حاوره: هاني صلاح
أكد الشيخ عبد الرحيم ميتوشوف، رئيس الجامعة الإسلامية الروسية في الشيشان، أن للتعليم الإسلامي مكانة عظيمة في قلوب الشعب الشيشان الذي حرم منه على مدار حقبة الشيوعية التي امتدت لنحو 74 عاماً.
وأشار الشيخ ميتوشوف -الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس لجنة التعليم الإسلامي لعموم روسيا- إلى أن أبرز مؤسسات التعليم الإسلامي في الشيشان بنيت في قلب العاصمة جروزني على مساحة لـ14000م2، وتشتمل على الجامعة الإسلامية ومبنى الادارة الدينية والمسجد الكبير وهو يترجم مكانة التعليم الإسلامي ومؤسسات الإسلام في قلوب الشعب الشيشاني الذي تصل نسبة الإسلام بينه إلى 100% من اجمالي تعداده البالغ نحو مليون ونصف مليون نسمة.
جاء ذلك في الحوار الخاص الذي أجرته معه (المجتمع)، والذي ساعد في ترجمته الأستاذ توركو داوودوف -رئيس إدارة العلاقات الخارجية بالإدارة الدينية لجمهورية الشيشان- وقد تتطرق الحوار لواقع التعليم الإسلامي في جمهورية الشيشان، التي تعد إحدى سبع جمهوريات غالبيتها مسلمة في منطقة شمال القوقاز التابعة سياسياً لروسيا الاتحادية.
وإلى الحوار..
ـ نود نبذة تعريفية عنكم لجمهورنا.. وكذلك المسئوليات التي تتولونها حالياً.. إطلالة مختصرة عن مسيرتكم العلمية.
اسمي: شيخ عبد الرحيم ميتوشوف، حالياً أنا رئيس الجامعة الإسلامية الروسية في الشيشان باسم الشيخ كونتا حاجي. كما أشغل منصب نائب رئيس لجنة التعليم الإسلامي لعموم روسيا، ومسئوليتي في هذه اللجنة الإشراف على برامج التعليم الإسلامي لعموم الجامعات الإسلامية في روسيا.
نشأت في عهد الشيوعية، حيث لم تكن هناك فرصة متاحة لتلقي العلوم الشرعية، فلم تكن هناك مدارس أو جامعات إسلامية؛ لذا تتلمذت في بداية حياتي على يد جدي المرحوم الشيخ عبد الحميد، وكان من علماء الشيشان المعروفين في المنطقة.
ومع بداية تفكك الاتحاد السوفيتي بدأت مرحلة جديدة أتيحت خلالها الحريات الدينية تدريجياً، فتم إنشاء أول معهد إسلامي بمدينة كرتوشايو في جمهورية الشيشان، وهو الأول كذلك في منطقة شمال القوقاز؛ فالتحقت به وتخرجت منه.
ـ كيف حافظ الشيشانيون على إسلامهم خلال الحقبة الشيوعية؟
بدايةً أشير إلى أن الشيشانيين هم مسلمون مائة بالمائة، ويحبون إسلامهم، ويحرصون على تعليم أبنائهم الدين حسب الإمكانات التي تتاح لهم.
ففي أثناء الحقبة الشيوعية السوفيتية كان الشيشانيون يعلمون أولادهم خفية في بيوتهم؛ فكما تعلمون فالدولة الروسية ما كانت تسمح بتعلم الدين وما يخالف ذلك يتم سجنه ونفيه حتى يهلك.
ومن أهم أسباب حفاظنا على تعاليم ديننا؛ استمرارنا في عقد مجالس قراءة المولد، وهو ورد بالعربية تحافظ عليه الطرق الصوفية عندنا مثل النقشبندية والقادرية؛ فقراءة المولد باللغة العربية عندنا كان شيئًا أساسيًا سواء في الأفراح أو الأحزان.
وكان كبار السن يستفيدون من فرصة اجتماع الناس في المولد ليعطي كل منهم كلمة أو موعظة تحثهم على الالتزام بالدين وتعليم أولادهم الأخلاق الدينية، فكان هذا سبباً في حافظنا على ديننا.
ـ بعد عودة الحريات الدينية.. كيف بدأتم بناء المؤسسات الإسلامية التعليمية في جمهورية الشيشان؟
في البداية بدأت عندنا حركة بناء المساجد، حيث كان أهل القرى والمدن يجمعون الأموال حسب إمكاناتهم المتاحة ويبنون المساجد في قراهم ومدنهم. ومباشرةً كانوا يبنون مدرسة بجانب كل مسجد فهذه كانت عاداتنا منذ العهد القديم قبل الشيوعية أن يكون بجانب كل مسجد مدرسة، يلقي فيها الإمام دروسه الدينية.
وبالتوازي مع حركة بناء المساجد والمدارس الملحقة بها تم إنشاء أول معهد ديني في الشيشان بمدينة كورشوي في عام 1990م.
ـ هل من نبذة تعريفية عن الجامعة الإسلامية الروسية؟
كان الدافع الأساسي لإنشاء هذه الجامعة أننا في بداية التسعينيات كان أمامنا تحدٍّ تمثل في مواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة التي وصلت إلينا في الشيشان من الخارج؛ فلم يكن لدينا الكوادر الدينية القادرة على التصدي للفكر المتطرف ومواجهة انتشاره وسط الشباب الشيشاني.
