البوذيون يمثلون 68% من السكان البالغ 20 مليوناً يليهم الهندوس بـ12% ثم المسلمون 10% والباقي نصارى
73% من البوذيين يريدون التعرف على الإسلام فهم مسالمون وأكثر قرباً من المسلمين
علاقات المصاهرة بين التجار المسلمين والسريلانكيين كانت عاملاً مهماً لانتشار الإسلام
ملوك سريلانكا حرصوا على اختيار سفرائهم من المسلمين لأمانتهم وانفتاحهم على العالم
التعصب الديني والحفاظ على الهوية وتبليغ الدعوة لباقي المجتمع أبرز التحديات التي تواجهنا
شعب الكويت محب للعمل الخيري وعلى رأسه سمو الأمير الذي حاز «قائد العمل الإنساني في العالم»
أكد د. حارث حامد، مدير معهد الفاتح بسريلانكا، أن سريلانكا بلد متعدد الأديان والأعراق؛ حيث يمثل المسلمون 10% من سكان البلاد البالغ 20 مليوناً، وأن البوذيين يمثلون 68%، والهندوس 12%، مشيراً في هذا السياق إلى أن هناك مساحة كبيرة من حرية الدعوة والحركة توفرها الحكومة لهم، وأنهم حريصون على الانفتاح والتواصل بكل الوسائل الممكنة.. وفي هذا السياق، ذكر د. حارث أن البوذيين هناك مسالمون، وهم أقرب للمسلمين من غيرهم من أهل الديانات الأخرى، وأكد أن 73% منهم يسعون إلى التعرف على الإسلام.
جاء ذلك في حوار له مع «المجتمع» التي التقته أثناء زيارة له إلى الكويت؛ حيث أثنى على دور الكويت في العمل الخيري، وأكد أنهم يسمونها «كويت الخير والعطاء»؛ لما لها من جهود عظيمة في العمل الخيري بأنحاء العالم.
وقد ناشد الداعية السريلانكي العالمَ الإسلامي فتح مسارات لهم في مجالات التعليم، سواء من خلال فرص الابتعاث الخارجي أم استقدام علماء ودعاة ومشايخ، وكذلك الدعم المادي والمعنوي لمشاريعهم القائمة هناك.
نرحب بكم في «المجتمع»، ونرجو في البداية أن نتعرف بكم.
– بداية اسمح لي من خلال مجلتكم الغراء أن أعبر عن سروري الكبير بزيارة دولة الكويت؛ فنحن نسميها دائماً «كويت الخير والعطاء»، ندعو الله عز وجل أن يبارك هذا البلد الطيب حكومة وشعباً؛ فجهوده وعطاؤه وعمله الخيري الإنساني نحو العالم العربي والإسلامي عظيم جداً.
وطبيعة شعب هذا البلد محب للعمل الخيري والإنساني، وعلى رأسه سمو الأمير الذي حاز عن جدارة واستحقاق لقب “قائد العمل الإنساني في العالم”.
وكذلك أعبر عن امتناني لمجلة “المجتمع” التي تعد مصدراً موثوقاً في سريلانكا للاطلاع على قضايا العالم الإسلامي؛ فنحن نترقب إصداراتها للتعرف على القضايا الدولية المهمة؛ حيث نقوم بترجمتها للغة المحلية ليسهل على الطلاب وعموم المثقفين الاطلاع عليها لما تتميز به من رؤية شمولية ووسطية ومصداقية.
أما بالنسبة للتعريف بي فأنا محمد الحارث حامد، مدير معهد الفاتح، خريج الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، وحاصل على الماجستير والدكتوراه من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا تخصص أصول الدين ومقارنة الأديان، ومحاضر بالجامعة الإسلامية النظامية بسريلانكا.
هل لكم أن تلقوا الضوء على معهد الفاتح ورسالته وأبرز أنشطته؟
– كانت بدايته معهداً تعليمياً اتخذ شعاراً له وهو «إعداد قادة المستقبل»؛ حيث يسعى إلى إعداد جيل متميز في التخصصات المختلفة التعليمية والتربوية والإنسانية، منطلقاً من قيم الإسلام ومبادئه.
