يستغيث اللاجئون السوريون في بلدة عرسال اللبنانية (شرق) بالجمعيات والهيئات الإغاثية لمعالجة أوضاعهم المزرية ومساعدتهم في مواجهة موجة برد قارس خلال شتاء يبدو أنه لم يبلغ ذروته بعد.
ويعيش في البلدة حوالي 60 ألف لاجئ موزعين على 126 مخيماً حسب ما أفاد، رئيس بلدية عرسال، باسل الحجيري لوكالة “الأناضول”.
لكن تلك المخيمات باتت تغطي الثلوج بعضها، فيما اجتاحت المياه البعض الآخر؛ مما جعل الكثير من سكانها يهجرونها بحثاً عن الدفء.
ويشكو لاجئون من سوء الأوضاع المعيشية، في ظل تقلص المساعدات الغذائية والمادية من جانب الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة، وقال بعضهم: إنهم مهددون بالطرد من المخيمات؛ لأنهم لا يملكون قيمة إيجار الأرض.
ويدفع اللاجئون سنوياً إيجار الأرض لأصحابها اللبنانيين من 150 إلى 200 دولار عن كل خيمة.
وقود وغذاء وأغطية
اختصر اللاجئ خالد أبو ضاهر (50 عاماً)، وهو معلم متطوع، حالة سكان مخيم “السلام” (120 خيمة)، بقوله: “لم تأت المساعدات إلا من بعض أهل الخير، والناس هنا من دون شغل (عمل)”.
ووصف أبو ضاهر، وهو أب لثلاثة أطفال، حالة الخيام بـ”السيئة جدا؛ حيث وزعت الجمعيات الخيرية لكل خيمة شادرا (غطاء من البلاستيك)، وهذا لا يكفي أبداً”.
وتابع: “نشكر لبنان، الذي يستضيفنا على أرضه، خاصة أنه يعاني وضعاً اقتصادياً صعباً؛ مما يزيد الأعباء على هذا البلد الجار”.
ويقول مسؤولون لبنانيون: إن الدعم الدولي لبيروت في ملف استضافة اللاجئين ليس على المستوى المطلوب، في وقت يشكل فيه اللاجئون ضغطاً كبيراً على موارد البلد المحدودة.
وأضاف أبو ضاهر أنه باع خشباً كان في خيمته حتى يسدد ديونه؛ فهو يعمل كمتطوع في التعليم، ويتراوح راتبه بين 50 و100 دولار في الشهر.
ووجه الأب السوري نداء استغاثة من أجل مساعدتهم بأسرع وقت ممكن؛ لأنهم لا يملكون المال لدفع إيجار الأرض لصاحبها، لذا فهم يخشون من تهجيرهم، كما يريدون مادة المازوت للتدفئة ومساعدات غذائية وبطانيات.
أين العرب؟!
وقالت نازحة في الستين من عمرها رفضت الكشف عن اسمها: إن وضعها وعائلتها صعب جداً.
وأضافت: “ابني في السجن، والجيران يحسنون إلينا بالطعام؛ لأن زوجي من دون عمل، وابني الآخر مريض”.
وأردفت أن عليها ديون للبقال ولا تملك المال، وناشدت الجمعيات الخيرية النظر إلى وضعها الصعب.
وقالت أخرى (50 عاما): “عندي ولد صغير معاق، ونحن منذ يومين تحت الثلوج والخيم انهارت علينا، وطفلي محمود بحاجة إلى دواء وعلاج، ولم يأت أحد لمساعدتنا، والبطانيات مبللة بالمياه”.
وصرخت مستغيثة: أين العرب؟ أين الإسلام؟ ليس لدينا المال لدفع إيجار الأرض.. سنُهجر مرة أخرى.
وتابعت الأم السورية: إننا بحاجة إلى مساعدة عاجلة، وهي إيجار المخيم لصاحب الأرض.
لا خشب ولا مازوت
النازح عدنان اليوسف (55 عاماً) اشتكي هو الآخر من عدم الالتفات إليهم والرأفة بحالهم في مخيم “ياسمين الشام”؛ حيث لم توزع عليهم شوادر ولا خشب ولا مادة المازوت للتدفئة.
