الحب من أسمى المعاني التي يعيشها الإنسان؛ فهو ذاك الشيء المبهم الذي يخطف الألباب ويتغلغل في ذرات الوجدان دونما استئذان، نشعر من خلاله بميل وإعجاب تجاه شخص معين دونما غيره، وهو شعور نبيل طاهر منزه ومرفع عن المصالح الشخصية والنزوات الشهوانية. يحدث نتيجة التوافق الروحي من خلال النظرات المتبادلة أو الابتسامات العابرة أو الحوارات الهادفة التي تشعرنا بالارتياح للطرف الآخر؛ فلا معنى لحياتنا بدون الحب.
فبالحب يتراحم الناس فيما بينهم وتزول القسوة من قلوبهم، ويتكافلوا في أمرهم.
لذلك كان الحب من أسس الإسلام السمح؛ فهو دين المحبة، وخير المحبين رسولنا عليه الصلاة والسلام، كان محبا لأهل بيته وأصحابه ولجميع من عاصره، ولم يقف حب الرسول هنا بل تعدى إلى أقوام ستأتي من بعده إلى قيام الساعة.
وللحب أشكال شتى سأتناول منها:
حب الله والرسول
محبة الله ورسوله فرض وشرطها الإيمان وتستلزم الطاعة من المحب للمحبوب؛ فالحب أفعال وليس مجرد أقوال هشة. قال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”؛ فالمؤمن يعبد الله ويحبه رغم أنه لا يراه ويستشعر وجوده ويشتاق لرؤياه، كما أنه يحب الرسول ويشتاق إليه اشتياقاً هائجاً تعدى أروقة الزمان والمكان، ولهذا حب المؤمن لله ورسوله حب روحي سامي ليس كمثله حب.
حب المؤمنين والعلماء والصالحين
وذلك الحب من أفضل وأجل العبادات بعد حب الله والرسول، قال الرسول: “أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله عز وجل”، ويستلزم أن يحب المؤمن الصالحين ويبغض كل ما يعاديهم ويعادي دين الله فهم في منزلة عليين.
حب الوالدين والقرابة
فُطر كل منا على حب الوالدين، فهما سبب وجوده. ناهيك عن تعبهما وسهرهما وتربيتهما للأبناء وغرس القيم والأخلاق الحسنة فيهم، وحرمان أنفسهما من ملذات الحياة في سبيل تنشئة أبنائهما وتوفير مستلزماتهم؛ لذلك علينا برهما وتوفير احتياجاتهما وحسن صحبتهما.
حب الوطن والجهاد في سبيل الله
على الإنسان أن يفتدي وطنه بماله وأهله ونفسه وجميع ما يملك، فالوطن أحب شيء إلى قلب المؤمن. قال الرسول: “ما أطيبك من بلد وأحبك إلي؛ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك”.
حب الأخوة في الإسلام
حث الإسلام أبناءه على التحاب والمودة والإخبار بمشاعر الحب؛ لأن هذا يقويه ويفضي إلى شيوع الألفة بين الناس، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه”.
الحب بين الجنسين
وأخيرا سأتناول الحب البشري فهو حب فطري جبل عليه الناس منذ النشأة الأولى، وجعل له الإسلام ضوابط شرعية منه المباح والفرض والمحرم.
والمباح هو حب الزوجة والأولاد: قال الرسول: “لم يُر للمتحابين مثل النكاح” أي أساس الحب الزواج، وحب الزوجة حب مكتسب حيث يميل المرء إلى زوجته بالفطرة ويسكن إليها، وكذلك حب الأولاد، ولا يؤاخذ المرء إذا أحب أحد أولاده عن البقية أو إحدى زوجاته، ولكن يحرم عليه أن يجزل بالعطاء لشخص دون آخر، قال الرسول: “من كان له امرأتان يميل لإحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل” لذلك اشترط العدل في المعاملة بينهم.
أما إذا مال قلبه لإحدى زوجاته فهذا النوع من الحب لا يأثم به المسلم لأنه خارج عن إرادته وكان سيدنا محمد عليه السلام يدعو الله “اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”.
أما الحب بين الجنسين: وما كان فيه القلب مخيراً وليس مسيراً وبدون روابط شرعية فصاحبه يأثم، وهو ما تنطلق وتنطق به الجوارح بما تشاء وتصول وتجول في كلام الحب والغزل والمراسلات المحرمة والخلوة والاختلاط الذي يدمر البيوت ويفسد المجتمع، وينشر العداوة والبغضاء بين الناس، لذلك أمرنا الله بغض البصر وعدم الخلوة لنتجنب ويلات الفتن.
وتتمثل مظاهر الحب بـ:
◾إدمان النظر إلى المحبوب وإقبال العين عليه، فهي باب القلب تكشف ما يدور بالقلب ويجول بالخاطر.
◾يظهر الاضطراب على المحب عند رؤية المحبوب أو سماع اسمه او صوته ويتلعثم اللسان.
◾الإقبال على حديث المحبوب دون كلل أو ملل.
◾بذل المحب الكثير في سبيل إرضاء محبوبه والظفر به.
◾حب الوحدة والأنس بالخلوة والهيام بالمحبوب ورسم الأحلام الوردية.
آثار الحب على حياة الفرد والمجتمع
◾تجعل النفس تسمو وتحلق إلى عنان السماء في غمرة من نشوة سعادة وجمال يفيض على حياتنا بهجة وسرورا ويكسو الروح ببهاء أخاذ.
◾ينال المؤمن محبة الله ورسوله ويتنعم بالحنان ويظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، ويؤدي إلى تماسك المجتمع وقوته.
كيف نحافظ على نعمة الحب؟
بغرس بذرة طيبة وسقايتها، والاهتمام بها ورعايتها، والتضحية في سبيل إنمائها؛ لننعم بثمرها، ونحصد خير جنيها، ونتذوق حلو شهدها.
——
* المصدر: موقع بصائر.