غادر رجل القرية متجهاً نحو المدينة لكسب الرزق، وعمل فيها سنوات عدة كسب فيها فقط 4 من الإبل، فقرر العودة إلى أهله.
وصادف في طريق العودة الصحراوي خيمة منصوبة وبجوارها شيخ جالس أمام النار، فنزل عنده وشرب عنده الماء والقهوة وتسامرا، وحكى له قصة رحلته الطويلة التي لم يكسب منها إلا الشيء القليل، فقال له الشيخ: سأعطيك 3 نصائح تفيدك في حياتك، وكل نصيحة ببعير.
تردد الرجل قليلاً، ثم قرر أن يشتري النصائح، فعودته بهذه الإبل الأربعة لا تسر أحداً، فقال له: هات ما عندك.
فقال الشيخ: الأولى: «إذا طلع نجم سهيل، لا تأمن للسيل»، والثانية: «إذا رأيت أبو عيون برق وأسنان فرق، لا تأمن له»، والثالثة: «نام على الندم ولا تنام على الدم».
أعطى الرجل الشيخ الجمال الثلاثة، وانطلق في طريقه عائداً لقريته، وأدرك بعد يومين قوماً قد نصبوا خيامهم في قاع واد كبير، وبعد أن تعشى عندهم، أخذ يتأمل في السماء فشاهد نجم سهيل، فتذكر النصيحة التي قالها له الشيخ، فذهب إلى كبيرهم وحذرهم وطلب منه أن يخرجوا من قاع الوادي إلى الأعلى، فسخر منه ولم يكترث لكلامه.
فقال في نفسه: والله لقد اشتريت النصيحة ببعير، ولن أنام في قاع هذا الوادي، وانطلق وبعيره إلى مكان مرتفع ونام فيه.
وفي آخر الليل ارتعدت السماء وأمطرت، وجاء السيل الهادر كنهر جار، فاقتلع البيوت وغرق من فيها، وهربت المواشي إلى الأعلى، حتى إذا طلع النهار وجد الجميع قد ماتوا، فساق معه ما تبقى من المواشي.
وسار في طريقه عدة أيام حتى وصل إلى بيت شعر في الصحراء، فرحب به صاحب البيت، وزاد بالتودد إليه حتى أوجس منه خيفة، فنظر إليه وإذا به «ذو عيون برق وأسنان فرق»، فقال: هذا الذي حذرني منه الشيخ.
وتظاهر الرجل بالنوم ليلاً، ثم وضع حجارة تحت اللحاف واختبأ، فاقترب صاحب البيت منه بعد أن ظن أنه قد نام، وطعنه بخنجره، وتفاجأ بالحجارة، وإذا بالرجل يقف وراءه، فضربه بسيفه فقتله، وضم ماشيته إلى غنمه، وانطلق عائداً إلى أهله.
وعندما وصل إلى قريته ليلاً، ترك ماشيته خارج الحي، وسار ناحية بيته ورفع الرواق، فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوي به على رأسي الاثنين، فتذكر النصيحة الثالثة «نام على الندم ولا تنام على الدم»، فتركهما وعاد إلى أغنامه.
وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من البيت، فرحب به جيرانه، واستقبلته زوجته وقالت: لقد تركتنا فترة طويلة، انظر كيف كبر ابنك خلالها حتى أصبح رجلاً.
ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته، فحمد الله على سلامتهما، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهما، وقال بينه وبين نفسه: والله إن كل نصيحة أحسن من بعير.
كان العرب في الماضي يروون القصص لإيصال العبر للأجيال المتوالية، ويرسلون من خلالها قيماً وخلقاً وأدباً وتراثاً كبيراً.
ذكرت هذه القصة ونحن على أبواب سهيل، وتأويل سهيل هنا هو ضياع الأمانة، قال عليه الصلاة والسلام: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قيل: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله»، وهذا واقع، فلننتظر الساعة.
وعليكم أن تؤولوا «أبو عيون برق وأسنان فرق»، وكيف «ننام على الندم ولا ننام على الدم»، وعساكم من عواده.
_____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.