وقال: إن معظم من في المخيم، وهو يضم 115 خيمة، لا يوجد لديهم إغاثة ولا مساعدات ولا مازوت ولا ثياب شتوية، لتقيهم شر البرد.
وأوضح أن “مياه الأمطار دخلت المخيم، ولم يبق لنا بطانيات وفرش إلا ومبللة.. الحالة مزرية وانتقلنا إلى منازل جيراننا من اللبنانيين، وأعطونا أغطية وأطعمة.. الوضع سيئ”.
ثلوج متراكمة
أما خديجة (45 عاماً) فقالت: إن “الهواء انتزع الشوادر عن الخيم، لتأتي الثلوج بعدها وتتراكم على الخيمة المهترئة حتى سقطت على رؤوسنا أنا وأطفالي.. نموت من البرد.. درجة الحرارة وصلت إلى ثماني درجات تحت الصفر.. وضعي أنا وأولادي سيئ جداً”.
وتسألت مستنكرة: “أين الجهات الداعمة للنازحين؟! فليأتوا إلينا بمادة المازوت للتدفئة، فالعشرين لتراً التي تقدمها الجمعيات الإغاثية لا تكفي في ظل هذا البرد القارس”.
وتابعت: “في أوقات معينة نضطر إلى إحراق النايلون في المدفئة”.
وشددت على أنه لا توجد في المخيم جهات لنشكو إليها، ولم نعد نرى اللجان الإغاثية أو التابعة للأمم المتحدة، التي كانت تسجل الشكاوى والطلبات.
وناشدت الجمعيات الإغاثية أن “تنظر إلى أحوالنا.. أجلس أنا وأطفالي نشاهد سقف الخيمة وهو يسقط علينا لولا لطف الله لكنا متنا”.
وأوضحت أن طفلها مريض بالربو، واستجدت عليه مشكلة جديدة في القلب، وليس لديها إمكانيات لأخذه إلى المستشفى لتجرى له الفحوصات اللازمة.
بدوره ناشد محمد (30 عاماً) الجمعيات الخيرية لمساعدتهم في مواجهة هذا البرد والثلج، الذي اجتاح المخيمات، وذلك عبر تأمين المازوت والملابس والأغطية وكل ما يحتاجه اللاجئون.
منخفض جوي
ولا يبدو أن معاناة اللاجئين السوريين مع الطقس قد بلغت ذروتها بعد هذا العام، إذ ضرب لبنان، مساء الأحد، منخفضُ جوي قادم من اليونان، يستمر لخمسة أيام، ويشهد طقسا عاصفا مع احتمال سقوط ثلوج، حسب مصلحة الأبحاث الزراعية اللبنانية (حكومية).
ويأتي هذا المنخفض تاليا لآخر ضرب لبنان، الإثنين الماضي؛ ما أدى إلى أوضاع مأسوية في الكثير من مخيمات النازحين السوريين التي تضررت جراء الثلوج والأمطار والسيول.
وكان فريق إغاثة من جمعية “طريق الحياة” التركية (غير حكومية) تمكن، الأربعاء الماضي، من الوصول إلى مخيم “الهندي” للاجئين السوريين في البقاع الأوسط (شرق)؛ حيث قدم مساعدات مادية وبطانيات وفرشات إسفنجية وملابس شتوية للأطفال.
وقال رئيس فريق الجمعية، أحمد بوزداغ، في تصريحات سابقة للأناضول، إن الفريق وصل لبنان الثلاثاء، وبدأ العمل في منطقة البقاع، على أن يستكمل رحلته في مختلف المناطق اللبنانية.
وإجمالاً يعيش في لبنان نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري فروا من الحرب، وتوجد غالبيتهم العظمى في مخيمات، خاصة في سهل البقاع الحدودي مع سورية.
ومنذ أشهر بدأ لاجئون بـالعودة “طوعاً” من لبنان إلى سورية، بالتنسيق بين السلطات اللبنانية والنظام السوري والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.