أخفق النواب الليبيون في اختيار رئيس جديد رغم اجتماع 127 عضواً في مدينة غدامس لأول مرة منذ سنوات، ما يعكس حجم الضغوط التي مورست على بعضهم، لإحباط محاولات الإطاحة بعقيلة صالح، من رأس برلمان طبرق.
كان كافياً اجتماع 91 نائباً لبلوغ النصاب القانوني، لكن تواترت تسريبات عن تهديد 60 نائباً بالانسحاب من اجتماع غدامس لأسباب متعددة، أبرزها الاختلاف بشأن مكان الجلسة، وصراع بين الأقاليم الثلاثة حول من تكون له رئاسة المجلس.
وخشية عدم بلوغ النصاب دفع النواب إلى ترحيل خلافاتهم، حتى 21 ديسمبر الجاري، مع تضمن جدول الأعمال انتخاب رئيس جديد للبرلمان.
مناورات عقيلة وحفتر
وبذل عقيلة صالح خلال هذه الفترة ما بوسعه لإفشال اجتماع النواب في غدامس، بداية من إصدار بيان يطعن في قانونية وشرعية الاجتماع.
ثم دعا إلى اجتماع موازٍ في مدينة بنغازي (شرق)، بالتزامن مع اجتماع النواب في غدامس، قبل أن يتم دحرجته إلى اليوم التالي.
كما استنجد عقيلة برؤساء بلديات المنطقة الشرقية وشيوخ من قبائل برقة لإصدار بيانين يدعمان موقفه أمام النواب وملتقى الحوار.
غير أن اجتماع بنغازي كشف أن عقيلة لا يحظى بتأييد سوى أقل من 20 نائباً من إجمالي نحو 180 نائباً، أي أن أكثر من 160 نائباً غير مقتنعين بأدائه، بمن فيهم نواب من برلمان طبرق.
ويتهم ناشطون إعلاميون مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر بتهديد نواب المنطقة الشرقية، ما أدى إلى تراجعهم بعدما كان المجتمعون قاب قوسين أو أدنى من انتخاب رئيس جديد للبرلمان.
بينما يعتقد نواب من المنطقة الشرقية أن زملاءهم في الغرب يريدون الهيمنة على البرلمان بعد توحيده، ويشدد بعضهم على ضرورة أن تنعقد جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب في المقر الدائم ببنغازي أو في المقر المؤقت بطبرق، أما اجتماع غدامس فلا يعدو سوى لقاءً تشاورياً.
وفي حال فشل البرلمان في توحيد شقيه بطرابلس وطبرق، فإن صلاحية التشريع تنزع منهم وتحال إلى ملتقى الحوار السياسي المشكل من 75 عضواً، الأمر الذي يشكل عامل ضغط على النواب.
حرب الكواليس
وهذا الإخفاق أثر سلباً على اجتماع ملتقى الحوار، الذي كان مقرراً أن ينتخب آلية الترشيح لرئاسة المجلس الرئاسي، ورئاسة الحكومة، الإثنين الماضي، وتأجل إلى الخميس.
وفاز المقترح الثاني المدعوم بأنصار عبدالجواد العبيدي، المرشح لرئاسة المجلس الرئاسي، ورجل الأعمال المصراتي عبدالعميد الدبيبة، المرشح لرئاسة الحكومة، بـ39 صوتاً من إجمالي 71 شاركوا في التصويت بعد تغيب 4 أعضاء.
بينما أخفق عقيلة صالح، المرشح لرئاسة المجلس الرئاسي، بالتحالف مع وزير الداخلية فتحي باشاغا، المرشح لرئاسة الحكومة، في الجولة الأولى، بعدم حصول المقترح الثالث الذي يدعمه أنصارهما بملتقى الحوار سوى 24 صوتاً.
لكن ما تزال أمام عقيلة، وباشاغا، فرصة ضئيلة للفوز، خاصة وأنهما يملكان نفوذاً عسكرياً وسياسياً وقبلياً، مقارنة بالعبيدي، والدبيبة، اللذين يحظيان بدعم ما يسمى التيار المدني، الذي يملك الأغلبية داخل ملتقى الحوار.
