للأسبوع الثاني على التوالي، يتواصل الجدل الشعبي في العراق، حيال أداء القضاء، وخضوعه للأجندات السياسية، وذلك بعد إصدار مجلس القضاء الأعلى مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتهمة القتل العمد لكل من الجنرال الإيراني زعيم “فيلق القدس”، قاسم سليماني، والقيادي بـ”الحشد الشعبي”، أبو مهدي المهندس، في الثالث من يناير/ كانون الثاني العام الماضي.
وأثار القرار القضائي موجة من ردود الفعل الساخرة والمتهكمة حول واقعيته، إلا أنه سرعان ما تحول إلى جدل سياسي حول حيادية القضاء وتعامله مع القضايا المختلفة بمنظار واحد وخضوعه لأجندات سياسية معروفة في البلاد سبّبت إغماضه عن ملفات فساد ضخمة يتورط بها ساسة ومسؤولون، وكذلك جرائم الخطف والقتل والاستهداف للمتظاهرين، ومن قبلهم جرائم المليشيات ذات الأبعاد الطائفية في مناطق شمال العراق وغربه.
ويقدَّر عدد قضايا الفساد الرئيسة في البلاد بنحو 480 قضية استنزفت بسببها مئات المليارات من الدولارات، فضلاً عن قضايا فساد وانتهاكات حقوقية يتورط فيها غالبية زعماء حكومات سابقة، على رأسها نوري المالكي وزعماء مليشيات وقادة أحزاب ووزراء.
واتهم الناشط وعضو التحالف المدني محمد عمار العبيدي، القضاء العراقي، بأنه واقع تحت سطوة الدولة العميقة التي تقود البلاد إلى المجهول، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القضاء يسكت عن جرائم معلومة وواضحة، لكنه يتحدث بأخرى، وهو خاضع للتوافقات السياسية، لا الدستور ولا البنود القانونية أو قيم العدالة، متسائلاً عن الذين يقتلون المتظاهرين أو الذين اختطفوا أكثر من 30 ألف مدني بدوافع طائفية من مدن شمال العراق وغربه وأخفوهم، أو الذين يحتلون جرف الصخر، لماذا يسكت القضاء عنهم لغاية الآن؟
في المقابل، يقول عضو البرلمان العراقي، هوشيار عبد الله، لـ”العربي الجديد”، إن القضاء يجب أن يلتزم الحياد لكونه سيجعله محط ثقة واحترام المواطنين والمجتمع الدولي، مقراً بعدم وجود تحرك واضح وملموس من قبل القضاء بشأن محاسبة قتلة المتظاهرين حتى اليوم”، مضيفاً أن هناك علامة استفهام كبيرة بشأن عدم اتخاذ القضاء إجراءات لمحاسبة قتلة المتظاهرين لغاية الآن”. وحذر من محاولات تسييس القضاء، لكونه إن حدث ينذر بخطر كبير جداً في مختلف مناطق العراق، بما فيها إقليم كردستان.
من جهته، اعتبر عضو البرلمان، كاظم الصيادي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الجميع يعلم من هم مطلقو الصواريخ على البعثات الدبلوماسية، ومن أين تطلق تلك الصواريخ، ومن يقتل المتظاهرين ويستهدف الناشطين، لكن للأسف كل القضايا في الدولة العراقية تعد قضايا سياسية من أجل الابتزاز السياسي والانتخابي والحصول على المناصب والمكاسب المالية”.
وتابع: “القضاء بعضه مسيس، وقوى سياسية تمكنت من التغلغل بقوة داخل السلطة القضائية من طريق بعض القضاة الذين رشحتهم الاحزاب لا يعلمون شيئاً بأبجديات القضاء.
وقلل من احتمال القدرة على محاسبة السياسيين المتهمين بالفساد، مشيراً إلى أن الفاسدين والكتل السياسية هم الذين سيحاسبون الشعب العراقي من خلال إقرار الموازنات الفاسدة.
وبين أن محاكمة المتورطين بتلك الجرائم ستتأخر، والمتضرر من كل ذلك هو الشعب العراقي.
وشدد الصيادي، وهو عضو في لجنة النزاهة بالبرلمان على ضرورة محاسبة الفاسدين، ومنع تهريب الأموال العراقية، مؤكداً أن الفاسدين لا يبعدون عن مكان وجود رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان والسلطة القضائية والجهات الامنية سوى بضعة أمتار.
وأوضح أن القضاء العراقي كان عليه أن يتمهل في إصدار مذكرة قبض ضد ترامب، مشيراً إلى ضرورة “محاكاة الواقع وليس الشعارات والتظاهرات والأكاذيب التي يريد البعض تمريرها”، متسائلاً: “لو دخل ترامب إلى العراق حالياً، فهل تستطيع السلطات الأمنية في الدولة العراقية القبض عليه؟ وهل لدى أحد القدرة على منعه من دخول الأراضي العراقية؟”.
ولفت إلى أن هذه القضية هي عبارة عن شعارات، قائلاً إن “الشارع يعتبر الطبقة السياسية عبارة عن مجموعة من الكاذبين الذين يقتنصون الفرص للرقص على جراح الشعب”، مشككاً في قدرة السلطات العراقية على متابعة أمر القبض على ترامب مع الإنتربول الدولي.
وفي السابع من الشهر الحالي، أصدرت محكمة التحقيق في الرصافة في بغداد، مذكرة قبض بحق ترامب، بتهمة “القتل العمد” لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ورفاقه من المنتسبين إلى “الحشد”، بحادثة المطار التي أودت بحياة المهندس وقائد فيلق “القدس” الإيراني قاسم سليماني، في يناير/ كانون الثاني 2020.
وجاءت خطوة القضاء العراقي ضد ترامب بعد 4 أيام من تظاهرات في ساحة التحرير في بغداد شارك فيها أنصار المليشيات العراقية لإحياء الذكرى الأولى لمقتل المهندس وسليماني، وأطلق المتظاهرون شعارات معادية للولايات المتحدة الأميركية.
وحظي قرار إصدار مذكرة قبض ضد ترامب بمباركة أنصار “الحشد الشعبي” وقادة المليشيات المسلحة، ومنها مليشيا “كتائب سيد الشهداء”، التي قال زعيمها أبو آلاء الولائي، إن “القرار يمثل انتصاراً لدماء الشهداء، وإن القضاء العراقي سيدخل التاريخ، لأنه قال للمتكبر القاتل: سنقتص منك”.
إلا أن ناشطين وإعلاميين وجهوا انتقادات إلى القضاء العراقي بسبب صمته عن اتخاذ إجراء بشأن مقتل مئات المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي اندلعت على نطاق واسع بالعراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.