والآن تطور المعهد وأصبح منذ عام 2013م كلية، وقد تخرجت الدفعة الأولى فيها، في قسم أصول الفقه واللغات، وهناك توجه الآن إلى تطوير الفكر لتصبح جامعة أهلية، من المتوقع أن ينضم إليها ثلاث كليات قريباً؛ هي كلية الدراسات الإسلامية، وكلية العلوم الإنسانية، وكلية الإدارة وتكنولوجيا المعلومات.
ولكلية الفاتح علاقات خارجية مع عدد من الجامعات تسعى من خلالها إلى عمل توءمة معها مثل جامعة أفريقيا الوسطى بالسودان، وجامعة الفاتح بإسطنبول بتركيا وجامعة فطاني بتايلاند.
نريد أن نتعرف من خلالكم على الخريطة الدينية لسريلانكا؟
– سريلانكا بلد متعدد الديانات والأعراق؛ حيث يبلغ عدد سكانه نحو 20 مليون نسمة، يحتل الجزء الأكبر من الخريطة الدينية منهم البوذيون؛ حيث يمثلون 68% من السكان، يليهم الهندوس حيث يمثلون 12%، ثم المسلمون 10%، والباقي نصارى.
أما أماكن تواجد المسلمين فهم يتركزون في شرق سريلانكا؛ حيث يوجد 40% منهم، والباقون موزعون على عموم الأراضي السريلانكية.
وفي هذا السياق، أشير إلى أنني درست في أطروحتي للدكتوراه موضوع “انطباعات البوذيين حول الإسلام والمسلمين في سريلانكا.. دراسة ميدانية”، ومن خلالها توصلت إلى أن 73% من البوذيين يريدون التعرف على الإسلام؛ فهم حقيقة شعب مسالم، وربما ما لا يعرفه الكثيرون أنهم أكثر الناس قرباً من المسلمين وتواصلاً معهم.
متى دخل الإسلام سريلانكا؟ وكيف؟
– يعود تاريخ وجود المسلمين في سريلانكا إلى القرن الثاني الهجري تقريباً؛ بل كانت هناك علاقة بين العرب وسريلانكا منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث كانت تسمى حينئذ «سرنديب»، والعرب هم الذي أطلقوا عليها اسم «سيلان» نظراً لكثرة سيلان شلالات المائية بها، كما أطلقوا عليها أيضاً «جزيرة الياقوت» لوجود الجواهر والأحجار الكريمة بها.
وقد دخل التجار العرب والمسلمون سيلان وتزوجوا من بناتها، وتطورت العلاقات من التجارة إلى أن تكون علاقات مصاهرة ونسب؛ وهو ما مثّل عاملاً مهماً لانتشار الإسلام هناك.
كما أن هناك علاقة بين فتح الهند وسريلانكا في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي؛ حيث ساعد المسلمون العرب الذين استوطنوا الساحل الجنوبي الشرقي للهند على انتشار الإسلام في سيلان حينها؛ حيث كانت لهم هجرات منظمة إليها، يدعون إلى الإسلام ويتفقدون فيها أحوال المسلمين هناك.
ومن الجدير بالذكر أن ملوك سريلانكا كانوا حريصين على اختيار سفرائهم إلى العالم الخارجي من هؤلاء العرب المسلمين لما وجدوه عندهم من أمانة وانفتاح على الخارج بسبب ممارستهم التجارة والسفر والترحال.
ما أبرز الجماعات والهيئات والمؤسسات الدعوية العاملة في سريلانكا؟
– اسمح لي أن أؤكد هنا حرية الدعوة والحركة أمامنا في سريلانكا؛ حيث لا توجد عوائق سياسية أمامنا، بل إن هناك وزارة خاصة بالشؤون الإسلامية، كانت قد ألغيت واكتُفي بمكتب خاص بالمسلمين تحت وزارة الأديان، ثم عادت الوزارة مرة أخرى، وهي تعد الجهة الرسمية والسياسية للمسلمين.
أما الجماعات الدعوية فهناك عدد منها يمارس دوره بحرية الآن مثل الجماعة الإسلامية والسلفيين والتبليغ والدعوة والطرق الصوفية وجماعة السلامة.
