متبعة في ذلك مبدأ «غباء القوة، والقوة الغبية».
وقد قدر د. عمرو دراج، وزير التخطيط السابق، في حوار أخير مع قناة «الشرق» العمر الافتراضي لإسقاط أي انقلاب بقرابة 3 سنوات، قائلاً: الانقلابات التي نجح الشعب في إسقاطها تحتاج إلى فترة زمنية تتراوح من سنة إلى 3 سنوات، باشتراط أن يظل الحراك متنامياً في الشارع أكثر من 6 أشهر، وهذا الشرط بالفعل استوفيناه، ونحن الآن في المرحلة ما بين سنة إلى 3 سنوات، وهذا لا يعني أننا لابد في أقل من 3 سنوات أن نسقطه.
وأضاف: إن التضحيات كبيرة، وستستمر تلك التضحيات في التصاعد والتزايد؛ لأن الجائزة كبيرة، وعلى الناس أن يدركوا طبيعة المرحلة، فالأمر ليس ثورة أسقطت «مبارك» ثم انقلاباً يسعى لتقويض الثورة، ولكن واقع الأمر أننا جزء من حركة تحرر شاملة تحدث في المنطقة العربية من سيطرة الاستعمار والاستبداد، وعلى الشعب أن يدرك هذا الأمر حتى يستقر لديه أن الأمر ليس بسيطاً، تغيير أمر مستقر من 200 عام يحتاج بالتأكيد إلى مزيد من الجهد.
وهو ما يعني أن السيناريوهات المتوقعة للذكرى الرابعة للثورة لن تخرج كثيراً عن الذكرى الثالثة في ظل انقسام الثوار وتحول الليبراليين واليساريين إلى «إصلاحيين»، وترك الإسلاميين وحدهم في الشارع يواجهون بطش ورصاص قوات الأمن.
غلق السفارات وعنف سيناء
ويرى مراقبون أن عدم استقرار النظام الحالي والمشكلات التي تواجهه داخلياً وخارجياً اقتصادية وسياسية، وتحول أعداد متزايدة من الشباب إلى العنف أو الانضمام لحركات مسلحة تبدأ بأعمال احتجاجية بحرق سيارات ضباط الشرطة، وتمتد إلى القتل والتفجير، خصوصاً في سيناء؛ يرجع لانسداد الأفق السياسي، وعدم السماح بحرية الرأي واستمرار سياسة الاعتقالات (41 ألف معتقل)، والقتل (أكثر من ألفين على الأقل بحسب تقديرات حقوقية متفاوتة)، وفصل طلاب الجامعات، والاعتداء على الطالبات، والتعذيب في السجون، وكلها عوامل تصب في خانة تنظيمات متطرفة مثل «داعش»، خصوصاً بعدما أعلن عن تواجده في مصر عبر ما أسماه «ولاية سيناء».
ومن أبرز مظاهر عدم الاستقرار؛ الانهيار الاقتصادي، وتناقص الرصيد الأجنبي، واستمرار تدهور السياحة؛ بسبب أحداث سيناء، وجاء قرار عدد من السفارات الغربية بغلق أبوابها في منتصف ديسمبر 2014م ليزيد من تصنيف الحالة المصرية على أنها حالة غير مستقرة عالمياً.
وبرغم أن صحفاً مصرية وصفت قرار غلق السفارات دون أن يكون هناك خطر حقيقي بأنه «مؤامرة» تشارك فيها الدول الغربية ضد الحكم الحالي في مصر، فقد كشفت صحف أجنبية أن السبب الأساسي هو وصول معلومات عن تهديدات من تنظيم «داعش سيناء» بالقيام بتفجيرات بالقاهرة، وفي السفارات الغربية.
وقيل أيضاً: إن السبب وراء غلق السفارات، هو إعلان تقرير لجنة المخابرات بالكونجرس الأمريكي الذي فضح دور المخابرات الأمريكية في تعذيب معتقلين عرب وأجانب عبر إرسالهم لـ54 دولة من بينها 13 دولة عربية منها مصر، وما نشر سابقاً من معلومات عن دور مدير المخابرات المصرية الراحل عمر سليمان عن قبول تسلم معتقلين لتعذيبهم في مصر.
تحذيرات صهيونية وراء غلق السفارات
فقد كشف تقرير لصحيفة «المونيتور» الأمريكية أن السلطات المصرية تحصل على معلوماتها الأمنية عن الإرهابيين بشبه جزيرة سيناء من الاستخبارات «الإسرائيلية» (الموساد)، ومن مهربي وتجار المخدرات في هذه المنطقة، وأن قرار غلق السفارات الغربية جاء بعد معلومات استخباراتية «إسرائيلية» اتخذتها هذه السفارات الغربية على محمل الجد لذلك أغلقوا سفاراتهم.
من ناحية أخرى، ذكر العقيد شرطة المتقاعد عمر عفيفي الموجود خارج مصر عبر صفحته على موقع «فيسبوك»: إن سبب غلق سفارات بعض الدول الغربية بالقاهرة يرجع لوصول تسريب مسجل لهذه الدول عن نية السلطات المصرية تدبير عمليات اغتيال لدبلوماسيين غربيين ولصق التهمة بالإخوان!