يبدأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، زيارة رسمية إلى الكويت هي الثالثة خلال 6 أشهر، يلتقي خلالها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
والكويت هي ثاني محطة من جولة الرئيس التركي التي بدأها أمس بزيارة روسيا، ويختتمها غداً الأربعاء بزيارة قطر.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن: إن “المحادثات التي ستجري في الكويت ستتناول العلاقات التجارية الثنائية، وتعزيز التعاون في مجالات المقاولات والاستثمارات والسياحة والصناعة العسكرية والدفاعية والتعليم”.
كما أشار قالن إلى أن المحادثات ستتمحور أيضاً “حول تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية، بما في ذلك التطورات في سورية والعراق ومنطقة الخليج”.
دلالات مهمة
وتحمل زيارة الرئيس التركي إلى الكويت دلالات مهمة، وخصوصاً أن القمة المرتقبة خلالها هي الرابعة بين زعيمي البلدين خلال العام الجاري.
وتأتي زيارة أردوغان بعد أسبوعين من زيارة نائب رئيس الوزراء التركي محمد شمشيك للكويت نهاية أكتوبر الماضي، كذلك تأتي بعد شهرين من زيارة رئيس وزراء الكويت الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، أنقرة في 14 سبتمبر الماضي.
تقول وكالة “الأناضول”: تعكس تلك القمم المتتالية والزيارات المتبادلة خلال وقت قريب وقصير حرصاً متبادلاً بين الجانبين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود باستمرار.
وتضيف الوكالة أن الزيارة تأتي في توقيت مهم نظراً للتطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة سواء على صعيد الأزمة الخليجية، أو تصاعد التوتر في المنطقة بين السعودية من جانب ولبنان وإيران من جانب آخر.
6 قمم.. 4 منهم في العام 2017
6 لقاءات جمعت الرئيس التركي وسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، من بينها 4 قمم خلال العام الجاري فقط.
وإضافة إلى القمة المرتقبة اليوم وقمتين جمعتهما في 23 يوليو و9 مايو الماضيين خلال زيارتين أجراهما أردوغان للكويت، عقدت أول قمة هذا العام خلال زيارة أمير الكويت لتركيا من 20 إلى 22 مارس الماضي.
وسبق أن التقى سمو الأمير الرئيس التركي بمدينة إسطنبول في 14 أبريل 2016، على هامش قمة التعاون الإسلامي.
وكان اللقاء الأول بعد تولي أردوغان الرئاسة خلال الزيارة التي قام بها للكويت، في 28 أبريل 2015.
ويلاحظ أن عام 2017 شهد أكبر عدد من القمم واللقاءات رفيعة المستوى، حيث عقدت به 4 قمم وزيارة لرئيس الوزراء الكويتي لتركيا مقابل لقاء في عام 2016 وقمة في عام 2015.
عام 2017 نقلة نوعية في العلاقات
تلك القمم المتتالية انعكست بشكل جلي على العلاقات بين البلدين، التي شهدت نقلة نوعية هذا العام، وتوجت تلك القمم واللقاءات باتفاقيات لتعزيز التعاون والشراكة بما يصب في صالح البلدين.
فخلال زيارة أردوغان للكويت في 9 مايو، شارك مع أمير البلاد في مراسم وضع حجر أساس مبنى الركاب الجديد في مطار الكويت الدولي، الذي يعد أكبر مشروع تفوز به شركة تركية في الخارج بمفردها.
ونجح تحالف شركتي “ليماك” التركية و”الخرافي ناشيونال”، بالفوز بمناقصة إنشاء وإنجاز وتأثيث وصيانة مبنى الركاب الجديد بمطار الكويت الدولي، في أغسطس 2015، بقيمة إجمالية تبلغ 4.33 مليار دولار، ويعد هذا أكبر عقد فاز به مقاولون أتراك في حزمة واحدة بالخارج.
وفي نهاية يوليو الماضي بدء سريان قرار الحكومة التركية القاضي بإلغاء تأشيرة الدخول على مواطني الكويت، في خطوة تعزز العلاقات بين الجانبين.
وبهذا القرار أصبح بمقدور مواطني دولة الكويت، قضاء 90 يومًا في أراضي الجمهورية التركية.
أيضا قام رئيس وزراء الكويت بزيارة إلى أنقرة في 14 سبتمبر الماضي، تم خلالها توقيع 6 اتفاقيات تعاون في عدد من مجالات الأمن والملاحة الجوية والاتصالات والاقتصاد والمالية.
كما حظيت قمة أنقرة في مارس بأهمية كبيرة من بين تلك القمم قياساً لما شهدته من مباحثات واتفاقيات وتقارب كبير بين الجانبين، تم التعبير عنه عبر قيام أردوغان بتقليد أمير الكويت وسام الدولة التركية، وقيام الصباح بتقليد الرئيس التركي، قلادة “مبارك الكبير” التي تعد أبرز وسام للدولة في الكويت.
أيضاً تم خلال الزيارة توقيع 6 اتفاقيات ومذكرات تفاهم، شملت 3 اتفاقيات تتعلق بمنح كويتية تقدم إلى بلديات بعض الولايات التركية التي تستضيف لاجئين سوريين، ومذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري، وأخرى للتعاون في مجال السياحة، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الشؤون الإسلامية.
