من مراسم رفع العلم اليومية المنسقة بدقة والمطبوعة بتجهم الجنود الملتحين، إلى عمليات إطلاق النار بين جانبي الحدود التي تكسوها الأسلاك الشائكة في كشمير، تشكل الحدود الهندية – الباكستانية جرحاً ما زال ينزف منذ 70 عاماً.
ستصدح أصوات الآلاف عند معبر وجاه هذا الأسبوع مع احتفالات البلدين بذكرى الاستقلال حين تم تقسيم مستعمرة الهند البريطانية إلى دولتين مستقلتين.
وأدت الفوضى التي أعقبت الانقسام إلى مقتل مليون شخص على الأقل جراء هجرة تخللتها أعمال عنف دامية دفعت بملايين المسلمين إلى باكستان وملايين الهندوس إلى الهند.
ورغم مرور كل تلك السنوات على صدمة التقسيم لم يتوصل الجانبان إلى اتفاق بشأن الحدود أو تاريخهما، إذ تحتفل باكستان بيوم الاستقلال في 14 أغسطس فيما تحتفل الهند اليوم التالي.
في المقابل، فإن القتل مستمر.
وتعتبر وجاه، قرب أمريتسار، نقطة العبور الوحيدة المفتوحة بين الجارين اللدودين، وتستقطب مراسم رفع العلم فيها حشوداً تصل إلى 20 ألفاً يومياً.
ويعلو التصفيق مع تأدية جنود من ذوي البنيات الجسدية الضخمة بعيون منتفخة الخطوات العسكرية باتجاه البوابات الحدودية عند الغروب.
ويتم إنزال الأعلام، ويتصافح جنديان من الجانبين بابتسامة مصطنعة قبل إقفال البوابات.
وتشهد المراسم بين الحين والآخر تدافعاً واشتباكات بالأيدي بين الجنود الهنود والباكستانيين، إلا أن الحوادث عند الحدود أسوأ من ذلك.
وكشمير المقسمة بين الهند وباكستان منذ انتهاء الاستعمار البريطاني عام 1947 تخضع لحالة تأهب دائمة مع اشتباكات شبه يومية وقصف متبادل عند جانبي خط المراقبة، التسمية المعتمدة للمنطقة المتنازع عليها.
وقتلت امرأة أثناء عملها في أحد حقول نكيال في الجانب الباكستاني قبل أيام من احتفالات ذكرى الاستقلال.
ويقول قريبها محمد حسيب (28 عاماً): لا نعلم متى تصيبنا رصاصة.
وقتل عشرات الآلاف، معظمهم من المدنيين، في المواجهات منذ بدء حملة الجيش عام 1989 لمواجهة “التمرد”.
وتقول الهند: إن حوالي 40 “متمرداً” قتلوا هذا العام خلال محاولتهم التسلل عبر الحدود، كما قتل 9 جنود هنود في منطقة خط المراقبة.
ولا مؤشرات على أي تحسن قريب في الأفق.
حاجة إلى الوفاق
تعتبر الكريكيت لعبة وطنية للبلدين إلا أنهما لم يخوضا مباريات بينهما سواء في الهند أو باكستان منذ عام 2007.
وزار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي باكستان في عام 2015، إلا أن العلاقات مجمدة بين البلدين منذ اعتقال باكستان كولبوشان ياداف، الضابط البحري الهندي السابق، وحكم عليه بالإعدام بتهمة التجسس.
ويرى غالبية السياسيين والمراقبين والناشطين أن الهند وباكستان لم تتمكنا من تجاوز مسألة التقسيم.
وتعاني باكستان أزمة سياسية بعد أن أقالت المحكمة العليا في يوليو الماضي رئيس الوزراء نواز شريف على ضوء نتائج تحقيق باتهامات بالفساد اثر تسريبات وثائق بنما التي كشفت العام الماضي عن البذخ في نمط حياة عائلته.
إلا أن البعض يحمل سياسة التشدد التي يتبعها مودي مسؤولية الإطاحة بشريف.
ويقول الوزير الهندي السابق ماني شنكار إيار، الذي شغل أول منصب قنصل عام لبلاده في لاهور: طالما أن الهند الهندوسية تشكل انعكاساً لباكستان المسلمة لا أرى أي أمل بحصول مصالحة.
ويرى إيار أن الهند وباكستان تحتاجان إلى “وفاق ودي” على الطريقة الإنجليزية الفرنسية، قبل بدء محادثات جدية.
من جهته، قال المحلل السياسي الباكستاني حسن عسكري: إن البلدين تعايشا مع الحداد، وإن العلاقات لا يمكن لها أن تسوء أكثر.
وأضاف لـ”فرانس برس”: التوتر الحالي بين الهند وباكستان غير طبيعي؛ وبالتالي لا أتوقع لهذه الأوضاع البقاء على أوضاعها الحالية.
وتابع: في غياب أي حوار فإن العلاقات سيئة جداً، الهند ربطت الحوار بمسألة واحدة هي الإرهاب، فيما باكستان تقول: إنه يمكن التحاور حول مجموعة من المسائل الخلافية، يمكن طرحها ومناقشتها.
وقال عسكري: إنه لا يمكن إجراء حوار في وقت تشكل أعمال التمرد هاجساً.
وأوضح الخبير: هذا يعني أنه بالكاد توجد إمكانية حوار في المستقبل القريب؛ لأن الحكومة الباكستانية غير قادرة على الالتزام تجاه شعبها بالقضاء على الأعمال الإرهابية، فكيف بالحري الالتزام تجاه الهند.
في المقابل تعرب غونيتا سينغ بالاه، مؤسسة أرشيف التقسيم لعام 1947 التي أجرت مقابلات مع آلاف الناجين، عن تفاؤلها بالجيل الجديد على جانبي الحدود.
وتقول بالاه: إن الجيل الذي لم يعانِ جراء القتل والدمار يكن مشاعر الحقد تجاه الجانب الآخر أكثر من جيل آبائه، أعتقد أن الجيل الجديد أكثر إصراراً على تخطي الماضي.
وتتساءل بالاه إذا كان ملايين المغتربين الباكستانيين والهنود قادرين على الاتفاق في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا والشرق الأوسط؛ “ما الذي يمنعهم من تحقيق ذلك في بلدهم؟”.