يقال إنه في إحدى الأساطير حين أمطرت السماء بدت حالة من الخوف تضرب كل مكان؛ لقد جاء السيل مبكرا، لم يحتط له هؤلاء الذين يسكنون البيوت الطينية أو من احتلوا مداخل المدينة ممن يعيشون على الهامش، يحيطون بها في عشوائية، علب الصفيح ومخلفات مصانع البلاستيك كهوف لهؤلاء المنبوذين، إنهم أشبه باللاجئين طردهم المحتل، لا يحملون بطاقات هوية أو لعلهم الهوام أفتى أصحاب اللحى المستعارة بقتلهم تخلصا من تلك العوادم البشرية، منبوذون يتسكعون في الشوارع الخلفية، يطنون كما الذباب؛ رغم هذا يتقاسمون أرغفة الخبز المتناثرة فوق أرصفة المدينة العاقر، يدبون في الليل كما” البق” يعتاشون على فضلات ونفايات أكوام تتكدس تحت الكباري وعند جراجات السيارات” تحذر برامج التلفاز أصحاب الياقات البيضاء من أن هؤلاء يمتصون دماء صغارهم، يزاحمونهم الهواء وضوء الشمس، يرددون نبوءات العرافين حين يضربون الودع بأن النهر حين تخرج منه حية كبيرة؛ يطرب لها الذباب ويطن حولها تكون عيدا لهؤلاء المنفيين في ذواتهم.
وجوههم تثير حالة من الاشمئزاز، لا يمشطون شعورهم؛ يخاصمهم الماء والصابون، يبدون في ثياب عفى عليها الزمن.
هؤلاء يتعارفون بلغة ملغزة، يلتهمون عشب الأرض وما وجدوه في علب النفايات التي تلقى من فوق الأسوار المكهربة.
تداعت الأبنية المصابة بالعطب، يأتي الشتاء ويحيلها إلى تلال من حجارة، تجري القطط تتبعها الكلاب، لا تجد العصافير مأوى لها، يحاول سكان الشوارع التى تخاصم ضوء الشمس ويعاندها القمر أن تمر إلى الجهة الأخرى من المدينة حيث تتراقص الأشجار وتغرد العصافير في بنايات تناطح السحاب؛ تلك أماكن لا يغزوها الذباب الأسود بأسرابه التي تهدد حارات الأحياء المتكلسة، يعظ شيخ المسجد جموع المصلين؛ تسع آيات أهلكت قوم فرعون.
ينتابني خوف شديد منه، يربض عند مدخل الأبواب وتحت النوافذ، يرمي بسهامه فلا تخطئ أحدا، لكن غير متوقع أن يكون الذباب الأسود هو العدو الذي يتهددنا سيما ونحن نمتلك كل تلك الآلات والمعدات، إنه ضعيف لا يمتلك القدرة على غزو مدينة محصنة؛ ترتفع أسوارها وتحاط بأجهزة مراقبة تتبع أنفاس الذين يحسدونهم على تلك الهبات التي منحهم إياها ساكن القصر.
يتحدث أحد هؤلاء- البق- في هاتفه، يزفر بهواء يشاكس ذباب وجهه، يغالى بمخزونه من التبغ، يسحب من سيجاره الكوبي يراقصه بين السبابة والوسطى، يطالع لوحة هاتفه الذكي، يظهر السور الفولاذي، يتفاخر بأن الذباب الأرزق لن يجرؤ أن يطن بجواره فما بالك أن يعلوه!
يتصدر لوحة عناوين الأخبار: الذباب الأسود يغزو مزارع الأسماك، يضحك في سخرية لا مثيل لها، يبدى شماتته في هؤلاء الذين يسكنون علب الصفيح، من الذي أغراهم أن يتناسلوا كما الأرانب؟.
تخرج مذيعة نشرة العاشرة مساء: على سكان الأحياء القرمزية أن يغلقوا النوافذ جيدا، ثمة تحذير من أن البق قد يتآلف مع الذباب الأسود، تلك أجواء مناسبة للتزاوج بينهم، ربما سيلدون حشرة ذات أنياب!
أكوام من سكان علب الصفيح يحيطون بالأسوار ذات السبعة أمتار، عجزت كل الأسلاك الكهربائية والهروات، يتعالى صوته من تجويف بأحد الممرات، أيتها الحشرات الزاحفة لا مكان لك غير الحفر الرطبة، يصعد بعضهم فوق بعض، من تراه يتجاوز حائط المنع؟