في البداية، قال د. سالم المساهلي، الأستاذ بالمعهد العالي للدراسات التطبيقية والإنسانيات، الكاتب والشاعر، في حديث لـ»المجتمع»: إذا كانت المقاومة جمعاً واعِياً لشروط الثبات والوقوف أمام دواعي الاستلاب أو الارتهان للآخر، فإنها في تجلياتها الإجرائية تعني الالتزام في كل التعبيرات الفكرية والفنية والسياسية والعملية بذلك الخيار، حيث لا مجال للتردد أو المساومة تحت أي مبرر أو طائل.
وتابع: لا شك أن مصطلح المقاومة في لحظتنا الراهنة اقترن بمعاني التصدي للاحتلال الصهيوني ولكل مخططات تمدده في المنطقة العربية والإسلامية، سواء من خلال قضم الأراضي الفلسطينية أو اللبنانية، أو عبر الاتصالات الجهرية والسرية بينه وبين المناورين، من المحسوبين على الأمة العربية.
وحول ظاهرة التطبيع أفاد: لم يعد خافياً اليوم ما تبديه بعض دول المنطقة العربية من تقارب وتودد ظاهر مع كيان الاحتلال، بهدف تطبيع العلاقات معه؛ وهو ما انعكس سلباً على الفلسطينيين، إذ اجتهدت تلك الدول في التضييق على الفلسطينيين ومحاصرة ناشطيهم خارج فلسطين وداخلها إلى حد اعتبرت فيه المقاومة إرهاباً.
وأردف: سعت دول عربية بعينها إلى مضاعفة حصار غزة بهدم الأنفاق التي تسترَق من خلالها بعض المؤن، وإغراقها بالمياه، وبقطع المساعدات على المحاصَرين في غزة، ووصل الأمر إلى اعتقال الناشطين في عدد من الدول العربية.
أهداف التطبيع
وقال الأكاديمي البارز د. سامي براهم، لـ»المجتمع»: رأي المطبعين قائم على اعتقاد وهمي مفاده أن التطبيع هو البديل عن الاستجابة لتطلعات وأشواق الأمة في إدارة الشأن العام بشكل جماعي ووفقاً للآليات المعاصرة في الإدارة.
وأضاف: يعتقد البعض أن التطبيع يمكن أن يحمي بعض الأنظمة من تأثيرات «ثورات الربيع العربي»، بما يعنيه من حريات عامة، وحريات في التنظيم السياسي، وحرية الإعلام، والمشاركة في الحكم عبر الانتخابات، وتقييد السلط المطلقة، وهو مسار حتمي قدري؛ إذ إن المنطقة ورغم ما نشاهده من علو للتطبيع والمطبعين ومن يطبَّع معه مقدمة على مسار وتحولات كبرى باتجاه الحريات وامتلاك شعوب الأمة لمصيرها لتصبح مخيرة لا مسيرة.
وواصل: كما يعتقد هذا البعض أن الطريق إلى واشنطن كحامية لتلك الأنظمة الشمولية يمر بالضرورة عبر التطبيع مع الكيان الصهيوني، وذلك بالنسبة لهم أقل كلفة من الإصلاحات السياسية الضرورية لتصبح الشعوب حرة، إذ إن الحرية مرهونة بامتلاك الإرادة.
علاوة على ذلك، أشار براهم إلى أن هناك أنظمة -وليس الشعوب فحسب- لا تملك إرادة الرفض، وهي أداة في يد الإمبريالية تأمرها فتطيع، فالخوف من الشعوب الذي كان يحتج به لدى الإمبريالي أصبح يمثل خطراً عليها بما يعني، ما دامت تخاف فهي ليست شعبية؛ وبالتالي ليست قادرة على الحكم، ولذلك دخلت في مجازفة نهايتها الخسران؛ لأن الشعوب لا يمكن أن تظل صامتة للأبد، ودول «الربيع العربي» أكبر دليل على ذلك، والقانون الذي حكمها وأفضى لما وصلت إليه لا يستثني أحداً، وجائحة «كورونا» دقت ناقوس الخطر في هذا السبيل.
