خصصت صحيفة “الجارديان” افتتاحيتها للحديث عن استخدام نظام بشار الأسد للسلاح الكيماوي، وصمت العالم تجاه ما يفعل، وتعلق قائلة: إن “صمتنا مدعاة للعار”، مشيرة إلى أن هذا الشهر شهد هجومين، تم استخدام غاز الكلور فيهما، وأرسلا رسالة بأن العالم لا يهتم بما يجري.
وتقول الافتتاحية: بالنسبة لـ1.5 مليون نسمة، الذين لا يزالون أحياء في حلب، فإن التراجيديا التي حلت على مدينتهم التاريخية، التي كانت يوماً جميلة، حولتها إلى جهنم على الأرض، فبعد خمسة أعوام من الحرب الأهلية، والبراميل المتفجرة، التي تلقيها المروحيات، والقصف المدفعي العشوائي، وحرب الشوارع، يبدو الآن، ودون أدنى شك، أن نظام بشار الأسد يقوم باستخدام السلاح الكيماوي ضد السكان المدنيين في المدينة التي كانت يوماً ثاني مدينة في سورية.
وتشير الصحيفة إلى أنه في يوم الخميس، وهو اليوم الذي كان من المفترض أن تبدأ فيه سلسلة من وقف إطلاق النار لثلاث ساعات؛ كي يسمح للمساعدات الإنسانية بالمرور، تحدث الأطباء عن استقبالهم مرضى يعانون من أعراض استنشاق مادة الكلور.
وتلفت الافتتاحية، التي ترجمتها “عربي21″، إلى أن صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت أن أربعة أشخاص قتلوا في الهجوم على حي زبيدة، وقبل أيام قليلة خلفت قنابل محملة على ما يبدو بغاز الكلور أربعة قتلى، وعشرات من الذين عانوا من ضيق تنفس في بلدة سراقب في محافظة إدلب، التي أسقطت فيها مروحية روسية، وقتل طاقمها المكون من 5 أفراد.
وتبين الصحيفة أنه لأكثر من عامين كانت هناك أدلة على استخدام غاز الكلور في الأسلحة الكيماوية، خاصة من نظام الأسد، وأيضاً قوات “تنظيم الدولة”، وله استخدامات شائعة، وهو مركب طبيعي ضروري أيضاً للحياة اليومية لتنظيف المياه، ويستخدم مطهراً (وللمفارقة فإنه يستخدم في المستشفيات)، ولا يمكن منع استخدامه، ولم يتم شمله في ميثاق الأسلحة الكيماوية، الذي وقعت عليه سورية بعد هجوم الغوطة، الذي يعتقد فيه أن غاز السارين قتل حوالي ألف شخص في حي من أحياء دمشق في أغسطس 2013م، وبعد هذا الحادث وافق الأسد على تدمير ترسانته الكيماوية والبيولوجية المحظورة.
وتنوه الافتتاحية إلى أن مجلس الأمن الدولي، ورداً على عدد من التقارير، قرر تشكيل لجنة تحقيق مشتركة؛ لجمع الأدلة وروايات الشهود حول هجمات غاز الكلور، ومع أنه يصعب التأكد من استخدام غاز الكلور، أو إثباته، إلا أن أي دليل على استخدامه بشكل عشوائي، والتسبب بأذى لا يميز، يمكن أن يكون أساساً للمحاكمة بناء على جرائم حرب.
وتفيد الصحيفة بأن الأسلحة الكيماوية، وحتى غاز الكلور، التي يفتقد عادة الأثر الكارثي المباشر الذي تتركه التفجيرات الكبيرة، تحقق هدفين لا يمكن للأسلحة التقليدية تحقيقهما، فهي توسع مستوى الرعب بالنسبة للضحايا، بالإضافة إلى صمتهم وعدم تيقنهم منها ومن طبيعتها، وبالنسبة لصمت العالم المفترض أمام الانتهاك الصارخ للقانون الدولي والميثاق الذي تدعمه الأمم المتحدة فهو يؤكد عجزه وشعور النظام بالحصانة وعدم خوفه من العقاب.
وتعلق الافتتاحية قائلة: إن حظر السلاح الكيماوي مضى عليه حوالي 100 عام، إلا أن بروتوكول جنيف الصادر عن عصبة الأمم جاء رداً على رعب استخدام غاز الكلور والخردل من الأطراف المتحاربة في الحرب العالمية الأولى، التي تركت الملايين من المحاربين الجنود، إما مصابين بالعمى أو بعاهات دائمة جعلتهم غير قادرين على مواصلة الحياة.
وتورد الصحيفة أنه لم يتوقف تطبيق البروتوكول، مع أنه تم تجاهله في أثناء الحرب الباردة، وفي التسعينيات من القرن الماضي تم التوافق على معاهدة قامت، وعلى خلاف الأولى، بحظر إنتاج الترسانة الكيماوية واستخدامها أيضاً، وتحظى الآن بدعم أكثر من 160 دولة، وتقوم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ومقرها لاهاي، بالإشراف على تطبيقها، إلا أن استخدام السلاح الكيماوي، وكما لاحظ طبيب سوري بشكل مرير، أصبح حالة طبيعية في سورية.
وتختم “الجارديان” تقريرها بالقول: إنه حتى بعد أن تم اختراق الخط الأحمر، الذي رسمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول هجمات غاز السارين في دمشق قبل ثلاثة أعوام، فإن نظام الأسد يبدو بشكل متزايد واثقاً من أنه يمكن استخدام الأسلحة الكيماوية، ودون خوف من الرد الانتقامي، ومن المتوقع أن يقدم مراقبو الأمم المتحدة تقريراً عن سورية نهاية نوفمبر، إلا أن التابو تم كسره بالفعل، ومن المحتمل معاناة مئات الناس من آثار الفشل الجديد للمجتمع الدولي.