لذا بإنشاء هذه الجامعة أردنا أن ننشئ جيلاً جديدا لمستقبل الشيشان ممن يحمل راية الإسلام على نهج الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف وتعليم أهل الشيشان الدين الإسلامي الصحيح.
ونحن الآن في مقر الجامعة الإسلامية الروسية التي أنشأت في عام 2009م باسم الشيخ كونتى حاجي، وتقع ضمن مجمع التعليم الإسلامي في وسط العاصمة جروزني الذي تصل مساحته لـ14000م2، ويضم أيضاً مبنى الادارة الدينية والمسجد الكبير؛ وهو ما يعكس مكانة وأهمية التعليم الإسلامي في حياة الشيشانيين.
وتحظى هذه الجامعة باهتمام ورعاية بالغة الأهمية من الرئيس الشيشاني، رمضان قاديروف وهو من أنشأها.
وحاليا لدينا سبعمائة طالب يدرسون بالجامعة، بينهم مائة وخمسون طالبة. وتخرج حتى هذا العام ثلاث دفعات من الجامعة، كالتالي:
ـ الدفعة الأولى: كانت ستة عشر طالبا في عام 2014م.
ـ الدفعة الثانية: تخرج ثلاثون طالباً في عام 2015م.
ـ الدفعة الثالثة: تخرج ثمانية وستون طالباً في عام 2016م.
ومن بين جميع الطلبة المتخرجين ستة وعشرون طالبة.
بخصوص المناهج والبرنامج الدراسية، فقبل اعتماد برنامج هذه الجامعة سافرنا واطلعنا على برامج أكبر الجامعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وأخذنا منهم المناهج الأساسية، وزدنا عليها بما يتناسب مع منطقتنا وعاداتنا وتقاليدنا والأخلاق الشيشانية وأعددنا برنامج خاص لهذه الجامعة.
كذلك أعطينا اهتماما بالغا بهيئة التدريس؛ فهيئة التدريس تتكون من أربعين مدرسا وأستاذا جامعيا، كلهم من القومية الشيشانية، ومن خريجي الجامعات الإسلامية من الدول العربية والإسلامية، ونضع المدرسين من خريجي الأزهر الشريف في مقدمة هيئة تدريس الجامعة.
وتعد هيئة التدريس بالجامعة من العلماء الشيشانيين المعروفين في أوساط المجتمع الشيشاني بتعلمهم الديني وبأخلاقهم الراقية وبانتمائهم إلى إحدى الطرق الصوفية الموجودة في الشيشان وبالتزامهم الإسلامي.
ـ ما أبرز العقبات والتحديات التي تواجهونها في مجال التعليم الإسلامي؟
من ناحية جوانب التقنية التكنولوجية للجامعة لا ينقصنا شيء فكل شيء متوافر، لوحات متطورة، وعندنا فصول الكمبيوترات، وعندنا فصول مجهزة بأجهزة الترجمة المباشرة المتطورة، من هذه الناحية من تقنية تكنولوجية لا يوجد مشكلة، وعندنا من أفخم مكاتب الكتب الدينية.
العقبة أو التحدي الذي نواجهه هو المحادثة باللغة العربية، الطلبة يعرفون العربية ويترجمون من الكتاب ويقرأون ويفهمون، لكن المحادثة باللغة العربية تنقصنا قليلاً. ونحن عند إنشاء الجامعة وضعنا خطة للتواصل مع الجامعات الإسلامية ومراكز تعليم اللغة العربية، في الدول العربية والإسلامية، فكنا نريد أن نرسل إلى هذه الدول الطلبة المتخرجين حسب البرنامج قبل التخرج أو بعد التخرج نرسلهم لرفع مستواهم في المحادثة باللغة العربية، ولكن بسبب ثورات الربيع العربي وجدنا صعوبات كثيرة في هذا المجال.
ـ بصفتكم نائب رئيس لجنة التنسيق للتعليم الإسلامي في عموم روسيا، نرجو منكم إطلالة صغيرة حول جهود التنسيق بين الجامعات الإسلامية في روسيا.
في روسيا حاليا عدة جامعات إسلامية معترف بها من قبل الدولة، وعندنا العشرات من المؤسسات التعليمية في المرحلة الثانوية، ونحن في اللجنة الروسية للتعليم الإسلامي هدفنا الأساسي ليس توحيد البرامج، فهذا مستحيل؛ لأن روسيا دولة مساحاتها كبيرة وفيها قوميات كثيرة متعددة الأعراق والثقافات؛ بل هدفنا الأساسي هو التقريب قدر الاستطاعة في مسيرة توحيد البرامج في مختلف المراحلة الدراسية.
لكن في الواقع حين تبدأ خطوة خطوة تعمل في هذا المجال تجد أن هذا من أصعب الأمور فنحن نراعي اختلاف العادات والتقاليد لكل قومية وشعب مسلم داخل روسيا. لذلك نحن اليوم نستطيع القول بأننا في مسار التقارب بين البرامج قد أنجزنا نحو 60% وهذا نعتبره نجاحا كبيرا للجنة التعليم الإسلامي لعموم روسيا.
وفي روسيا لا تخلو أي جمهورية أو أي إقليم من جامعة إسلامية، لكن عددهم يقارب الخمس عشرة جامعة إسلامية في عموم روسيا والمعترف بها من قبل هذه اللجنة ومن الدولة.