وعن خطورة التطبيع، ذكر براهم أنه بعيداً عن شحنات العاطفة المجردة التي طبعت علاقات البعض بالقضية الفلسطينية، فإن التطبيع ليس إلا خدمة مجانية للعدو لفرض سيطرته بدعم عربي رسمي على القضية الفلسطينية وتصفيتها وضرب مشروع الدولة الفلسطينية حتى في حدودها وفق ما سمي بالمبادرة العربية، ليس ذلك فقط، كما قال براهم، بل إن التطبيع هو مقدمة لريادة الكيان الصهيوني للمنطقة وقيادتها بعنوان تابع ومتبوع وليس الشراكة؛ لأن الطبيعة مختلفة في الجانبين وبكل المقاييس، والمستجدات الجيوسياسية براً وبحراً كتبادل الأراضي في المنطقة والتفويت فيها وضم الضفة الغربية والجولان من قبل الكيان الصهيوني تصب في الاتجاه آنف الذكر؛ أي تتويج الكيان الصهيوني ملكاً في بحر من «العبيد».
وبالتالي، فالأمة مهددة في اقتصادها وكل مقدراتها بذلك التطبيع، وهو هروب إلى الأمام ولربح الوقت من قبل أنظمة فاقدة للشرعية الشعبية، بل ومفروضة على شعوبها، وخياراتها ليست خيارات شعبية وبالتالي فهي مؤقتة.
وخلص إلى القول: إن خيار المقاومة في ظل ما يجري يؤكد للأمة أنه الطريق الوحيد بدل السراب الذي يلهث وراءه البعض يحسبه سلاماً، وقبل الأنظمة يجب على السلطة الفلسطينية أن تصحح المسار الذي ثبت فشله من عام 1993م وحتى الآن، وتلتحم بخيار المقاومة وتضع يدها في يد «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية.
الشعب العميق
إلى ذلك، قال ضابط الأمن السابق، والمحامي والحقوقي البارز محمد شريف الجبالي، الذي كان له دور بارز في مقاومة الدولة العميقة في تونس من عام 2011 وحتى عام 2015م (تعرض للتسمم ولا يزال يعالج منه حتى الآن): إن الشعب العميق هو من ستكون له الغلبة بين محوري المقاومة والتطبيع لصالح الخيار الأول.
وتابع، في اتصال هاتفي أجرته معه «المجتمع»: الدولة العميقة هي التي تقوم بالتطبيع، وتقلب الأنظمة الشرعية، وتخرب أي مسعى لامتلاك الإرادة، وهي أسرع تحركاً؛ لذلك نجد نتائجها على السطح، أما الشعب العميق فهو أثقل تحركاً وربما يبدو رماداً، وكما يقول أبو القاسم الشابي: «فإن تحت الرماد اللهيب».
وأردف: لا بد من تفعيل دور «الشعب العميق»، فهو يمتلك نفس أساليب الدولة العميقة، ويمكنني أن أستشهد بالثورة التونسية؛ فهي لم تنجح من فراغ، بل كان هناك شعب عميق تصدى للدولة العميقة واستخدم نفس الأساليب ولا يزال، فرمز الدولة العميقة كمال الطيف مثلاً تمت محاصرته بنفس أساليبه، ومنع من السفر لمدة عامين.
وأشار الجبالي إلى أن التطبيع لا يتم رأساً مع الكيان الصهيوني فحسب، بل عن طريق مطبعين ودول سماها تحاول فرض التطبيع فرضاً على دول عربية أخرى، وتحارب «الربيع العربي» لهذا الغرض أساساً، ووصل الأمر حد دعم الإرهاب ونشر الفوضى وشراء ذمم الرخيصين في عدد من الدول العربية لصالح الكيان الصهيوني.
ودعا الجبالي ما وصفه بالشعب العميق وقواه الحية لمواصلة التصدي لقوى الردة والتطبيع؛ لأن النصر سيكون حليفهم في النهاية.