سورة “يوسف” نزلت في عام الحزن، هي السورة الوحيدة في القرآن التي تقص قصة كاملة بكل لقطاتها، لذلك قال الله تعالى عنها: إنه سيقص على النبي صلى الله عليه وسلم “أحْسنَ القَصَص”.
وهي أحسن القصص بالفعل كما يقول علماء الأدب، وخاصة المتخصصين في علم القصة، فهي تبدأ بحلم، وتنتهي بتفسير هذا الحلم.
من الطريف أن “قميص يوسف”:
– استُخدم كأداة براءة لإخوته، فدل على خيانتهم.
– ثم استُخدم كأداة براءة بعد ذلك ليوسف نفسه مع امرأة العزيز فبرَّأه!
– ثم استخدم للبشارة، فأعاد الله تعالى به بصر والده.
نلاحظ أن معاني القصة متجسِّدة، وكأنك تراها بالصوت والصورة، وهي من أجمل القصص التي يمكن أن تقرأها ومن أبدع ما تتأثر به، لكنها لم تجئ في القرآن لمجرد رواية القصص، وهدفها جاء في آخر سطر من القصة وهو: “إنَّهُ مَن يتَّقِ ويَصبر؛ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنين”.
فالمحور الأساسي للقصة هو:
– ثق في تدبير الله.
– اصبر.
– لا تيأَس.
الملاحظ أن السورة تمشي بوتيرة عجيبة، مفادها أن الشيء الجميل قد تكون نهايته سيئة والعكس!
– فيوسف أبوه يحبه، وهو شيء جميل، فتكون نتيجة هذا الحب أن يُلقى في البئر!
– ثم الإلقاء في البئر شيء فظيع، فتكون نتيجته أن يُكرَّم في بيت العزيز!
– ثم الإكرام في بيت العزيز شيء رائع، فتكون نهايته أن يدخل يوسف السجن!
– ثم إن دخول السجن شيءٌ بَشِع، فتكون نتيجته أن يصبح يوسف عزيز مصر!
الهدف من ذلك:
– أن تنتبه أيها المؤمن إلى أن تسيير الكون شيءٌ فوق مستوى إدراكك، فلا تشغل نفسك به ودعه لخالقه يسيِّره كما يشاء، وفق عِلمه وحِكمته.
– فإذا رأيت أحداثاً تُصيبُ بالإحباط ولم تفهم الحكمة منها فلا تيأس ولا تتذمَّر، بل ثِق في تدبير الله، فهو مالك هذا المُلك وهو خير مُدبِّر للأمور.
كما يفيد ذلك:
– أن الإنسان لا يجب أن يفرح بشيء قد يكون ظاهره رحمة لكنه يحمل في طياته العذاب أو العكس.
العجيب أنك في هذه السورة لا تجد ملامح “يوسف النبي”، بل تجدها في سورة “غافر”.
– أما هنا فقد جاءت ملامح “يوسف الإنسان”، الذي واجه حياة شديدة الصعوبة منذ طفولته ولكنه نجح.
– ليقول لنا: إن يوسف لم يأتِ بمعجزات، بل كان إنساناً عاديَّاً ولكنه اتَّقى الله فنجح!
– وهي عِظة لكل شاب مُسلم مُبتَلى أو عاطل ويبحث عن عمل.
– وهي أمل لكل مَن يريد أن ينجح رغم واقعه المرير.
هي أكثر السور التي تحدَّثت عن اليأس.
– قال تعالى:
– (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً) (الإسراء:80).
– (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {87}) (يوسف).
– (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا) (يوسف:110).
وكأنها تقول لك: أيُّها المؤمن، إن اللهَ قادر، فلِمَ اليأس؟
إن يوسف رغم كل ظروفه الصعبة، لم ييأس ولم يفقد الأمل، فهي قصة نجاح في الدنيا والآخرة:
– في الدنيا: حين استطاع بفضل الله ثم بحكمته في التعامل مع الملِك، أن يُصبح عزيز مصر.
– وفي الآخرة: حين تصدَّى لامرأة العزيز ورفض الفاحشة ونجح.
لقد نزلت هذه السورة في عام الحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشد أوقات الضيق وهو على وشك الهجرة وفراق مكة.
هذه السورة كما قال العلماء: ما قرأها محزون إلا سُرِّي عنه.