وهذا ما يفسر زيارة عقيلة لروسيا، واتصاله هاتفياً بمسؤولين أمنيين في المغرب، ولقاء باشاغا مسؤولين مصريين وفرنسيين في القاهرة وباريس.
كما قام حفتر بزيارة القاهرة وباريس أيضاً، وتحركت مليشياته جنوباً للسيطرة على معسكر للجيش الليبي في مدينة أوباري، في أول خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر الماضي.
وسعى حفتر من خلال الهجوم على معسكر تيندي، ثم احتجاز سفينة تركية بميناء سوسة الليبي، إلى استعراض قوته، وتذكير النواب وأعضاء ملتقى الحوار أنه يملك القدرة على قلب الطاولة على الجميع كما فعل في عام 2019م.
ومع اقتراب الاتفاق على تشكيل القيادة الجديدة على مستوى المجلس الرئاسي والحكومة والبرلمان والمناصب السيادية، تتصاعد المناورات السياسية وحرب الكواليس للفوز بأكثر هذه المناصب تأثيراً.
مهمة مستحيلة
وما يؤكد صعوبة حسم رئاستي المجلس الرئاسي والحكومة في الجولة الثانية لاختيار آلية الترشيح، اشتراط 75% (حوالي 57 صوتاً من إجمالي 75) لفوز أي قائمة، وهو ما يجعل المسألة جد معقدة حتى بالنسبة للعبيدي، والدبيبة.
هذا ما دفع قوى التيار المدني داخل ملتقى الحوار لمطالبة البعثة الأممية بتقليص هذه النسبة إلى 50% زائد واحد.
وطالبت باعتبار تصويت ملتقى الحوار على استبعاد من سبق لهم تولي مناصب منذ عام 2014م نافذاً، على اعتبار أن من صوتوا له تجاوزوا الأغلبية البسيطة.
وحصل مقترح استبعاد من تولوا مناصب سابقة على 61% من أصوات 75 مشاركاً في الملتقى، بينما يُشترط الحصول على 75% من أصوات الحاضرين.
وفي ظل الانقسام الحاصل بين أعضاء الملتقى، يصبح الحصول على 75% من الأصوات شبه مستحيل، ما قد يرهن المسار السياسي برمته.
خطوات بطيئة وقلق أكبر
وعلى الصعيد العسكري، تبدي بيانات وزارة الدفاع قلقاً بشأن تحشيد مليشيات حفتر لعناصرها قرب خطوط المواجهة، وتسلل بعضهم إلى المناطق المحيطة بطرابلس.
لكنها من جهة أخرى تؤكد دعمها لما تم الاتفاق عليه ضمن لجنة 5+5 العسكرية، حيث سيتم نزع الألغام وسحب المرتزقة من المنطقة الأولى الممتدة من أبوقرين (جنوب شرق مدينة مصراتة) إلى الوشكة (غرب مدينة سرت)، بحسب عضو اللجنة العميد مختار النقاصة.
بينما بقية الأجزاء فتشمل المنطقة الممتدة من الحاجز الأمني السودة، جنوبي مدينة سوكنة (محافظة الجفرة/ وسط)، حتى بلدة بن جواد (150 كلم شرق سرت)، حيث سيتم ترحيل المرتزقة من هذا المثلث الذي يشمل بوقرين أيضاً.
اقتصادياً؛ اجتمع لأول مرة منذ سنوات مجلس إدارة البنك المركزي المنقسم بين الشرق والغرب بهدف توحيد البنك وإيجاد سعر صرف موحد، في إطار مساعٍ أممية لتوحيد المؤسسات الرسمية على غرار مؤسسة النفط.
ولا تقنع هذه الخطوات الخجولة والمحتشمة الرأي العام الليبي، خصوصاً مع تعثر عملية توحيد البرلمان واختيار رئيس جديد له، وعدم وضوح الرؤية بعد في ملتقى الحوار.
ويتحين حفتر الفرصة للهجوم على طرابلس مجدداً إذا لم تصُبّ نتائج الحوار في مصلحته، فضلاً عن وضع دولي يغلي بالأحداث الساخنة، ليست ليبيا في منأى عن أمواجه المتلاطمة.