كما أن هناك أيضاً بعض الهيئات العلمية؛ مثل جمعية علماء سريلانكا وهي تمثل عموم العلماء في سريلانكا من مختلف التيارات والاتجاهات.
بالإضافة إلى ما سبق هناك مجلس الشورى الوطني الذي يضم معظم الهيئات والمؤسسات الإسلامية، بالإضافة إلى بعض النخب من المثقفين والأطباء والمحامين.. إلخ، وهو أنشئ منذ 3 سنوات، ويعنى بالقضايا العامة والمستجدات التي تخص المسلمين.
ما أبرز التحديات التي تواجهكم؟
– التحديات التي تواجهنا يمكن أن نسميها تحديات داخلية؛ فكما ذكرت في السؤال السابق فلا توجد عوائق أو تحديات سياسية أو رسمية أمامنا، ويأتي على رأس هذه التحديات الداخلية الحفاظ على الهوية الإسلامية، ووجود التعصب الديني وإن كانت نسبته قليلة إلا أن تأثيره كبير.
ومن التحديات أيضاً تبليغ الدين والدعوة إلى الـ90% الباقين من المجتمع، مع عدم وجود كوادر مؤهلة ومعدة لهذه المهمة.
ما مدى انفتاح المسلمين على المجتمع السريلانكي؟
– شعب سريلانكا مثقف وواعٍ وعلى اطلاع وانفتاح بقضايا العالم، والمسلمون هناك حريصون على الانفتاح والتواصل مع أهل الديانات والملل الأخرى، فيشاركونهم أفراحهم وأتراحهم، ومعظم مناسباتهم الاجتماعية.
كما أننا نحرص على التواصل مع المجتمع من خلال بعض المنافذ والمنابر الإعلامية؛ فمثلاً لدينا مجلة “قضايا دولية”، وهي مجلة تصدرها الجالية المسلمة هناك بلغة “التاميل”، وهي معنية بالقضايا الإسلامية، خاصة القضية الفلسطينية التي تعد قضية الأمة كلها.
كما أننا نشارك بكتابة المقالات في المجلات والجرائد الحكومية والخاصة نتناول فيها قضايانا بكل حرية وشفافية؛ وهذا دليل على أن حرية التعبير في سريلانكا مكفولة للجميع.
ومن الوسائل التي نتواصل بها أيضاً مع المجتمع الخطب والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية التي نعرض فيها قضايا الأمة الملتهبة مثل القضية الفلسطينية والقضية السورية، وما يحدث في مصر وغيرها من البلدان الإسلامية التي تشهد تفاعلات سياسية بعد أحداث “الربيع العربي”.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن لنا مؤلفات وكتباً باللغة التاميلية التي تناقش المستجدات على الساحة المحلية والإقليمية والإسلامية؛ فمثلاً أصدرنا كتاباً بعنوان “البركان”، يعرض لحياة الشهيد الفلسطيني يحيى عياش.
كما أن تفاعلنا مع المجتمع ليس مقصوراً على النشر والإعلام فقط؛ بل إننا نخرج في مظاهرات ومسيرات حاشدة تفاعلاً مع قضايا الأمة، وذلك بالتنسيق مع الحكومة.
ماذا تطلبون من العالم الإسلامي؟ وما رسالتكم له؟
– نرجو من العالم الإسلامي المزيد من العناية بقضايا الأقليات المسلمة، ومنها مسلمو سريلانكا؛ فسريلانكا منعزلة عن العالم؛ ولذا نريد فتح مسارات لنا في مجالات التعليم، سواء من خلال فرص الابتعاث الخارجي أم استقدام علماء ودعاة ومشايخ، كذلك لدينا بعض المؤسسات التعليمية التي هي في حاجة إلى الدعم المادي والمعنوي.
أما رسالتنا فهي أننا نريد التعايش السلمي والتسامح بين أتباع الديانات المختلفة، وعلى المسلمين في كل مكان أن يسعوا لذلك، وعلى العلماء أن يكونوا ذوي أفق واسع وواعٍ بهذه الأمور؛ فعليهم أن يوازنوا بين الأصالة والمعاصرة.