– هناك 800 ألف روهينجي في آراكان تعتبرهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهاداً
– في عام 2012م قُتل 650 واعتبر 1200 من المفقودين وتشرد أكثر من 80 ألفاً
– قضية الروهينجيا كانت من أهم قضايا البيان الختامي لمنظمة التعاون الإسلامي في عام 2016م
– مطلوب من قمة التعاون الإسلامي تشكيل لجنة متابعة مباشرة للقضايا الإسلامية النازفة
لا شك أن قضية مسلمي الروهينجيا من أكثر القضايا الإسلامية المأساوية، فالشعب الروهينجي هو أحد شعوب القارة الهندية الذين يتعرضون منذ عقود وسنوات إلى القتل والتهجير والتصفية العنصرية بسبب دينهم في الغالب، وبالأخص في منطقة إقليم آراكان من دولة ميانمار (بورما سابقاً).
بحسب التقديرات الرسمية لعام 2012م يوجد 800 ألف روهينجي في آراكان، تعتبرهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، بينما يوجد من مسلمي الروهينجيا نحو 300 ألف في بنجلاديش، و200 ألف في باكستان، و100 ألف في تايلاند، و24 ألفاً في ماليزيا، و400 ألف في السعودية، بحسب إحصاءات رسمية عام 2012م، ومعظم الدراسات التاريخية تؤكد أن معظم هؤلاء الروهينجيين فروا في العقود الماضية من إقليم آراكان هرباً من الاضطهاد البورمي.
دخول الإسلام آراكان
يرجع دخول الإسلام آراكان إلى القرن السابع الميلادي مع قدوم التجار العرب المسلمين إليها، ثم تتابعت الوفود الإسلامية إليها من أنحاء المعمورة، فأقبل عدد كبير من الأهالي على اعتناق الإسلام، وكوَّن شعب الروهينجيا مملكة دام حكمها 350 عاماً (1430 – 1784م)، فقد شكلت أول دولة إسلامية في عام 1430م بقيادة الملك سليمان شاه، وحكم بعده 48 ملكاً مسلماً على التوالي، وكان لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد.
استمرت هذه الدولة الإسلامية في الوجود عدة قرون قبل أن تحتل من بورما عام 1784م، فأصبحت بعد ذلك واحدة من 14 ولاية ومقاطعة لاتحاد بورما (ميانمار حالياً).
أما من حيث الجغرافيا؛ فإقليم آراكان يقع في الجنوب الغربي لميانمار على ساحل خليج البنجال، والشريط الحدودي مع بنجلاديش، وتبلغ مساحة الإقليم حوالي 50 ألف كيلومتر مربع؛ أي عُشر مساحة ميانمار تقريباً، وتقع ميانمار حالياً في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، ويحدُّها من الشمال الصين والهند، ومن الجنوب خليج البنجال والهند وبنجلاديش.
بداية الاضطهاد
لقد كان انفجار المظالم التي يتعرض لها مسلمو الروهينجيا بسبب الاضطهاد البورمي الرسمي بدعوى أنهم ليسوا سكاناً بورميين، ويدعي البورميون أنهم من بنجلاديش، وفي أقوال أخرى من أفغانستان، بينما العكس هو الصحيح، وهذا هو السبب الأول في الاضطهاد العنصري، فالمؤرخون البورميون يقولون: إنهم لم يكونوا في آراكان قبل عام 1950م، وهذا خطأ تاريخي كبير، فقد ذكر التعداد البريطاني لعام 1891م عدد المسلمين في آراكان أنه كان 58255، ثم ارتفع عددهم إلى 178647 في عام 1911م.
وخلال الحرب العالمية الثانية، وبعد انسحاب البريطانيين من بورما تحت ضغط هجمات الجيوش اليابانية، تركوا وراءهم فراغاً في الحكم، فاندلعت أعمال عنف كبيرة، منها ما هو بين قرى الراخين البوذية والروهينجية المسلمين، ومنها ما بين جماعات موالية لبريطانيا وقوميين بورميين، وعند انسحابهم من بورما قام البريطانيون بتسليح جماعات مسلمة في شمال آراكان لإنشاء منطقة عازلة تفصلهم عن الغزاة اليابانيين، فقد دعم الروهينجيا الحلفاء في حربهم تلك بمساعدتهم في استكشاف العمق الياباني، فتعرض الآلاف منهم لفظائع من اليابانيين، حيث أفرطوا فيهم بالقتل والاغتصاب والتعذيب، فأسس شيوخ الروهينجيا الذين أيدوا حركة الجهاد في شمال آراكان عام 1947م حزباً أسموه حزب المجاهدين، وكان هدفه إقامة دولة للمسلمين ذاتية الحكم في آراكان، وعندما وقع انقلاب عسكري في بورما عام 1962م بقيادة الجنرال “ني وين”، قام بعمليات عسكرية ضد مسلمي الروهينجيا على مدى عقدين، وأشدها تلك المسماة “عملية الملك التنين” التي وقعت عام 1978م.