العلاقات الاقتصادية.. طموحات تتجاوز النجاحات
تلك الاتفاقيات انعكست بشكل كبير على العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، فقد شهد حجم التبادل التجاري بين البلدين قفزة نوعية فبعد أن كان يتراوح بين 600 و700 مليون دولار قبل سنوات ارتفع إلى 1.287 مليار دولار عام 2016.
كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في الربع الأول من العام الحالي بلغ 152 مليون دولار مسجلاً زيادة بنسبة 17% مقارنة مع نفس الفترة من العام 2016.
يأتي ذلك وسط سعي حثيث لزيادة تلك الأرقام، فقد دعت تركيا في البيان المشترك الصادر خلال زيارة رئيس الوزراء الكويتي في سبتمبر، الجانب الكويتي إلى زيادة استثماراته على أراضيها، مشيرة إلى أن قيمة الاستثمارات الكويتية في تركيا، تصل حالياً 1.5 مليار دولار.
وذكر البيان أن قيمة المشاريع التي تنفذها الشركات التركية في الكويت تجاوزت 6.3 مليار دولار.
وللقطاع الخاص الكويتي مساهمات فعالة ومباشرة في السوق التركية، حيث تنشط عشرات الشركات الكويتية في مختلف القطاعات لا سيما القطاع المصرفي وقطاع مبيعات التجزئة.
ويعد البنك الكويتي التركي، الذي تأسس عام 1989، مثالاً بارزاً على نجاح التعاون الاقتصادي المصرفي بين البلدين والمساهمة في دعم الاقتصاد التركي، فقد استطاع البنك، الذي يمتلك بيت التمويل الكويتي نصيب الأسد فيه، احتلال المركز الأول على مستوى البنوك الإسلامية في تركيا من حيث حجم الأصول.
وعلى الصعيد السياحي تعد تركيا إحدى أبرز الوجهات السياحية للكويتيين، إذ ارتفعت أعدادهم إلى حوالي 180 ألفاً في العام 2016، مقارنة مع 20 ألف سائح عام 2010.
كما زار 30 ألف كويتي تركيا في الربع الأول من عام 2017، ما يعني أن 210 آلاف كويتي زاروا تركيا خلال 15 شهراً.
ويتوقع أن يتزايد هذا العدد بشكل أكبر بعد إلغاء تأشيرة الدخول على مواطني الكويت، واتفاقية التعاون في مجال السياحة التي وقعها البلدان أثناء زيارة أمير الكويت إلى أنقرة في مارس.
الأزمة الخليجية وقضايا الأمة والمنطقة
العلاقات المتنامية بين الجانبين يدعمها تقارب كبير في وجهات نظر البلدين تجاه مختلف القضايا، وهو ما عبّر عنه نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك في تصريح له، خلال زيارة الكويت نهاية أكتوبر الماضي، مشيرا إلى أن العلاقات السياسية المميزة بين البلدين “تعد بمثابة نموذج يحتذى به في المنطقة”.
وأوضح أن التعاون الوثيق بين البلدين الصديقين تمثل في “حل الأزمات بالمنطقة عبر بذل جهود مشتركة لتسوية هذه المشكلات”.
وتدعم أنقرة جهود سمو الأمير في الوساطة لحل الأزمة الخليجية، بل وتدفع بقوة نحو حلها عبر الحوار، وقام الرئيس التركي بجولة خليجية في 23 و24 يوليو الماضي، شملت السعودية، والكويت وقطر، في إطار البحث عن حل للأزمة الخليجية الراهنة، وعقد مباحثات مطولة خلالها مع أمير الكويت خلالها.
وكان أردوغان هو أول رئيس دولة يقوم بجولة خليجية لدعم وساطة أمير الكويت، والسعي لحل الأزمة الخليجية.
وتعصف بالخليج أزمة بدأت في 5 يونيو الماضي، إثر قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة.
ومن هنا تأتي أهمية القمة المرتقبة، خصوصاً أنها تأتي في وقت دخلت فيه أزمة الخليج نفقاً مظلماً، قبيل القمة الخليجية المرتقب أن تستضيفها الكويت الشهر القادم والتي دخلت هي الأخرى في غياهب المجهول، وهو ما يزيد أهمية اللقاء لبحث جهود حلحلة الأزمة في ظل دعم تركيا لوساطة الكويت.
كما تأتي الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً كبيراً بين السعودية من جانب ولبنان وإيران من جانب آخر، الأمر الذي يزيد الحاجة لبحث قضايا المنطقة في ظل تلك الظروف الحرجة.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية، تتلاقى أهداف البلدين في دعم الوضع الإنساني في سورية، فسبق أن استضافت الكويت عدة مؤتمرات للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية.
وتقوم تركيا بجهود رائدة في هذا المجال عبر استضافة الملايين من اللاجئين على أراضيها وتسيير قوافل إغاثية وإنسانية لصالح اللاجئين والنازحين.
وفي الشأن الإسلامي، تدعم تركيا، التي تترأس الدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامي، والكويت، قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والروهنجيا.
وفيما يخص مكافحة الإرهاب، يتفق الجانبان، على ضرورة توحيد الجهود الدولية الرامية للقضاء على التنظيمات الإرهابية، وسبق أن شددا على عدم نسب العمليات الإرهابية لأي معتقد ديني أو عرق معين.