شهدت مصر، السبت 14 يونيو 2020، واقعة غريبة انتهت بإعدام عدد مجلة “روز اليوسف” الحكومية الصادر في نفس اليوم، وطباعة عدد جديد بغلاف جديد، وحذف مواد اعترضت عليها الكنيسة الأرثوذكسية، كان يتضمن تقارير تنتقد قيادات في الكنيسة وجماعة الإخوان، وتتحدث عما أسمته “الجهل المقدس” الذي يصدر من الطرفين.
وبعد بيانين من الكنيسة وبيان من “الهيئة الوطنية للصحافة”، وقرارات بالتحقيق مع رئيس تحرير المجلة، وتقديم بلاغ للنيابة ضده، انتهى الأمر، مساء السبت، بإعدام إدارة مجلة “روز اليوسف” غلاف وعدد المجلة (السبت 14 يونيو 2020)، الذي أثار أزمة مع الكنيسة واعتبرته مسيئاً لها، وأعدت المجلة غلافاً جديداً يستبعد تماماً الحديث عن الكنيسة، ويركز على ما أسماه “إرهاب” جماعة الإخوان! كما تدعي.
وقال عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين: إن العدد محل الخلاف كان لا يزال في المطابع ولم يُوزع، وأن «روز اليوسف» قامت بتغيير مادة العدد قبل طرحه في الأسواق، وعدلت الغلاف.
وجاء الغلاف الجديد بنفس عنوان الغلاف القديم (الجهل المقدس)، ولكنه استبعد التقرير الخاص بالكنيسة الذي يتحدث عن تطرف قساوسة أيضاً.
قصة ما جرى
عقب ظهور غلاف المجلة الأصلي الذي يتضمن صورة لمرشد جماعة الإخوان د. محمد بديع، والأنبا رافائيل، أسقف كنائس وسط البلد، وأسفلهما معاً عبارة “الجهل المقدس”، أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بياناً رسمياً بتعليمات من البابا تواضروس الثاني، تستنكر فيه “تطاول” المجلة على الأنبا رافائيل، أسقف كنائس وسط البلد، سكرتير المجمع المقدس السابق.
البيان الذي أكد استنكار الكنيسة القبطية بشدة “تطاول إحدى المجلات القومية على الكنيسة الوطنية في شخص أحد أساقفتها ووضع صورته على غلافها أسوة بصورة أحد خائني الوطن”، في إشارة لمرشد الإخوان، بحسب زعم البيان، انتقل إلى الاشتباك لأول مرة مع جماعة الإخوان في ظل غيابها ومطاردة أعضائها، بعدما كانت الكنيسة تتحاشى التعرض لها.
بيان الكنيسة رأى أن هذا لا يعتبر تحت “مجال حرية التعبير، بل هو إساءة بالغة وتجاوز يجب ألا يمر دون حساب من الجهة المسؤولة عن هذه المجلة، كما أن مثل هذه الأفعال غير المسؤولة سوف تجرح السلام المجتمعي في وقت نحتاج فيه كل التعاون والتكاتف في ظل الظروف الراهنة، وتنتظر الكنيسة رد الاعتبار الكامل مع احتفاظها بالحق القانوني في مقاضاة المسؤول عن ذلك”.
ونشرت المجلة في العدد الذي تم إعدامه، قبل تغيير الغلاف إلى غلاف جديد، به عنوان عريض “أساقفة يتحالفون مع الكورونا.. ضد البابا والقتل باسم الرب”، وذلك أسفل صورة للأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة، بجوار صورة لمرشد جماعة الإخوان د. محمد بديع، وساوت المجلة بين الطرفين في أمور تتعلق بإثارة الفتنة.
وتطرقت المجلة لقضية دينية لم تحسم بعد من قبل الكنيسة والمجمع المقدس، وهي مسألة “الماستير” -معلقة التناول- بالتزامن مع وباء كورونا المستجد؛ الأمر الذي أثار استياء أقباط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين: “في مصلحة من تتعرض الكنيسة القبطية لمثل هذا الهجوم في ظل الدور الوطني الذي تقوم به مع الدولة لمواجهة فيروس كورونا المستجد؟!”.
تحرك حكومي فوري
عقب صدور بيان الكنيسة تحركت “الهيئة الوطنية للصحافة”، وصدر قرار عاجل بإحالة رئيس تحرير مجلة “روز اليوسف” للتحقيق “بسبب إساءة المجلة للكنيسة”، رغم أن هذا من اختصاص نقابة الصحفيين ووقف المحرر المسؤول عن الملف القبطي إلى حين الانتهاء من التحقيقات.
وقررت الهيئة “تقديم اعتذار للكنيسة، وأن تقوم المجلة في العدد القادم بالاعتذار عن الإساءة، في ظل العلاقات الطيبة التي تربط الهيئة والصحافة والإعلام بقداسة البابا والإخوة الأقباط، وحفاظاً على التاريخ العريق لمجلة “روز اليوسف” في الدفاع عن قضايا الوحدة الوطنية، وفتح صفحاتها وقلبها وعقلها منذ نشأتها لشركاء الوطن”.
وعقب إعدام المجلة وإصدار عدد جديد خال من التقارير عن الكنيسة، أصدرت الكنيسة بياناً جديداً تشكر فيه “الهيئة الوطنية للصحافة” على سرعة الاستجابة و”الخطوات الحازمة والسريعة التي اتخذتها، تعاملًا مع المعالجة الصحفية غير المنضبطة المنشورة في مجلة “روز اليوسف”، مع تحويل رئيس تحرير المجلة للتحقيق، وتغيير غلاف العدد الذي يحمل الإساءة”.
وأشارت الكنيسة إلى أنها “تأمل في المستقبل مزيدًا من الانتباه والانضباط المهني والمعالجة الحكيمة في التعامل مع الأخبار الكنسية حفاظًا على التماسك الاجتماعي والمصالح العليا للدولة المصرية”.
كما تقدم سمير صبري، المحامي بالنقض، ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد رئيس تحرير “روز اليوسف”؛ “لإساءته وإهانته للكنيسة على غلاف المجلة”.
وأعتبر أن “هذا النشر يعتبر تطاولاً خسيساً على الكنيسة الوطنية في شخص أحد أساقفتها ووضع صورته على غلافها أسوة بصورة أحد خائني الوطن”، بحسب زعمه، و”هو إساءة بالغة وتجاوز يتعين ويتحتم ألا يمر دون حساب المبلغ ضده”، معتبراً أن “ما بدر من رئيس تحرير مجلة “روز اليوسف” يشكل أركان جريمة الخيانة العظمة، ويؤدي إلى إحداث فتنة طائفية”.
ويقول صحفيون مصريون: إن ما أقدمت عليه الكنيسة يزيد القيود على حرية الصحافة، ويشير إلى أنه حتى الصحف الحكومية الموالية للنظام التي تدار بمتابعة ورقابة أمنية لا تسلم من القيود.