– «التايمز»: تصريحات «ترمب» وتلميحه بالتخلي عن حل الدولتين ينسف مسار السلام
– «الجارديان»: «ترمب» يمزق السياسة الأمريكية تجاه «إسرائيل» والشرق الأوسط التي دامت لعشرات السنين
– «الإندبندنت» تحذّر من عواقب وخيمة إذا تم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتصفه بالخطير
– «ترمب» سيجعل «نتنياهو» يتوسع في المستوطنات حتى تصير كل المنطقة ملحقة بالقدس
القدس.. ذلك الاسم الذي يسكن في قلوب المسلمين، ويتردد صداه في عبق التاريخ، وأمل المستقبل، ويتردد هذا الاسم بين الحين والآخر في الإعلام العالمي تبعاً لأحداث مرتبطة بالمكان وأهله ومحتله، كما يظهر في وسط الأزمات السياسية للمنطقة، وعلى رأس خلفيات النزاع والعدوان والمقاومة، تطمع «إسرائيل» أن تصير القدس عاصمة لها، ولكن هل ستكون لها قاصمة؟
في هذه الأيام مع لقاء «نتنياهو» بـ»ترمب» قاعدتي الشر في العالم، خصت صحيفة «التايمز» مقالاً بعنوان «الولايات المتحدة تُسقط دولة فلسطين المستقلة»، وترى الصحيفة أن تصريحات «ترمب» وتلميحه بإمكانية التخلي عن حل الدولتين يمكن أن ينسف مسار «السلام» كما تبناه الساسة الأمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ويقول مراسل الصحيفة في واشنطن: إن فكرة «ترمب» حول السلام في الشرق الأوسط ستجعل المسار مقلوباً رأساً على عقب، إذ ستبحث «إسرائيل» من خلاله على حلول للصراع من خلال الدول العربية بدلاً من الفلسطينيين.
ومن المشكلات التي تواجه حل الدولتين (وحينها تنقسم القدس نصفين: إلى شرقية فلسطينية، وغربية «إسرائيلية») هو وجود 400 ألف مستوطن «إسرائيلي» يعيشون على أراضٍ في الضفة الغربية، وكذا تنامي قوة أحزاب اليمين داخل «إسرائيل».
أما «الجارديان»، فكان عنوانها هو «ترمب يمزق السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل والشرق الأوسط التي دامت لعشرات السنين».
وأدخلت كلمة «ترمب» الفرح في تغريدة وزير التربية «الإسرائيلي»، فهو من اليمين المتطرف إذ قال: هذا عهد جديد، وأفكار جديدة، ويوم جديد على «إسرائيل» والفلسطينيين العقلانيين.. تهانينا.
لعل أفضل تعليق على هذا الأمر هو ما كتبه فايز أبو شمالة في صحيفة «فلسطين»: هذا التصريح يجفف بحور الوهم التي سبحت فيها القيادة الفلسطينية لسنوات طويلة.
ونقلت «نيويورك تايمز» تقريراً عن المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى جاء فيه أن الرئيس الأمريكي قدّم نفسه خلال فترة الحملات الانتخابية وما بعدها كداعم لـ»إسرائيل»؛ الأمر الذي انعكس في حديثه عن اعتزامه نقل السفارة الأمريكية بـ»إسرائيل» إلى القدس، ودعم بناء مستوطنات جديدة بالضفة الغربية.
«إندبندنت» تحذر فرنسا
وأشارت «الإندبندنت» إلى تحذير فرنسا من العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنجم عن قرار إدارة «ترمب» نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتصف القرار بأنه خطير، وقال وزير الخارجية الفرنسية: نأمل أن يصل «ترمب» إلى قناعة بأن قراراً كهذا مستحيل تطبيقه على أرض الواقع.
وفي «الفايننشال تايمز»، كان العنوان «ترمب والإسلام وصراع الحضارات»، يرى فيه الكاتب أن النزعة العدائية ضد المسلمين باتت تجد لها أنصاراً في عموم العالم الغربي، وقد تعهد «ترمب» في خطاب تنصيبه بالدفاع عن «العالم المتحضر» وليس العالم الحر، وهو المصطلح الذي كان يستخدمه «ريجان»، و»كينيدي»؛ لذا فإن أقرب مستشاري «ترمب» يعتقدون أنهم يخوضون معركة لإنقاذ الحضارة الغربية.
تناولت الصحف البريطانية إعلان «ترمب» ترشيح «ديفيد فريدمان» سفيراً لـ»إسرائيل»، وهو شخص يعارض أي تسوية سياسية للصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني تقوم على حل الدولتين، وفي المقابل يؤيد نقل سفارة بلاده إلى القدس ويعتبرها العاصمة الموحدة للكيان المحتل، وهذا يدل على تغير في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.
