قال المعلق كنعان مالك في مقال له بصحيفة “أوبزيرفر” إن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو هو “الشرير المناسب” لإخفاء وحشية أوربا القلعة أو المحصنة، ضد المهاجرين. ووصف في البداية مجموعة من الرجال بزي أسود والأقنعة السوداء وحاملين الهراوات، وكلهم يدفعون جماعة من الناس ويضربونهم بالهراوات على أذرعتهم وأرجلهم وظهورهم. ويدفعونهم للوراء إلى النهر الذي يعلم الحدود الأوروبية صارخين “إرجعوا، إرجعوا”.
ولم يكن الحادث على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، النقطة المتوترة الحالية على حدود الاتحاد الأوروبية، وتهيمنن على الأخبار، ولكنه يحدث على بعد 1.000 ميل على الحدود بين كرواتيا والبوسنة والهرسك، ويحدث هذا منذ أشهر بدون انتباه الإعلام له وتقديم التغطية أو التحقيق الذي تعطيه الصحف لما يجري في بيلاروسيا. ولا يحمل الزي الذي يرتديه الرجال المقنعون على الحدود الكرواتية- البوسنوية أي إشارة.
ولكن تحقيقا أجرته مجموعة من الصحف الأوروبية ومنظمات التلفزة والمنظمات غير الحكومية كشفت أنهم عناصر في وحدات الشرطة الكرواتية واليونانية. ووظيفتهم هي استخدام العنف وإجبار المهاجرين الذين لا يحملون وثائق على الخروج من دول الاتحاد الأوروبي إلى الدول غير العضو فيه.
وتعتبر العمليات “صد”، وهي كلمة مخففة عن الطرد العنيف وغير القانوني، ويحدث على الحدود الجنوبية- الشرقية للاتحاد الأوروبي، وليس على اليابسة ولكن في البحر أيضا. وتقوم وحدات من خفر السواحل اليونانية الذين يرتدون الزي الأسود والأقنعة وبدون إشارات بالقبض على المهاجرين ووضعهم على طوافات النجاة البرتقالية التي قدمها الاتحاد الأوروبي ودفعهم باتجاه تركيا وتركهم لقدرهم.
وحتى نفهم هذا ونضعه في سياق الحدود البولندية- البيلاروسية، فمن المهم أن نفهم ليس فقط طبيعة الحكومة في بيلاروسيا ولكن السياسة الأوسع للاتحاد الأوروبي. فالنظام في بيلاروسيا وحشي ولا يغفر ورئيسه أليكسندر لوكاشينكو جزار قامت قوات أمنه بضرب المتظاهرين حتى يستسلموا وعذبت وسجنت رموز المعارضة.
النظام في بيلاروسيا وحشي ولا يغفر ورئيسه أليكسندر لوكاشينكو جزار قامت قوات أمنه بضرب المتظاهرين وعذبت وسجنت رموز المعارضة
ويستخدم لوكاشينكو ورقة المهاجرين للضغط على الاتحاد الأوروبي وترك حوالي ألفي مهاجر بدون وثائق عالقين على الحدود مع بولندا. ومهما كانت تصرفات لوكاشينكو بغيضة إلا الكارثة الإنسانية على الحدود ليست نتاج تصرف بلد واحد. فقد أجبرت القوات البولندية المهاجرين على نفس الوضع وتركتهم عالقين على الحدود. وأعلنت وارسو عن حالة الطوارئ وحرمت المهاجرين من الطعام والشراب والمساعدة الطبية ورفض منح الصحافيين التصاريح لمعرفة حال المهاجرين. وتسمح القوانين للشرطة رفض طلبات اللجوء.
وبحسب الأرقام الرسمية مات ثمانية على الحدود التي تصل فيها درجة الحرارة إلى الصفر، لكن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى.
وأشار إلى خطاب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فون ديرلين التي شجبت مينسك في خطابها عن حالة الاتحاد والذي اتهمته باستخدام حقوق الإنسان كأداة، وهو زعم رددته الوفود الأمريكية والأوروبية في الأمم المتحدة. صحيح أن لوكاشينكو يستخدم الهجرة كورقة مقايضة في لعبة دبلوماسية تخدم الذات، لكن تحويل حقوق الإنسان لأداة هو ما يفعله الاتحاد الأوروبي وسياسة الهجرة التي يمارسها ولعقود ثلاثة.