لقد اعتمد المجلس العسكري الذي حكم بورما منذ نصف قرن على القومية البورمية وديانة “تيرافادا” البوذية لتعزيز حكمه؛ أي اعتمد على العنصر القومي أولاً، والعنصر الديني ثانياً، ورفض القوميات والأديان الأخرى في بورما، وهذا تمييز عنصري ضد باقي سكان بورما أولاً، بمن فيهم الشعب الروهينجي، الذين ترفض الحكومة البورمية اعتبارهم بورميين قومياً ودينياً، لذلك كان السبب الثاني للاضطهاد هو السبب الديني، حيث إن سكان بورما البالغ عددهم نحو 55 مليوناً في معظمهم من البوذيين، بينما سكان آراكان البالغ عددهم نحو 5 ملايين من المسلمين ولهم جذورهم التاريخية فيها، ولذلك يصعب على الدولة طردهم من إقليم آراكان مهما اتبعوا من الطرق بما فيها القتل وحرق البيوت والنهب والاغتصاب وغيرها.
لقد كان أكبر هذه المظالم ما وقع عام 2012م؛ حيث شهد شمال ولاية آراكان أعمال شغب كبيرة في سلسلة صراعات مستمرة بين مسلمي الروهينجيا وعرقية الراخين البوذيين، وجاءت أعمال الشغب بعد أسابيع من الخلافات الطائفية التي أدانها معظم أتباع الطائفتين، لكنها أدت إلى قتل 650 من الروهينجيا، واعتبر 1200 من المفقودين، وتشرد أكثر من 80 ألفاً، واتُّهم الجيش والشرطة الميانمارية بأنهم مارسوا دوراً أساسياً في استهداف الروهينجيا خلال الاعتقالات الجماعية والإفراط في العنف.
لقد ادعت حكومة ميانمار في يوليو 2012م أن الأقلية الروهينجية تصنف على أنها عرقية من مسلمي البنجال عديمي الجنسية، قدمت من بنجلاديش عام 1982م، وأنها لم تدرج مع حوالي 130 عرقية تطالب بجنسية ميانمار، وقد جردوا من مواطنتهم منذ قانون الجنسية لعام 1982م، فلا يسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي، ومنعوا من امتلاك الأراضي، وطلب منهم التوقيع بالالتزام بألا يكون لهم أكثر من طفلين، ويتعرضون أيضاً لعدة أنواع من الابتزاز والضرائب التعسفية ومصادرة الأراضي والإخلاء القسري وتدمير منازلهم وفرض قيود مالية على الزواج، وتدمير للمساجد وحرقها، ومضايقات كبيرة ضد أداء الشعائر الدينية، ولا يزالون يستخدمونهم عمالاً سخرة في الطرقات ومعسكرات الجيش.
الدور التركي والإسلامي
وعندما وقعت مجازر الروهينجيا عام 2012م، قامت زوجة رئيس الوزراء التركي (وقتها) «رجب طيب أردوغان» السيدة «أمينة» ومعها وزير الخارجية التركي «داود أغلو» بأول زيارة رسمية إلى دولة ميانمار للاطلاع شخصياً على ما تتعرض له الروهينجيا هناك، وذلك بتاريخ الجمعة 10 أغسطس 2012م، وقاموا بزيارة مسلمي الروهينجيا في معسكر باندوبا بميانمار، وقد حملت الطائرة التركية أولى مساعداتها الإنسانية إلى ميانمار، حاملة كميات كبيرة من الغذاء والأدوية والأغطية، بعد أوامر عاجلة من «أردوغان» لمساعدة المسلمين هناك، ومنذ ذلك التاريخ واصلت هيئة الإغاثة التركية (IHH) جهودها بإرسال المساعدات.
