دعا خبراء معنيون بالتربية الإيجابية في الوطن العربي الأسر العربية إلى التفاعل مع أسلوب التربية الإيجابية كمنهج حياة داخل الأسر ودور التعليم، لتلافي السلبيات الخطيرة التي أنتجت في العقود السابقة أجيالاً لم تكن على مستوى المأمول منها عربياً.
جاء ذلك في فعاليات المؤتمر العام السنوي الثاني للتربية الإيجابية العربية الذي انعقد على مدار يوم السبت 13 أبريل بأحد فنادق القاهرة، في إطار نشر الوعي بأسلوب التربية الإيجابية الذي يشهد تجاوباً لافتاً في الأوساط المصرية، بحسب متخصصين.
وأكدت أمنية عسكر، مؤسِّسة جمعية التربية الإيجابية العربية والمدربة القائدة المعتمدة من الجمعية الأم في أمريكا، في كلمتها تحت عنوان “تربية أبناء قادرين على مواجهة الحياة”، أن فرقين جوهريين بين الأجيال الحالية والسابقة، هما: التغيرات المجتمعية العالمية، والثورة الصناعية والمعلوماتية وما أعقبها من تغيرات في القيم والمبادئ والعلاقات داخل الأسر بجانب طبيعة الحياة التي اختلفت فرصها عن تلك كانت التي تمنحها الحياة سابقاً كي يكتسب الصغار المهارات والقدرات التي تمكنهم من مواجهة الحياة وتحمل مسؤوليتها.
وطالبت عسكر الأسر والمربين بتوفير أكبر قدر من تحمل المسؤولية وبناء القدرات واكتساب المهارات لدى الأبناء، مؤكدة أهمية غرس القدرة على التواصل والتعاون والتفاوض والمشاركة والتعاطف والاستماع والعمل بفعالية مع الآخرين، والقدرة على التعامل مع المواقف الحياتية بقدر من المسؤولية مع المرونة وقدر من الحزم مع الرفق.
وأوضحت عسكر في محاضرتها العديد من المهارات والمهام التي يستطيع الأبناء تعلمها والقيام بها وفق لأعمارهم السنية.
وأضافت نهى الشقيري، المدربة القائدة في التربية الإيجابية، أن كثيراً من اللغط دار في العامين الماضيين حول فعالية التربية الإيجابية كأسلوب تربوي في البيوت والمدراس في الوطن العربي، بسبب اللبس بين الإفراط في المرونة والتفريط في الحزم بتطبيق القواعد.
وأوضحت في كلمتها أن التربية الإيجابية في الأصل هي تؤكد حق “فيتو” للأسر وليس نقاشات وحوارات لا تنتهي إلا بإقناع الأطفال، كما أنها تعلم الأبناء مهارات السيطرة على مشاعرهم والمسؤولية عنها وليست بالأساس تدور حول سعادتهم فحسب.
وأشارت منال رستم، المدربة القائدة بالجمعية، إلى أهمية التحفيز في فلسفة التربية الإيجابية، كأسلوب يرفض العقاب كما يرفض المكافآت، ويؤسس تشجيعاته بتكوين حافز داخلي للأبناء يتمثل في بناء مشاعر إيجابية نتيجة لبذلهم جهداً في سلوك مطلوب.
وأكدت أهمية تشجيع الأبناء عبر إسناد الفضل في النجاح لمجهوداتهم والثناء عليها وليس على النتائج أو على الشخص ذاته، للحفاظ على التحفيز الداخلي، مع جعل الأخطاء فرصة للتواصل والتقارب والتعلم بين الآباء والأمهات من جهة والأبناء والبنات من جهة أخرى.
ولفتت رستم الانتباه إلى البحث الحديث الذي أجراه كارول دوك، الأستاذ بجامعة كولومبيا، مؤخراً، حيث أثبت أن الثناء ليس مفيداً للأطفال؛ حيث إنه يصنع أطفالاً مدمنين للقبول يبحثون دائماً على إرضاء من حولهم بدلاً من أطفال يحترمون أنفسهم بالقدر الكافي ليقوموا بما يجدونه صحيحاً، في حين أن التشجيع يسمح للأطفال أن يروا أنفسهم قادرين على بذل الجهد بدلاً من التركيز على الكمال أو إرضاء الآخرين.
وأكدت أمينة دياب، المدربة المعتمدة في المجال، أن المشاعر هي الوقود المحرك لرحلة نمو الأبناء التي تساعدهم على فهم تجارب الحياة التي يرون بها بشكل عميق، كما أنها قد تكون سبباً للأسف في سحق الطفل وحرمانه من أن يحيا حياته بشكل إيجابي متفهم.
وشددت على أهمية التعاطف مع الطرف الآخر، ورؤيتنا للمواقف بعيونه وتقمص مشاعره باعتبار أن ذلك يبني جسور التواصل بيننا وبين الآخرين، وهو ما يتطلب منا الاستماع الحقيقي الواعي لما يقوله الأبناء، ومحاولة ترجمة ما نفهمه منهم واستيعاب مشاعرهم دون توبيخ أو أحكام مسبقة.
من جانبها، استعرضت عصمت لمعي، مديرة أحد المدارس الدولية المصرية، كيفية تطبيق أساليب التربية الإيجابية في مدرستها، وإدماج كافة عناصر العملية التعليمية في المنزل والمدرسة سوياً تحت مظلتها، مشيرة إلى أن أهم الوسائل التي حققت نجاحاً في التطبيق هي إنشاء اتفاقيات بين الأسرة والمدرسة من جهة والأبناء من جهة أخرى، بمثابة دستور عملي يحكم العلاقات بجانب التعويد على روتين معين لأداء المهام بأقل صراعات ممكنة.
وتفاعل الحضور كثيراً مع المدربات في ورش العمل، وتطرق الحديث إلى أن أساليب التربية الإيجابية لا تتعارض مع القيم الإسلامية، بل تقوم على أساسها في كثير من الوسائل.
وأكد البعض خلال النقاشات أنه رغم اللغط المثار على أسلوب التربية الإيجابية فإن المستقبل له في مصر، مؤكدة أهمية وصوله إلى المدارس لزيادة الوعي لدى المعلمين حتى لا يحدث تعارض بين المدرسة والمنزل في تنشئة أجيال بطريقة صحية.
وخلصت ورش العمل مع الأمهات إلى أن التربية الإيجابية منهج مهم للتواصل بين الآباء والأبناء للوصول إلى حلول مشتركة للمشكلات تشعر الأبناء بالمسؤولية تجاه التحديات التي تواجه الأسرة.