زارني ابن خلدون في بيت أبي الحجري؛ جاء في عباءة من صوف شاة برقية؛ يحمل كتابه الأشهر” ديوان العبر والمبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”، خففت إليه مسرعا؛ أحمل وعاء اللبن وكسرات خبز وقطعة لحم كانت أمي قد ملحتها واحتفظت بها في قازان فخاري تحسبا للشتاء، بسطت له الحشايا المزركشة وأسندته حائطنا، يرتجف من البرد ويغالب الكحة والعطس؛ تبدو عليه أمارات الكورونا وما إخاله إلا حاملا لها؛ جاء من سوسة مارا ببرقة حتى اجتاز السلوم ونفد إليّ من مرسى بن مطروح؛ معه أطمار وأوراق تزن حمل بعير؛ حياني وابتدرني بمقدمته تلك التي ذكر فيها ما عاصره من أدواء وما دونه من أدوية، يقطر جبينه عرقا؛ يرتجف من قر ويغالب الداء، جاءته أمي بعصير الليمون وحبات من برتقال؛ حفنة من تمر، تبلع كل هذا، وأخذ في غطيطه، عبثت بكتبه وأطماره؛ يكتب عن وباء أسود، جاء به ابن بطوطة من بلاد بيننا وبينها سور عظيم.
قيل إن ابن البطوطة قد ركب السحاب وامتطى البساط الأخضر؛ شاهد الجمل ذا السنمين؛ والفيل الذي يجري كأنه جبل؛ قرودا تتراقص في الأدغال؛ رجالا لهم أذناب ونسوة أثداؤهن تقطر لبنا أحلى من العسل؛ أصنام من ذهب يقدسها حفاة عراة؛ لكنه وهو القلق الحذر؛ صاح في محذرا ألا أقرب محبرته وألا أطالع ما دونه؛ فقد ذكر الأتابك وقاضي القضاة وأصحاب القلانس وبعضا ممن يرتدون الطيلسان، أسرع وأمسك بيدي؛ ولما وجد لهفتي وما أزمعته من مطالعة ما كتب؛ استحلفني بالحلواني الذي بنى المحروسة وخط السور حولها؛ وأجرى العيون فيها من فم الخليج؛ حتى غدت قلعتها خضراء- لم يعلم بما فعل الوالي الأشيب؛ وقد ذبح المماليك- أسر إلي بسيل عرم تفر منه البشر إلى القارة العجوز؛ نساؤها فاتنات وخصورهن ضامرات؛ شعورهن مرسلات؛ لكنهن يعانين ذبول الفحول ويبحثن عن شباب يعبرون البحر وينتظرنه ابن زياد.
تفحص خزانة كتبي؛ وما احتوشته من حكايات؛ أنبأني بأن السفن الطائرة تربض في أوكارها؛ وأن الوطاويط والغربان ستنتقم من بني البشر؛ فقد غصت الأرض بالحمرة وترملت الحمائم؛ وهبته هاتفا نقالا؛ يسجل أحداث يومه ويلتقط صورا؛ تفحصه وبدأ يهاتف أمه في سوسة ويخبرها بما وجد؛ لكن العجوز خوفته من أن يتناسى وظيفته وما نذره من تدوين أيام العرب والعجم؛ تمتمت بأن الحد بين العرب والعجم صار واهيا؛ فهم ينتعلون نفس الأحذية ويركلون الكرة بالأقدام.
حدثني عن الوباء الأسود الذي اجتاح بلاد السند ومر بالهند، أقاموا بيمارستان في ثمانية أيام؛ أتوا على الهوام والجراد وطبخوا الوطواط وحلوا بالجراء والقطط، أوقعنا ابن البطوطة في الحرج؛ هل نعزل ابن خلدون في محجر صحي.
اجتمع قاضي القضاة بالحكيم ابن ميمون، وتبادلوا الرأي والمشورة، واهتدوا إلى حيلة عجيبة أن يوقدوا نارا ويلقوا بالكورونا نهارا، بعدما يرتدون الأقنعة ويذبحون العتاق، ويقيمون الليالي الملاح؛ فلا غلاء يرهق كاهل الناس ولا مطالبة بزيادة الأرزاق.
وتشملل منظم الصحة العالمية بأن أعلن الكورونا داهية البشرية؛ فتوقفت الملاعب وصودرت الحلل والأكواب وعقموا الطرقات ومنعوا التجمعات؛ كل هذا والكورونا سهم خائب وسلعة تاجر بائر.
حتى إذا مضت أيامه جاء الإعصار تنين بالغبار بعدما انتهى أمشير، سلام على الهواتف الذكية والطائرات الإلكترونية ومن بعدها الأسلحة البيولوجية.