ففكرة “أوروبا القلعة” خلقت من أجل تحول الناس إلى أداة بيد السياسة، وعدم النظر للمهاجرين كبشر ولكن كحطام وطرش يقذفه البحر على الشواطئ الأوروبية. ومن أجل الحفاظ على حصانة أوروبا أو فكرة “القلعة” قام الاتحاد الأوروبي بتمويل صناعة اعتقال واختطاف في أنحاء أفريقيا، من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر وعبر الصحراء الكبرى. فما أطلق عليها “عملية الخرطوم” هو اتفاق ربطه الاتحاد الأوروبي مع دول في شمال وشرق أفريقيا، بغرض احتجاز المهاجرين قبل أن يصلوا إلى البحر المتوسط.
وتواجه الدول الموقعة عليه، إثيوبيا، إريتريا، السودان وجنوب السودان حروبا أهلية ومجاعات. وقدم الاتحاد الأوروبي المال لنظام عمر البشير السابق والمتهم بجرائم حرب ولأسياس أفورقي، الديكتاتور الإريتري الذي تتفوق وحشيته على لوكاشينكو.
وتطلق جماعات الجنجويد المسلحة التي ارتكبت إبادة في دارفور على نفسها اليوم “قوات الردع السريع” ولاحقت المهاجرين بدلا من المتمردين ضد البشير.
وحول الاتحاد الأوروبي المهاجرين إلى مصدر للإستغلال، وأسوأ من هذا فقد دعم الاتحاد الأوروبي ودرب في ليبيا خفر السواحل التي عمل عدد كبير من أفرادها في جماعات مقاتلة غيروا شاراتهم للحصول على الدعم المالي الأوروبي. ولا يمكن تحديد عدد المهاجرين الذين تم احتجازهم في ليبيا، لكن تم اعتقال أكثر من 5.000 منهم في أسبوع واحد من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وتم احتجاز معظمهم في ظروف بائسة وتعرضوا للتعذيب والإنتهاكات الجنسية والإبتزاز، وهي ممارسات يعرفها الاتحاد الأوروبي وهو متواطؤ بشكل كامل مع ما يجري.
وطالما استخدم الاتحاد الأوروبي البشر كأداة في تقديم الدعم والسلاح للدول التي تقبل فرض سياسات الهجرة، فمن يعتقل منها أي شخص يهدف للوصول إلى أوروبا يمكنها الحصول على الدعم الأوروبي. وتفقد الدول التي ترفض قبول المرحلين الدعم. وأصبحت النيجر الدولة التي حصلت على أكبر دعم من الاتحاد الأوروبي، ليس لأنها دولة فقيرة بل لتحولها إلى “مختبر الهجرة الأوروبي” حيث يتم تحديد السياسات المحلية من خلال سياسات الهجرة الأوروبية.
وكانت نتيجة هذا اقتصاد مشوه وزيادة في عدد الجماعات المسلحة وتفتيش السكان المحليين في بلادهم، كل هذا لأن أوروبا تريده.
وفي أوروبا يواجه المهاجرون بدون وثائق معاملة قاسية وكمجرمين عتاة، وبل وقتلا جماعيا. ففي اليونان هذا الأسبوع، بدأت محاكمة اثنين من الناجين على قارب غرق في بحر إيجة. وكان على متنه 24 أفغانيا، أحد المتهمين “ن” فقد ابنه البالغ من العمر 6 أعوام، أما الثاني، حسن فقد ساعد على قيادة القارب في محاولة يائسة لمنع غرقه. وقد يواجه “ن” السجن لمدة 10 أعوام بتهمة تعريض حياة ابنه للخطر، أما حسن فيواجه السجن لمدة 230 عاما لأنه قاد 24 أفغانيا إلى حتفهم في الأراضي اليونانية. وبداية هذا العام حكم على مهاجر بالسجن 142 عاما في ظروف مشابهة.
وهذه ليست محاكمات لتحقيق العدالة، لكنها مصممة لإرسال رسالة: هذا ما سيحدث لك لو حاولت الوصول إلى أوروبا. ومثل لوكاشينكو يقوم الاتحاد الأوروبي باستخدام البشر كأداة في سياسة قاسية. ومن الشبيحة المقنعين ويضربون الناس على الحدود إلى المحاكمات الهزلية لزرع الخوف، فإن سياسة أوروبا تجاه المهاجرين قد تنال إعجابا من لوكاشينكو. فديكتاتور بيلاروسيا هو طاغية متوحش وغير معقول. وعلينا ألا نسمح للاتحاد الأوروبي استخدام أفعاله اللاأخلاقية لتبييض سياسته الخاصة التي لا تختلف عن وحشية ديكتاتور بيلاروسيا.