في مقال آخر لصحيفة «الجارديان»، أوضحت كاتبته مخاوف الفلسطينيين من أن وجود «ترمب» الآن سيجعل «نتنياهو» يغتنم الفرصة لإعلان توسع آخر في المستوطنات حتى تصير كل المنطقة ملحقة بالقدس؛ وبالتالي قطع المدينة ليس فقط عن الدولة الفلسطينية المأمولة، ولكن تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين.
وشككت الكاتبة فيما يقوله البعض من إمكان وقف هذا التوسع؛ لأنه رغم كثرة القرارات الأممية التي تدين المستوطنات، فإن «إسرائيل لا تبالي، بل كلما صدر قرار من الأمم المتحدة أعقبه توسع استيطاني.
وتقول: إن هناك اليوم 630 ألف مستوطن في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين منذ عام 1967م، وأصبح 87% من أراضي القدس الشرقية تحت السيطرة «الإسرائيلية»؛ مما يترك للفلسطينيين 13% فقط بعدما كانت كلها لهم في عام 1967م، وقريباً لن يبقى لهم منها شيء إذا استمر الأمر على ما هو عليه.
وأشارت أيضاً الكاتبة إلى مخاوف الفلسطينيين من مخطط «إسرائيل» الكبير لعام 2050م الذي يمهد لمطار ضخم خارج مستوطنة معالين أدوميم، يقام على موقع إسلامي أثري يطلق عليه «مقام النبي موسى»؛ بقصد جلب مئات السياح والحجاج إلى القدس، حيث سيقيمون في مجمعات فنادق جديدة متصلة بالسكك الحديدية لعمّان والعراق من الشرق وتل أبيب من الغرب، ونبهت أن نقل السفارة يمكن أن يشعل حرباً دينية، وسيقع اللوم حينها على صقور اليمين «الإسرائيلي» المضللين، ولكن اللوم الأكبر سيقع على زعماء العالم المتخاذلين الذين كان بإمكانهم تنفيذ القانون الدولي ووقف البناء غير القانوني ووقف الاستيلاء غير المبرر على الأراضي الفلسطينية عندما كانت لديهم الفرصة.
دور الإعلام العالمي
ولا شك أن الإعلام الدولي يؤدي دوراً رئيساً لصياغة الرأي والخطاب العام الغربيين تجاه قضية فلسطين، ويتكتل الإعلام العالمي منذ عقود في 6 شركات تمتلك أغلب وسائل الإعلام في العالم، بما في ذلك الصحف ووكالات الأنباء ومحطات التلفزيون والإذاعة والسينما ودور نشر الكتب، وهذه التكتلات هي السبب في التغطية الإعلامية المطففة التي تخضع بدورها للمصالح السياسية والاقتصادية، وقد وثقت بعض الأبحاث تحيز الصحافة الغربية، وكمثال تمت المقارنة بين صحيفة «النيويورك تايمز» و»هاآرتس» العبرية، وجد أن الأولى أشد تحيزاً لـ»إسرائيل» من الثانية.
وقد وثقت أيضاً فرحة الإعلام الأمريكي لهزيمة العرب عام 1967م بطريقة لا توصف، وكانت تغذي اليمين الأمريكي الذي انتشى بإعادة ما يسمى توحيد المدينة المقدسة، كذلك الاقتراب من الحلم اليهودي بـ»إسرائيل التوراتية».
وما زال تغلغل الإعلام “الإسرائيلي” في الإعلام الدولي مستمراً، وهو يستغل العامل الديني، ويحاول ربط عمليات المقاومة الفلسطينية بالإرهاب العالمي، وتقوم الدعاية “الإسرائيلية” في المجتمع الغربي بتكرار المغالطات، والتركيز على قضية الإبادة النازية لليهود، وهي تهدف إلى ابتزاز العالم الغربي وتبرير عملية اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ووصف التغول “الإسرائيلي” بأنه دفاع عن النفس والمستوطنين.
وتعمل الحكومة والتيارات “الإسرائيلية” داخل “إسرائيل” بمساندة الإعلام هناك لتحويل القدس إلى عاصمة دينية لـ”إسرائيل”؛ مما أدى إلى تصلب رؤية “الإسرائيليين” أظهره استطلاع أن 60% منهم يؤيدون سحب الهوية “الإسرائيلية” من سكان القدس الفلسطينيين؛ بذا تهدف “إسرائيل” للسيطرة على كامل القدس بصرف النظر عن التوقيت أو الأسلوب.
من جانبنا نحن المسلمين، فهناك نوع من التقصير وغياب التواصل بين الإعلام الإسلامي والإعلام العالمي، وعدم التنافس مع الإعلام الغربي للوصول إلى القارئ والمستمع الغربي، والتقصير في عدم ترجمة الدراسات والأبحاث الفلسطينية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في وطنه وأرضه.
هل حدث في التاريخ أن احتلت دولة فتغير اسمها من فلسطين إلى “إسرائيل”، ومن القدس إلى أورشليم؟! لو صارت القدس لـ”إسرائيل” عاصمة فستكون لها هي القاصمة.