قال محللون وباحثون سياسيون: إن القمة الإسلامية الطارئة، في مدينة إسطنبول، أمس الأربعاء، حملت مجموعة رسائل إيجابية، عبر قرارات وخطوات عملية ذات سقف مرتفع، ما حرك المياه الراكدة، دفاعًا عن مدينة القدس الفلسطينية المحتلة.
وعقدت قمة منظمة التعاون الإسلامي، برئاسة تركيا، ردًا على قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، في 6 ديسمبر الجاري، الاعتراف بالقدس (بشطريها الغربي والشرقي) عاصمة مزعومة لـ”إسرائيل”، القوة القائمة بالاحتلال.
القمة الاستثنائية، وفق المحللين، شهدت هجوماً دبلوماسياً غير مسبوق على ترمب، ووجهت إليه صفعة قوية بأن نزعت عنه صفة راعي عملية السلام، ودعت إلى دعم مالي قوي للفلسطينيين، وأظهرت الدول الإسلامية (57 دولة)، التي تمثل ثلث سكان العالم، ككتلة موحدة في مواقفها.
كما وجهت القمة رسالة تحذير موحدة وقوية برفضها القرار الأمريكي، وهو ما يمكن أن يردع أي دولة أخرى عن التفكير في استهداف القدس على طريقة ترمب.
لم يعد راعياً للسلام
وقال الباحث السياسي الأردني، جواد الحمد: إن ما ميز هذه القمة أنها اجتمعت بشكل سريع.. والقرارات التي اتخذت بالإجماع تمثل شيئاً إيجابياً وتوحي بنجاح تميزت به القمة.
وأضاف رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن، في حديث لـ”الأناضول”، أن القمة عقدت مختلفة عن سابقاتها في الظرف والزمان، لكن مع الأسف عدم حضور زعماء عرب أساسيين حمل في طياته رسالة للإدارة الأمريكية.
وعقدت القمة الاستثنائية برئاسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومشاركة 16 زعيماً، وممثلي دول منظمة التعاون الإسلامي.
وتابع الحمد أن موضوع الدعم المالي أمر محمود ومهم، وأقترح إيجاد آليات محددة حول الموضوع.
ورأى أن الزعماء تحدثوا بسقف مرتفع لم يكن موجوداً في القمم السابقة، وحدث هجوم دبلوماسي غير مسبوق على ترمب، ووجهت القمة صفعة قوية له بتجريده من دور الراعي لعملية السلام.
وتابع: وينبغي من الآن التعامل مع الإدارة الأمريكية على هذا الأساس، حتى لو فرضت نفسها على عملية السلام.
وشدد على أن بعض الدول النشطة، مثل تركيا والأردن والسلطة الفلسطينية، يمكنها البناء على البيان الختامي للقمة، مدعومة بالقوى الشعبية بشكل كامل.
وتضمن البيان الختامي تعهدات لدول منظمة التعاون الإسلامي وتكليفات لأجهزتها ورسائل إلى الولايات المتحدة وبقية دول العالم تثمل خارطة طريق مبدئية من شأنها التصدي لقرار ترمب، والتحذير من تداعياته.
كتلة إسلامية موحدة
بدوره، قال الباحث السياسي الفلسطيني سعيد الحاج: إن القمة الإسلامية عقدت مختلفة عن القمم السابقة، وكانت أمام استحقاق استثنائي، وتحديداً لتركيا، الدولة الرئيسة للمنظمة في دورتها الحالية، فكان سقفها عالياً في مخرجات القمة.
وتابع الحاج، في حديث لـ”الأناضول”: قرارات القمة بها رمزية سياسية، أولها أنها أظهرت الدول الإسلامية الـ57 ككتلة موحدة في مواقفها عبر رفضها قرار ترمب، ودعوته إلى التراجع عنه، بل واتخذوا قراراً مقابلاً لقراره، وهو الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا يشكل سقفا مرتفعا، وقرارا تجاوز الخطابات والشجب الروتيني.
واستدرك الحاج بقوله: إن “تهديد القمة بالتوجه نحو مجلس الأمن هو قرار يمكن أن يبنى عليه، وأرضية ينطلق منها على المستوى الدولي في مواجهة إدارة ترمب، للخروج من النطاق العربي والإسلامي إلى النطاق العالمي”.
ورأى أن “عملية التسوية أنهيت بشكل واضح بعد قرار ترمب، وبمعنى آخر فقد أنهى قراراه عملية السلام (بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”) واتفاق أوسلو 1993 وحل الدولتين، وهذا يعتمد على القرار الذي ستتخذه السلطة الفلسطينية مستقبلاً، فواشنطن أثبتت الآن أنها لم تعد وسيطا نزيها”.
