التحليلات والتفسيرات التي صدرت من أفراد وجهات عديدة حول أحداث البصرة متحيزة بشكل كبير إلى اتجاه واحد من التحليل الإستراتيجي، وتمكين هذا التحليل من التوصل إلى أن إيران وحلفاءها محركو هذه الأحداث؛ وذلك من أجل مواجهة إجراءات الولايات المتحدة الأخيرة ضد إيران بإيقاف الإنتاج النفطي لبعض دول المنطقة.
وباعتقادي أن الكثير من هذه التحليلات تنقصها الدقة التحليلية، والمعلومات المؤكدة، وهذا يؤدي إلى تحليل غير منطقي، ومن ثم تقدير موقف خاطئ، يضلل أصحاب القرار السياسي في الداخل العراقي أو دول الجوار.
وما لم تفصح جهة معينة عن مسؤوليتها عن تحريك الأحداث أو ظهور دلائل على تدخلات إيرانية أو أمريكية أو حزبية؛ فإن اتهام جهة ما يصبح عرضاً غير لائق بالتحليلات الإستراتيجية.
لذا يجب التطلع للتأكد مما يلي:
– أن هذه التحركات عفوية ومطالب مقبولة حقيقية، سارت بها مجموعات غير منظمة، ثم تحولت إلى نقطة التقاء مشتركة في الأهداف، وهو الضغط على صناع القرار في بغداد لاتخاذ حلول للمشكلات الآنية والسريعة لحياة المواطن، كالكهرباء والماء والنقل والأسعار.. وغيرها، بالإضافة إلى جور الشركات النفطية التي اقتصرت في التعيينات على الأجانب دون أهل البصرة وشبابها؛ مما يعني أن مطالب هذا التحرك هي مطالب شعبية وليست حزبية أو سائرة في سيناريوهات إقليمية ودولية.
– أن كلاً من إيران والولايات المتحدة لديهما مصالح وبينهما صراعات وتحديات داخل العراق، وهذا لا يمنع كلا الطرفين من دفع سيناريو حركة الاحتجاجات؛ للحصول على مكاسب لصالحهما، ولكن الدخول إلى سيناريو الحشد على الحدود الكويتية والسعودية كغطاء لمواجهة الاحتجاجات من أجل صراع دولي وإقليمي يجب دراسته بعناية ودقة، حتى لا يتخذ صاحب القرار إجراءات غير سليمة للتكيف مع الأحداث، وهذا لا يعني عدم اتخاذ الاحتياطات والحذر، ولكن من المهم عدم تصعيد الإجراءات غير الضرورية فتحدث أزمة داخلية في الكويت ودول الجوار، تعرض الأمن الوطني والتماسك الاجتماعي ومستوى الحالة السياسية لحالة من الاضطراب، والنزوع نحو إجراءات يستغلها البعض لرفع الكلف الاقتصادية والمالية والاجتماعية على الدولة والمجتمع.
– كما أن الحراك الاجتماعي في البصرة غير “مُسيَّس” لكن لا يستبعد أن تستغله أطراف محلية لحسم صراعات في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، أو لصنع حكومة طوارئ مؤقتة لتجاوز أزمة سياسية أو مالية أو استحقاقات غير قادرة عليها الحكومة العراقية أو الأحزاب الأخرى، وعليه؛ فإن أطرافاً عدة في العراق تود استغلال مثل تلك الاحتجاجات لحسم الصراعات، ولتتقدم في المفاوضات لتشكيل الحكومة أو إعادة تشكيل ملفات داخلية داخل العراق.
وللعلم، فإن محطة التكرير في منطقة بيجي تم تدميرها من قبل تنظيم “داعش” في العراق منذ فترة الصراع السابق، وتعهدت إيران بتزويد المحطة بالبنزين المكرر من محطات إيرانية، ونتيجة للإجراءات الدولية والإقليمية الأخيرة، فإن إيران توقفت عن تزويد محطة بيجي بالنفط المكرر؛ مما أدى إلى توقف الكهرباء في المناطق الحيوية وفي البصرة، وإذا أضفنا فشل الحكومة العراقية في إلزام الشركات الأجنبية بتعيين العراقيين في المشروعات التي تديرها في جنوب العراق والبصرة، فإن ذلك أدى إلى حالة من الحراك الشعبي للمطالبة بحقوق واحتياجات طبيعية للعراقيين في البصرة وما حولها، فهي مشكلة إدارة لسياسات الدولة العراقية.
وعليه؛ فالمطلوب ما يلي:
1- من المهم للكويت ولأي دولة جوار للجنوب العراقي تشكيل فريق أزمة متخصص للتعامل مع هذا الحدث، ومدى انعكاساته على الأمن الوطني والعلاقة مع العراق ضمن هذا الحدث.
2- إجراء التحليل الإستراتيجي المنطقي لمثل هذه الاحتجاجات، ووضعها في سياقها الطبيعي والحقيقي لاتخاذ تقدير موقف صحيح وسليم.
3- اتخاذ الاحتياطات والاحترازات اللازمة لاحتمالات تطور الأحداث.
4- التواصل مع الدولة المركزية في العراق للتعرف على تطورات الحدث والتعاون في استقرار الوضع.
5- إجراء الاتصالات اللازمة مع دول الخليج لتفهم الوضع الجديد والتشاور فيه.
6- عدم التسرع في إصدار أي بيانات أو تصريحات تتعلق بأزمة داخلية في العراق ما لم تمس أمننا الوطني.