عبر أكثر من قرن من الزمان، كانت شخصية السلطان عبد الحميد الثاني، وحقبة حكمه من عام 1876 حتى 1909 محل نقاش غير محمود في الشرق والغرب، جعله في النهاية أكثر خليفة عثماني مُفترى عليه في التاريخ.
وتحيي تركيا هذه الأيام الذكرى الـ101 لوفاة السلطان عبد الحميد الثاني في 10 فبراير 1918.
وعبد الحميد الثاني (1842-1918) هو السلطان الـ34 في الدولة العثمانية، ويُعرف بـ”آخر الخلفاء المسلمين الأقوياء”، وأُنجزت في عهده أعمال عديدة في مختلف أقاليم الدولة زادت من وحدة الأمة الإسلامية حينها.
وشهدت فترة حكمه تحولات صناعية وإصلاحات دستورية مهمة، فضلا عن إعادة هيكلة الدولة ومؤسستها، مما وضعه في مواجهة دبلوماسية وعسكرية مع القوى الكبرى الطامعة في أراضي الدولة العثمانية.
افتراءات دحضها التاريخ
ويجمع كتاب وباحثون كُثر في التاريخ، على أن عبد الحميد الثاني ناله من التشويه والافتراء ما لم تتعرض له شخصية تاريخية على الإطلاق، فألصق به من الدكتاتورية والجهل والطغيان.
ومن أهم أسباب إلصاق تلك التهم بعبد الحميد الثاني، تصديه لمساعي السيطرة على فلسطين، والوقوف أمام المطامع الاستعمارية الغربية في العالم الإسلامي، فضلا عن مقاومته للصهيونية والماسونية، عبر محاولته توحيد العالم الإسلامي ونشر العلم وتشييد المدارس، والقضاء على الفساد الإداري والمالي.
يقول محمد حرب، البروفسور في التاريخ العثماني، إن “السلطان عبد الحميد حاول إلى حد كبير إحداث نقلة نوعية في مجال تطوير التعليم والهندسة والبنية التحتية في كافة الأمصار العثمانية”.
ويضيف، في حديث للأناضول،: أن عبد الحميد هو أول من اقترح فكرة ربط شطري إسطنبول الأسيوي والأوروبي من خلال الجسور، ولدينا وثائق تدل على ذلك، كما افتتح مدارس ومعاهد عديدة، وسعى للنهضة بالبلاد اقتصاديا وعلميا وعسكريا.
مطامع الصهيونية في فلسطين
وعن أهم الأسباب التي خلقت الافتراءات بحق عبد الحميد الثاني، قال حرب إن الوقوف بقوة أمام المطامع الصهيونية في السيطرة على فلسطين، كان سبباً رئيساً في ذلك.
وأضاف أن عبد الحميد الثاني لم يقبل أي مساومة مالية أو سياسية مقابل تسهيلات هجرة اليهود إلى فلسطين، حتى أنه لم يقبل مرور خط سكة حديد الحجاز إلى جانب أية تجمعات يهودية في فلسطين آنذاك.
وأصدر السلطان عبد الحميد في 28 يونيو 1890 إرادة سلطانية (مرسوم سلطاني) بعدم قبول الصهاينة في الممالك الشاهانية (الأراضي العثمانية)، وإعادتهم إلى الأماكن التي جاءوا منها.
وحسب المرسوم، منع السلطان بيع الأراضي العثمانية، خاصة الفلسطينية لليهود، وجهز وحدة شرطة خاصة لتطبيق هذه الأوامر، كما خصص أوقاتا محددة وقصيرة لليهود الراغبين في زيارة فلسطين.
وآنذاك رأى تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة، عبد الحميد الثاني عائقا كبيرا أمام أهدافه في فلسطين، فقرر التحرك دبلوماسيا لإقناع السلطان بكل الوسائل بمنح اليهود وطنا في فلسطين، وهو ما استهجنه ورفضه السلطان.
رؤية عبد الحميد الثاني للعالم الإسلامي
وأشار حرب إلى أن رؤية عبد الحميد الثاني للعالم الإسلامي كانت أيضا من أبرز أسباب انتشار الافتراءات عنه شرقا وغربا.
وفي هذا الصدد، قال: حاول عبد الحميد جعل الدول الإسلامية في مصاف الدول العظمى، وتجميع العالم الإسلامي تحت راية واحدة، في أفريقيا والقوقاز والحجاز وبلاد الشام ودول البلقان، وهذا بالطبع أثار رعب القوى العظمى حينها.
ويفسر حرب خشية الغرب من عبد الحميد بحاجة المسلمين الماسة حينها إلى شخصية قيادية يلتفون حولها ليشكلوا اتحادا قويا ينافس الدول الكبرى من جديد.
أكذوبة تهميش العرب
ورداً على مزاعم تهميش عبد الحميد الثاني لأبناء البوادي العربية، أشار حرب إلى أن “السلطان أولى اهتماما بالغا لمنطقة الحجاز، وأنشأ مدارس هناك لتعليم أبناء القبائل العربية”.
وأضاف أن عبد الحميد الثاني هو أول من حاول في تاريخ الدولة العثمانية الممتد لـ6 قرون “اتخاذ العربية لغة رسمية للدولة”.
مكافحة القومية والعرقية
وفي سياق متصل، لفت حرب إلى كفاح عبد الحميد الثاني ضد تيارات العصبية القومية والعرقية في الولايات العثمانية.
وقال: “في زمن عبد الحميد الثاني أصبح للفكر القومي معنى جديدا، وأخذ ينمو ويترعرع في الولايات العثمانية، ما دفعه لمقاومة هذه التيارات بالفكر الإسلامي الذي كان يتخذه مرجعاً له”.
وتابع: أصدر عبد الحميد قوانين متعلقة بلباس المرأة، ومنع المرأة المسلمة من الخروج دون حجاب، وسعى لنشر أفكار أن “لا قوة ولا عزة إلا بالإسلام”.
وأضاف أنه أغلق عدد من الصحف التي كان يسيطر عليها اليهود وأصحاب الأجندات الأجنبية، ويحاولون عبرها نشر الفتن بين فئات المجتمع.
وأشار حرب إلى أن “عبد الحميد الثاني وقف في وجه القوى الماسونية التي كانت تسيطر على مفاصل الدولة حينها، وقاومها بكل الطرق والوسائل، لكن الهجمات وحجم الخيانات كانت كبيرة جداً عليه، حتى تم عزله عن الحكم عام 1909”.