إن المحاولة والتجريب شرف وفضيلة ليس في ميزان الحياة فقط أو في ميزان التنمية والتحفيز فقط، بل هي كذلك في ميزان الله تعالى فقد جعل سبحانه أجراً للمحاول والمجرب المخطئ وجعل أجرين للمحاول والمجرب المصيب شرط أن يستكمل “مقومات المحاولة والتجريب في الحالتين”، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر”.
لا يريدك الإسلام أن تبقى خاملاً راكداً تتلقى الحياة بردود الفعل فتكون معها منفعلاً متأثراً لا فاعلاً مؤثراً.
الخوف من الخطأ مصدره شرعي ونفسي واجتماعي، فأما الشرعي فهو الخوف والورع المفرط من الوقوع في الخطأ، فبدل أن يكون الإيمان والتقوى والورع عوامل منتجة ومحفزة وفق انضباط شرعي تصبح عوامل معيقة للحركة وذلك من مداخل الشيطان.
وأما النفسي فهو الخوف من الفشل خصوصاً مع تجارب فاشلة قديمة يمر بها المرء، فتجنح به مثاليته أن يظن أنه ينبغي أن يكون معصوماً أو أن الحياة واضحة السبل يستطيع كل سالك أن يلجها دون خطأ.
وأما الاجتماعي فهو الخوف من اهتزاز الصورة الذهنية عنه عند الناس، حيث يظن أن معظم الناس من حوله ناجحون ولا يدري أن الناس عادة ما تتغنى بنجاحاتها حتى لو كانت وهمية دون إخفاقاتها.
إن الحياة تحتاج للمحاول والمجرب ولو أخطأ أكثر مما تحتاج للخامل الراكد المنزوي في هامشها خوفاً من مسؤولية شرعية أو ضغط نفسي أو اجتماعي، ولو مكث الطفل باكياً ممن يضحك على كلامه ومشيته وهو يتعلم لما تكلم ومشى حتى يصبح بعد ذاك فارساً مجيداً أو خطيباً مفوهاً.
لقد حكى الله ورسوله لنا أشياء للأنبياء والرسل فعلوها وندموا عليها فهم قدوة لنا حتى في المحاولة والتجريب.
لن تحاول أو تجرب وتكون إيجابياً ومؤثراً حتى توقن أنك بعد استكمال الأسباب والتوكل على الله مأجور حتى لو أخطأت، ولن تحاول أو تجرب حتى تقتنع أن الخطأ والفشل محطة في الطريق لا نهاية الطريق، وحتى تعلم أن الخطأ من صفات الناجحين فالراكد والخامل والجالس لا يفشل أبداً.
ولن تحاول أو تجرب ما لم تتجاوز قوالب المجتمع في تضخيم الخطأ وإشاعته، ذلك لأنك مؤثر فيهم ولو لم تكن كذلك لما انتبهوا لصوابك أو خطأك.
وأخيراً إليك وصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرف المحاولة: “احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ”.