صدر عن دار “سوتيميديا” للنشر والتوزيع بتونس كتاب جديد يحمل عنوان “سنوات الرمل: تفكُّر في معارك الانتقال الديمقراطي في تونس 2011-2014” للجامعي والناشط السياسي، والقيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يرأسه الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي، وهو أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة سوسة التونسية الساحلية، ورئيس مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي (سيزما) عدنان المنصر.
منهج الكتاب
يصر عدنان منصر، وهو رئيس حملة المرزوقي في انتخابات الرئاسة بتونس عام 2014، في هذا الكتاب الجديد على أنه لا يقدم عملاً في التاريخ، وإن كان للتاريخ، من وجهة نظره، وبإمكان المؤرخين الاستفادة منه.
كما أنه لا يقدم أيضاً شهادة، أو دراسة علمية، بل محاولة في التفكير حول فترة حساسة جداً هي الفترة التي تتراوح بين اندلاع الثورة يوم 17 ديسمبر 2010 وفرار بن علي في 14 يناير 2011 الذي يوافق الخميس 14 يناير 2021.
ويتحدث عن انتخابات 2011 وتشكيل الترويكة من حزب حركة النهضة، بزعامة راشد الغنوشي، وحزب المؤتمر، برئاسة منصف المرزوقي، والتكتل الديمقراطي، برئاسة منصف بن جعفر، حيث انتخب المرزوقي لرئاسة الدولة، وبن جعفر لرئاسة المجلس التأسيسي، وقادت حركة النهضة الحكومة حتى عام 2013، ثم انتخابات 2014 التي كان فيها منصر رئيساً لحمة د. منصف المرزوقي في تلك الانتخابات التي خسرها أمام ممن وصف بأنه أخرج من الأرشيف الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
ويقترح المؤلف في هذا الكتاب منهجاً لفهم صراعات هذه الفترة باستعمال أدوات العلوم الإنسانية واستقراء الأحداث والصور البارزة، في قراءة تتناول دور النخب القديمة والوافدة على الساحة السياسية بفعل الثورة والانتخابات، وإستراتيجية الدولة في استيعاب الثورة داخل منطق الانتقال الديمقراطي، معرجاً على موضوع السرديات ومضامين الاستقطاب وغيرها من الإشكالات الكبرى.
انتصار للثورة
الدولة في هذا الكتاب كائن حي، يتبعه المؤلف في النص وفي الرمز والتموضع، مثلما يرى النخب وهي تتحرك في ساحة الصراعات فيما يشبه الرقصة الأبدية، على حد وصفه بجذورها وألوانها وهواجسها.
ينتصر عدنان المنصر في كتابه للثورة، ويواجه ما تتعرض له من اتهامات بتوجيه النقد للنخب ولمنطق الانتقال الديمقراطي ذاته، محللاً دواخل الظاهرة الحزبية وانفصالها عن انتظارات الناس.
كما يتحدث المؤلف عن غربة الثورة وعن غربة الديمقراطية، ويقف أمام الجدار السميك الذي أوصلنا إليه الانتقال الديمقراطي بوصفه مساراً أنقذ الدولة دون أن يحقق الثورة في بعدها الاقتصادي والاجتماعي، وإن كان لا ينكر متن الحريات المتوفرة.
يقدم عدنان المنصر في هذا الكتاب رؤيته لهذه الفترة ولامتداداتها في واقع اليوم، في سياق عملية نقد ذاتي شاقة لمسيرته الرسمية والحزبية.
يعتقد المؤلف أن الانتقال الديمقراطي بما أفضى إليه من ديمقراطية، لم تتمكن بفعل الصراعات السياسية وتموضع الدولة العميقة في مفاصلها من إعلان الانتصار على الفساد، وهو ما جعل الدولة عاجزة عن الفعل وتلبية حاجات الفئات والمناطق المهمشة كما ينبغي، وهو ما يفسّر كم الاحتجاجات المتصاعدة من رحم المجتمع.
ويرى بأن موازين القوى في المجتمع دفعت المسار الديمقراطي لتأجيل الصدام من أجل إحداث التوازنات الحقيقية داخل المجتمع، لذلك اكتفى بتحويل النخب السياسية إلى طبقة سياسية منفصلة عن الواقع ومنغمسة في معاركها، وهو ما ينتقده عدنان منصر.
دولة اجتماعية ديمقراطية
يدعو عدنان منصر للدولة الاجتماعية الديمقراطية، ويرى أنها النموذج الوحيد القادر على تحقيق المصالحة بين الدولة والمجتمع، وأن مسار إعادة تبني المجتمع للدولة هو الكفيل بمنحها القوة اللازمة في سياق من اليقظة الثقافية التي تعيد تأسيس الحماس لمشروع جامع.
لكن ذلك يمر أولاً، وفق منصر، بمراجعة النخب لدورها وإعادة ترتيب هواجسها وأولوياتها، وبعودة الدولة للدور الذي انتظرته منها الثورة وهو إعطاء الأولوية للفئات الضعيفة والجهات المهمشة، ذلك ما يمكن أن ينقذ الدولة اليوم في نظر المؤلف، وليس الدعوات إلى العسكرة كما دعا إليها التيار الديمقراطي، أو الحزب الدستوري الحر، أو الحركات الشعبوية أو الطروحات الفاشية، كما يدعو إلى ذلك الرئيس التونسي مثلاً قيس سعيّد.
كتب للمؤلف
صدر للمؤلف من الكتب خاصة: “إستراتيجيا الهيمنة: الحماية الفرنسية ومؤسسات الدولة التونسية” (2003)، “دولة بورقيبة، فصول في الإيديولوجيا والممارسة” (2004)، “الدر ومعدنه: الخلافات بين الحزب الدستوري والحركة النقابية في تونس” (2010)، “موسم الهجرة إلى الكرامة: مقالات من الثورة التونسية” (2011).
بقي القول: إن العنوان ليس من ابتكار المؤلف، بل مقتبس من أحد عناوين الكاتب العربي حماد بدوي.