تحذير للدول الأخرى
وفق المحلل السياسي المغربي، زهير عطوف، فإن “القمة الإسلامية ستساهم بشكل كبير في الضغط على أمريكا للتراجع عن قرارها بشأن القدس”.
ورأى عطوف، في حديث لـ”الأناضول”، أنه “إذا استمر الضغط بشكل مستمر من الدول الإسلامية على الأمم المتحدة فمن الممكن إسقاط صفة الوسيط في عملية السلام عن أمريكا”.
وتابع: “قرار توفير الدعم المالي للقضية الفلسطينية في القمة الإسلامية هو قرار تاريخي، وانعطافة مركزية في مسألة دعم القضية الفلسطينية”.
وحول دعوة القمة دول العالم، التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية بعد، إلى الاعتراف بها، اعتبر أن” هذه خطوة جريئة، والفرصة مناسبة اليوم لتمرير هكذا قرار، خاصة أمام الرفض المتزايد لقرار ترمب الأحادي الجانب من أقرب حلفائه، مثل فرنسا وبريطانيا وحتى الاتحاد الأوروبي، كما تحمل القمة رسالة تحذير لأي دولة تفكر في تكرار خطأ ترمب”.
وشدد عطوف على أن “هذه الخطوات العملية تسعد كل إنسان محب للسلام والأمن، والقمة كانت ناجحة مقارنة بالقمم الباهتة لجماعة الدول العربية، رغم أن القمة الإسلامية لم تعرف حضور زعماء دول مؤثرة في القضية الفلسطينية، مثل السعودية ومصر، ونشيد بالدور المؤثر والمستمر الذي تلعبه تركيا في نصرة القضية الفلسطينية”.
فلسطين.. القضية المحورية
ومشيدا بالبيان الختام للقمة الإسلامية، قال المحلل الأردني، بشار شلبي، إن “القمة أكدت على مجموعة رسائل، أولاها أن فلسطين ما تزال المحور الأساسي للأمة رغم جراحاتها ومآسيها، وأن القيادة التركية للمنظمة شكلت رافعة لها رغم الظروف المحيطة”.
وأضاف أن “القمة بعثت برسالة واضحة جداً، وهي أن الدول الإسلامية قادرة على أن تتحد مرة أخرى، وتنحي خلافاتها جانباً وتفتح صفحة جديدة تتقدم به نحو الخارطة العالمية”.
وتابع شلبي، في حديث للأناضول: “القمة بعثت أيضا برسالة واضحة لترمب أنه مها استخفت إدارته بالدول الإسلامية، وأخذت بعض الدول جانباً إليها، فإن هذا وهم كبير، فالأمة، بمستواييها الشعبي والرسمي، ما تزال قادرة على التصدي لقرار ترمب”.
وشدد على أن “سقف قرارات القمة جاء مرتفعاً جداً، وتناغمت القمة مع أداء رئاسة المنظمة الحالية، ولكن كان من المنتظر أن تقاطع دولة الاحتلال (إسرائيل)، وأن تعلن صراحة أن دور الإدارة الأمريكية أصبح متراجعا ومنحازا لدولة الاحتلال الصهيوني”.
دعم مالي للفلسطينيين
فيما قال المحلل السياسي التركي، معين نعيم: إن “ترمب بقراره بشأن القدس أعلن أن رسميا أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا في عملية السلام، فهي طرف منحاز لدولة الاحتلال، والقمة أكدت هذه الحقيقة في خطابي الرئيسين (الفلسطيني محمود) عباس وأردوغان.
وأردف نعيم، في حديث للأناضول، أن “مطالبة القمة لدول المنظمة بتوفير الدعم، وخاصة المالي، للشعب الفلسطيني والقدس ليس إلقاء للكرة في ملعب الدول الإسلامية بقدر أنه تذكير لها بأولوياتها، فالحقيقة هي أن الدعم للقضية الفلسطينية أصبح في الفترة الأخيرة من أقل الأمور الثانوية رسميا وشعبيا”.
وختم المحلل التركي بالتشديد على أن “القمة الإسلامية حركت المياه الراكدة، وهي محاولة لإحراج دولة الاحتلال والولايات المتحدة، والتأكيد لواشنطن أن لقراراتها ردود أفعال قد تكون بعكس ما تتوقع”، حسب “الأناضول”.