مع حلول الذكرى الثامنة لأحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، تشهد مصر مزيداً من الانقسام في رواية الأحداث والعديد من الشهادات الحقوقية وشهود العيان، حول ارتكاب جرائم في يوم الفض، فيما ظهرت دعوة جديدة لإنشاء جائزة خاصة باسم “رابعة”.
في مصر، انحاز إعلام السلطات المصرية الحاكمة والمقرب منها للحديث عن ضحايا الشرطة والجيش فقط أثناء الفض، بجانب الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، بينما اهتم إعلام المعارضة بالخارج المحجوب داخل البلاد بالحديث عما وصفه بالمجزرة التي وقعت مستنداً لشهادات حقوقية وشهود عيان، وانتشرت تعليقات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر عن الذكرى الأليمة، تبحث عن طريق للعدالة والتسامح دون مجيب.
مطالبات بالعدالة
كثفت المعارضة المصرية بالخارج وبعض الرموز العامة في داخل البلاد، هجومها على السلطات المصرية بسبب ذكرى الفض، واتهمتها في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنصات الإعلامية المحسوبة عليها والبيانات بارتكاب مجزرة بشرية أثناء الفض، وهي الاتهامات التي تنفيها عادة السلطات المصرية الحاكمة، مؤكدة أنها فضت الاعتصام دون مجزرة، وأن أبناء الشرطة والجيش هم من تعرض للقتل.
“العفو الدولية”: السلطات المصرية تقاعست عن محاسبة أي من أفراد قوات الأمن على قتل ما لا يقل عن 900 شخص
وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة شبه رسمية) قد كشف، في تقرير رسمي له في العام 2014، عن سقوط مئات من المواطنين شهداء أثناء الفض، قدرهم في حدود 600 تقريباً، من بينهم -بحسب تقارير إعلامية رسمية أخرى- 43 شهيداً من الشرطة وإصابة 211.
عدالة مشوهة
من جانبها، قالت منظمة العفو الدولية، عشية الذكرى الثامنة لمذبحة رابعة: إن السلطات المصرية تقاعست عن محاسبة أي من أفراد قوات الأمن على قتل ما لا يقل عن 900 شخص خلال فضهم العنيف لاعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، ويواجه 12 رجلاً إعداماً وشيكاً، ويقضي مئات آخرين أحكاماً بالسجن لفترات طويلة بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات، مما يدل على الأولويات المشوّهة لما يسمى بنظام العدالة في مصر.
وأشارت إلى أنه في يونيو 2021، أيدت محكمة النقض، وهي أعلى محكمة في مصر، أحكام الإعدام بحق 12 رجلاً، من بينهم شخصيات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين، أدينوا في محاكمة صورية جماعية شملت 739 شخصاً في 2018، عُرفت باسم “قضية فض رابعة”، ويمكن تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم في أي لحظة دون إخطار مسبق، حيث صادق عبدالفتاح السيسي على أحكام الإعدام النهائية الصادرة بحقهم.
وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: على مدى السنوات الثماني الماضية، أصبح جلياً، وبشكل متزايد، أن السلطات المصرية عازمة على توفير الحماية لقوات الأمن من أي مساءلة عن دورها في مذبحة رابعة، فاختارت بدلاً من ذلك الانتقام من الناجين وأسر الضحايا، وأي شخص يجرؤ على انتقاد وضع حقوق الإنسان المزري في مصر اليوم”.
جائزة “رابعة الصمود”
من جانبه، دعا د. جمال حشمت، رئيس برلمان الثورة بالخارج سابقاً، وأحد رموز اعتصام رابعة العدوية، إلى تدشين جائزة تحت عنوان “رابعة الصمود”، بهدف إعلاء قيم مناصرة الحق والدفاع عن الحرية والنضال والكفاح من أجلهم والحيلولة دون موت القضية أو نسيانها ضد إرادة القتلة.
وأكد، في تدوينة على صفحته الرسمية رصدتها “المجتمع”، أهمية الجائزة لإحياء حق الشهداء والمعتقلين والمطاردين بمرور الوقت، والسعي وراء تحقيق ما استشهدوا من أجله بجانب تحول قضية الشهداء من بكائية بلا عمل، إلا عمل يدعم ذكرى الشهداء، ويطالب بحقوقهم، ويذكر العالم بفضيحة الصمت إزاء حادث جلل تم تسييسه.
وانتشرت تغريدات وتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي لآلاف المصريين ضد ما حدث في الفض تحت وسم “رابعة تشهد”؛ ما جعله يتصدر “الترند” على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحت عنوان “يا رب ما تنعاد”، دونت الكاتبة اليسارية البارزة بمصر خيرية شعلان على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قائلة:” جراح رابعة الغائرة لم تندمل ولن تندمل من تلقاء ذاتها، وجراحٌ قبلها وبعدها لا تزال تنزف ألماً وكراهية، والعدالة غائبة، والرصاص سيد الموقف، والموت انتقامي وعشوائي ومجاني، ولا حرمة للدم المصري”.
حشمت: تدشين جائزة تحت عنوان “رابعة الصمود” بهدف إعلاء قيم مناصرة الحق والدفاع عن الحرية والكفاح
وتساءلت شعلان عن سبب التفرق قائلة: من يعيدنا إلى الرُشد الذي غاب عنا في مفترقات الطريق؟ ومتى نضع أقدامنا على بداية طريق يجمعنا على الحق والعدل؟! متى؟!
رواية مغايرة
وفي المقابل، حضرت رواية مغايرة تماماً لما صدر عن معسكر المعتصمين، حيث بثت جريدة “أخبار اليوم” الحكومية على موقعها الإلكتروني الرسمي تقريراً بعنوان “يا نحكمكم يا نقتلكم.. لوحة الشرف لشهداء الشرطة في فض رابعة والنهضة”، هاجمت فيها المشاركين في الاعتصام خاصة جماعة الإخوان المسلمين.
وقالت، في تقريرها: المتابع لسير الأحداث آنذاك يعلم أن فض اعتصامي رابعة والنهضة المسلح شهد أكبر تجمع إرهابي، واليوم نستعيد ذكرى الشهداء العطرة الذين ضحوا بأرواحهم للقضاء على أكبر تجمع إرهابي، وهي الأمور التي تنفيها قيادات الاعتصام، مؤكدة أنه كان تجمعاً سلمياً وتعرض لمجزرة دموية، بحسب وصفها.
وفي السياق نفسه، نظم موقع “اليوم السابع” المقرب من السلطات المصرية ندوة جمعت عدداً من “أسر ضحايا الشرطة والجيش” تناولت نفس الاتجاه، مؤكدة أن في مثل هذه المناسبات نشعر بمدى الاستقرار والأمان الذي حل بالوطن جراء إزاحة حكم جماعة “الدم والنار” (في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تنفي عادة اتهامات الحكومة المصرية لها مؤكدة تمسكها بالديمقراطية والسلمية ورفض لكل الإجراءات الرسمية التي اتخذت منذ 3 يوليو 2013 مع وصفها ما حدث في 14 أغسطس 2013 بالمجزرة).
وتحدثت صحيفة “صوت الأمة” الخاصة المقربة من السلطة عن الذكرى تحت عنوان “لن ننسى إرهاب الإخوان.. 8 سنوات على فض رابعة والنهضة ودموع أهالي شهداء الشرطة لم تجف”، فيما لم تتطرق لضحايا الأحداث من عموم المصريين.