وعندما عقدت منظمة التعاون الإسلامي دورتها الثالثة عشرة في تركيا 10 أبريل 2016م، تناول الرؤساء القضايا الإسلامية الشائكة في العالم الإسلامي وخارجه، وكانت قضية الروهينجيا من أهم تلك القضايا، فجاء في البيان الختامي النقاط الأربع التالية:
82- دعا المؤتمر إلى بذل جهود جديدة لإنهاء التمييز المتواصل ضد أبناء مجتمع الروهينجيا المسلم وحرمانهم من حقوقهم السياسية والاقتصادية والمدنية، وبخاصة في إقليم راخين في ميانمار، ودعا الحكومة الجديدة في ميانمار إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الحقوق الأساسية لأبناء مجتمع الروهينجيا المسلم بما فيها حقهم الأساسي في المواطنة، ودعا المؤتمر حكومة ميانمار كذلك إلى السماح (بالتعاون مع جميع الأطراف ذات الصلة) بوصول المساعدات الإنسانية لأبناء مجتمع الروهينجيا المسلم.
كما دعا المجتمع الدولي إلى مواصلة العمل مع حكومة ميانمار لحماية الأقليات في أراضيه، وأعرب عن دعمه لخطة عمل الأمين العام ولجهود مبعوثه الخاص لميانمار وللانخراط المتواصل لفريق الاتصال الوزاري للمنظمة المعني بميانمار من أجل حل المشكلة، ورحب بالالتزام الثابت للدول الأعضاء في رابطة الآسيان بالمساعدة في تسوية هذه المسألة، معرباً عن أمله في أن يتحسن الوضع في ظل الحكومة الجديدة.
ودعا المؤتمر الحكومة الجديدة إلى الشروع في عملية للمصالحة الشاملة تضم جميع عناصر مجتمع الروهينجيا بمن فيهم أولئك الذين فقدوا جنسيتهم وجميع المهجرين داخلياً واللاجئين، وغيرهم ممن هم في حالات غير نظامية داخل ميانمار وخارجها.
83- دعا المؤتمر حكومة ميانمار إلى إعادة الجنسية للمواطنين الروهينجيا المسلمين الذين أسقطت عنهم مع جميع الحقوق المرتبطة بها، وإتاحة وتسهيل عودة آمنة وكريمة لجميع النازحين الروهينجيا الذين أرغموا على التنقل بطريقة غير نظامية خارج البلاد.
84- رحب المؤتمر مع التقدير بما أبدته جمهورية جامبيا الإسلامية من دعم وتضامن إسلامي، كما يتضح من قرارها أن تكون أول بلد يفتح أبوابه علناً ورسمياً للاجئين الروهينجيا المسلمين.
85- أقر المؤتمر العملية الديمقراطية في ميانمار، وناشد الدول الأعضاء التي لها علاقات سياسية ودبلوماسية مع حكومة ميانمار وتشاركها مصالح اقتصادية تشجيع حكومة ميانمار على تمكين مسلمي الروهينجيا في ولاية راخين من حقوقهم.
هذه النقاط الأربع تتابعها الحكومة التركية بوصفها الرئيس الحالي لمنظمة التعاون الإسلامي مع الدول الإسلامية والمجتمع الدولي، ولكن تحقيقها على أرض الواقع يحتاج إلى جهود أكبر لا تتوقف على دولة إسلامية واحدة، بل لا بد أن تكون هناك ضغوط من كل الدول الإسلامية التي لها صلات سياسية أو تجارية مع ميانمار.
ولعل ما لم يفعله مؤتمر قمة التعاون الإسلامي وينبغي عمله الآن هو تشكيل لجنة متابعة مباشرة للقضايا الإسلامية النازفة، لمتابعة ما يجري وتقديم الحلول التي تعالج هذه الأزمات ومنها قضية الروهينجيا.
ومنذ شهر أكتوبر 2016م، وقعت حملة عسكرية جديدة ضد الروهينجيا إثر مقتل شرطيين في هجمات شنها مسلحون على مراكز حدودية، فقامت حكومة ميانمار بمهاجمة الروهينجيا وطرد 69 ألفاً، وقتلت ألفاً منهم خلال الأشهر الأربعة الماضية، وهذا يفرض على المنظمات الإنسانية والدول الإسلامية والمجتمع الدولي مزيداً من المسؤولية.