يتمنى كثيرٌ من الفلسطينيين لو أن هذا الخبر صحيحٌ، وأنه حقيقة وليس أمنية، وواقع وليس خيالاً، وأنه ما تم بالفعل في مخيم جنين وليس العكس، وأن القتلى هم من جنود جيش العدو وليسوا من عناصر الشرطة الفلسطينية، فهم الذين اقتحموا المخيم واعتدوا على السكان، فوجب صدهم واستحق قتلهم.
لكن الحقيقة هي أن جنود جيش العدو بالتعاون مع وحدة اليمام الخاصة، قاموا خلال اقتحامهم لمدينة جنين، وأثناء محاولتهم اعتقال عنصرين من نشطاء حركة الجهاد الإسلامي، بإطلاق النار على عناصر الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، الذين كانوا يقومون بمهام حراسة المقر الأمني، فقتلوا اثنين منهم، وأصابوا آخرين بجراحٍ، وقتلوا الأسير المحرر جميل محمود العموري، قبل أن يعودوا أدراجهم وينسحبوا من المدينة، دون أن يتعرضوا لمخاطر تستهدف حياتهم، أو تحول دون خروجهم الآمن.
لم يغضب المسؤولون “الإسرائيليون”، ولم يقلق قادة جيشه، ولم يقدموا للسلطة الفلسطينية اعتذاراً أو تفسيراً لما حدث، ولم يشعروا أنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء وارتكبوا جريمةً نكراء، وأعدموا فلسطينيين بدمٍ باردٍ، وأنهم بجريمتهم هذه قد عرضوا التنسيق الأمني للخطر، الذي قد تُقْدِم السلطة الفلسطينية غاضبةً على وقفه، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على فعالية الجيش ونشاطه الأمني اليومي في المناطق الفلسطينية، إلا أنهم يدركون تماماً أن السلطة الفلسطينية لن تُقْدم على هذه الخطوة ولن تغامر بها، لأنها هي سبب وجودها ومبرر بقائها.
كما لم يقدم ضباط جيش العدو الذين كانوا في الميدان، وقام جنودهم خلال اقتحامهم للمدينة بقتل عناصر الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، تفسيراً لجريمتهم، وبياناً للأسباب التي دعتهم لإطلاق النار بعد إتمامهم للمهمة الأمنية التي جاؤوا من أجلها، حيث تأكد أن الشهيدين كانا يقومان بمهام الحراسة، وأن عناصر وحدة اليمام وجنود جيش الاحتلال أطلقوا النار عليهما عمداً وقصداً خلال انسحابهما من المدينة، ولم تكن أفراد الوحدة وجنود الجيش في وضعٍ خطر يهدد حياتهم وسلامة خروجهم.
لم يشعر “الإسرائيليون” بعد جريمتهم أن مهمتهم ستصبح صعبةً أو مستحيلةً في المرات القادمة، وأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لن تسمح لهم مرةً أخرى بحرية اقتحام مناطقها، وتنفيذ عمليات اغتيالٍ واعتقالٍ فيها، وقد لا يشكلون لجنة تحقيق للوقوف على أسباب “الحادثة” ودوافعها، حيث أورد الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الخبر وكأنه حادثة عادية، لا تستوجب التوقف عندها أو التحقيق فيها.
ضاق الفلسطينيون ذرعاً بجرائم القتل التي يرتكبها جيش الاحتلال “الإسرائيلي” في الضفة الغربية، بترتيبٍ وتنسيقٍ أمنيٍ مسبقٍ مع أجهزة الأمن الفلسطينية، فهو لا يستطيع أن يدخل إلى مناطقهم دون تنسيقٍ معهم، واتفاقٍ مسبقٍ بينهم، ولولا ذلك فإنه لا يقوى على الدخول ولا يستطيع الاقتحام، وإن غامر ودخل، فإنه لن ينجح في تنفيذ مهامه، ولن يخرج جنوده بسلامٍ، إذ سيتصدى لهم عامة الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة.
كما أن عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية ستتصدى لهم بنفسها، فهم فلسطينيون من هذا الشعب الأصيل، وإليه ينتمون، وله يعملون، وفي سبيله يقاومون، وهم على استعدادٍ للدفاع عنه والتضحية من أجله، ولكنها قيادتهم التي لا تسمح لهم، بل وتعاقب كل من يفكر فيهم في المقاومة، أو تراوده أفكار نصرة ودعم المقاومة وحماية أفرادها، رغم أن الكثير من عناصر الأجهزة الأمنية قد سقطوا شهداء، أو اعتقلوا في السجون الإسرائيلية وما زالوا، وكثيرٌ منهم محكومٌ بالمؤبد وعشرات السنين.
لا تظنوا أبداً أن عناصر الأمن الفلسطيني قد انسلخوا من عقيدتهم، أو تخلوا عن وطنيتهم وخانوا قضيتهم، أو أنهم فرطوا في حقوق شعبهم وتخلوا عن ثوابت أمتهم، فهم في أغلبهم الأعم وطنيون مقاومون، مخلصون صادقون، يتمنون قتال العدو والتصدي له، ويقدم الكثير منهم العون والمساعدة للمقاومين في الميدان، خبرةً ومعلوماتٍ، ونصحاً وتوجيهاً وإرشاداً، وأحياناً حمايةً وإخفاءً، ولن يطول بها الحال تابعةً لقيادتها، منفذةً لأوامرها، منغمسةً في جريمتها وضالةً في طريقها، بل سنشهدها –بإذن الله عز وجل- قريباً ثائرة، وتحمل بندقيتها المقاتلة، وتقدم عقيدتها المقاومة، وما انتفاضة الأقصى عنهم ببعيدة، ولا هبات الغضب وثورات الانتقام عليهم مستحيلة.
_______________________________