لم يدر بخلد أكثر المتشائمين بمصر أن يشهد مثل هذه المشاهد الموجعة لقلب كل مسلم، بقيام السلطات بعمليات هدم موسعة ومكثفة لمئات المساجد في مصر بدعوى أنها مخالفة.
ولم يكن لهذه المشاهد أن تمر مرور الكرام على قلوب المصريين الذين اشتهروا بأنهم “شعب متدين بطبعه”، إذ تبدت في مقابل مشاهد الهدم المؤلمة مشاهد مقاومة مبهجة لعمليات الهدم.
الكنائس المخالفة
وقارن نشطاء بين موقف السلطة من هدم المساجد التي تقول: إنها مخالفة، ونفس موقفها من ترك الكنائس المخالفة بالفعل، باعتراف قساوسة في مقاطع مسجلة تداولها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في أحد هذه المقاطع المصورة، يؤكد قس مسيحي بأن 80% من الكنائس المصرية بنيت على أسس مخالفة للقوانين، وبالرغم من ذلك تم تقنين أوضاعها بتوجيهات من رئاسة الجمهورية، التي نشأ بينها وبين الكنيسة تحالف منذ نشأة هذه السلطة عقب يوليو 2013، الأمر الذي دفع مصريين للتشكك في مصداقية السلطة حول إزالة المساجد المخالفة من أجل المصلحة العامة.
ويخشى مراقبون من تفاقم الوضع مع تحول هذا الشعور الديني الجارف بالأسى لمشهد المساجد المنهدمة إلى فتنة كبيرة بسبب التفرقة في معاملة دور العبادة بهدم المساجد وترك الكنائس.
وفيما يشبه دراما المشردين واللاجئين في أوروبا، تبرز مشاهد صارخة لمجموعة من المصلين الذين يفترشون الشوارع، للصلاة أمام المساجد المهدمة، رافعين أكفهم بالدعاء لرب البيوت المهدمة، أن ينتقم من “الظالمين”.
وجاء رد مسؤولي السلطة على هذه الانتقادات الحادة التي وجهت له، بوصف إياها بادعاءات “القنوات المسيئة”، التي تضخم مشاعر الحزن غير المبررة، كون هذه المساجد مخالفة لقوانين البناء ولم تحصل على ترخيص من الجهات المسؤولة بالدولة، مبرراً إزالته للمساجد بقوله: “هوا اللي يبني بيت ربنا يسرق أرضه؟”، “إحنا نهد الجوامع؟ يا رب يبقوا زينا في خوفنا من ربنا”.
فتاوى صادمة
وفي الوقت الذي أثارت فيه قرارات الحكومة المصرية الأخيرة المشاعر الدينية لدى المصريين، برزت الرواية الحكومية في تبرير هذه القرارات بدعوى المصلحة العامة، الأمر الذي دفع مراقبين للتساؤل عن حكم هدم المساجد، وعن مدى جوازه شرعاً حال ارتأى ولي الأمر اقتضاء المصلحة العامة لهدم المساجد.
دفعت هذه التساؤلات دار الإفتاء المصرية للرد على هذا الملف، واصفة كل ما تم نشره بهذا الخصوص بـ”أكاذيب الإخوان” وبأنها “شائعات مغرضة”!
وفي الوقت الذي انتظر فيه المصريون رداً شافياً من دار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف والأزهر، فإذا بالمؤسسات الدينية تفاجئهم بتبرير توجهات الحكومة بدعوى وجود حكم فقهي يحرم الصلاة على الأرض المغصوبة.
من ناحيته، أكد وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة أنه لا يجوز بناء دور العبادة على أراض مغتصبة من الدولة أو على أملاك عامة للدولة أو أملاك خاصة مخالفة للقانون.
ووصف متابعون تصريحات دار الإفتاء والأوقاف المصرية بالمسيسة والمتوافقة تماماً مع توجهات السلطة، في مقابل المواقف المناهضة التي عبر عنها العديد من المشايخ التي احتوت على رسائل استنكار بالغة.
وقال د. عبدالعزيز الأنصاري: إن هدم المساجد يتسق مع مقولات سابقة لمسؤولي النظام ضد الدين ونصوصه المقدسة، منتقداً “ازدواجية” مواقف هؤلاء المسؤولين حين يتعلق الأمر بالكنائس المصرية المخالفة للبناء.
وانشغلت فيه دار الإفتاء المصرية طوال الأيام القليلة الماضية باستخراج فتاوى حرمة الصلاة على مسجد بني على أرض مغصوبة، بينما رأى مراقبون أن هذا التصريح هو نوع من ليّ أعناق الأحكام الفقهية، واستنزال حكم شرعي في غير موضعه.
وفي الوقت الذي جاء أداء دار الإفتاء المصرية مهاجماً للمستنكرين لهدم المساجد في مصر، وواصفة لكل ما تم تداوله بهذا الشأن على منصات التواصل بأنها مجرد أكاذيب وشائعات، علق الشيخ وجدي غنيم مهاجماً بشدة لقرارات النظام، واصفاً إياه بـ”الكاره للدين والمعادي للإسلام”.
واتهم غنيم رأس السلطة بتنفيس حقده على الإسلام عن طريق هدم المساجد، وبقيامه بإدخال عقيدة جديدة على الجيش المصري بتدريب المجندين على هدم المساجد، واصفاً مبررات هدم المساجد بدعوى كونها غير مرخصة بأنها حجج واهية لتبرير الحقد الدفين على الإسلام، متسائلا ككثير من المصريين: أين كانت الدولة المصرية وقت إنشاء هذه المساجد المخالفة؟
يذكر أنه تم الإعلان عن 77 مسجداً مخالفاً على حرم ترعة المحمودية، فيما تتواصل أعمال هدم الدولة المصرية للمساجد المخالفة.