أطلق “يوتيوبر” ومغردون عرب ومسلمون يعيشون خارج أوروبا، خلال الأسبوع الماضي، وسم “أوقفوا خطف أطفالنا”، وتناولت قنوات إعلامية عربية هذا الوسم، كما تفاعلت معه شخصيات ومؤسسات إسلامية، بناء على فيديوهات وروايات عن عائلات مسلمة تعيش في السويد، سُحب منها أطفالها، دون التدقيق في أسباب وخلفيات هذه الفيديوهات.
إن استخدام مصطلح “خطف” مبالغ فيه، وحقيقة الأمر أن سحب بعض الأولاد من أسرهم في السويد يقوم به ما يُسمى “مجلس الخدمات الاجتماعية”، عند تعرض طفل ما لإهمال أو لأذى جسدي أو نفسي في المنزل، كأن يتعاطى الوالدان أو أحدهما المخدرات أو يتصرف بعنف، أو يكون الطفل نفسه معرّضاً لخطر إيذاء نفسه أو آخرين.
هنا يتدخل مجلس الخدمات الاجتماعية (السوسيال) لفرض الرعاية على الطفل، ويكون ذلك بطريقتين مختلفتين:
1- بالاتفاق بين الوالدين و”السوسيال” على نقل الطفل ليعيش في منزل آخر لفترة من الزمن، ويُطلق عليه وصف “التسكين الطوعي”.
2- يمكن للخدمات الاجتماعية والمحكمة وضع الطفل في منزل آخر ضد إرادة الوالدين أو الطفل، ويطلق عليه “التسكين القسري”.
ويمكن هنا للطفل ووالديه إبداء رغبتهم بوضع الطفل في منزل أحد الأقارب أو الأصدقاء، إذا توافرت في المنزل المختار شروط محددة.
والأصل في قانون الرعاية الاجتماعية أن جميع الأطفال في السويد يتمتعون بالحماية والرعاية على قدم المساواة، بغض النظر عن دينهم، أو عرقهم، أو جنسهم، أو لونهم، بموجب التشريعات السويدية، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبطبيعة الحال فالقانون لا يستهدف أطفال المسلمين بشكلٍ خاص، في أي من إجراءاته، خاصة إذا علمنا أن هذا القانون وُضع منذ عقود من الزمن، قبل الهجرة الكثيفة للمسلمين إلى السويد.
ورغم ذلك فقد يحصل -أحياناً- تمييز في مصلحة الشؤون الاجتماعية، وفق ما ذكرت تقارير وأبحاث حكومية ومستقلة، فقد كتب الباحث بارزو إلياسي بحثين أكاديميين، رصد فيهما أثر الصور النمطية عن الأجانب في القرارات، التي يتخذها موظفو الشؤون الاجتماعية، كما نشرت إدارة الشؤون الاجتماعية نفسها إحصائية في نهاية عام 2021م تشير إلى أن الأطفال من أصول أجنبية يتم فصلهم عن ذويهم بنسب مضاعفة، وجاء التقرير الأخير لوكيل مكافحة التمييز العنصري في السويد، ليؤكد هذه الصورة، وذلك لأسباب نعرض لها في طيات المقال!
ومع الضجة الإعلامية الأخيرة حول الموضوع، التي انطلقت من خارج السويد، تداعت مؤسسات إسلامية، ومنظمات حقوقية سويدية، وشخصيات مؤثرة إلى إعداد ملفّ يفنّد تجاوزات موظفي الشؤون الاجتماعية، ورفعوها إلى وزيرة الشؤون الاجتماعية، للتحقيق بهذه التجاوزات والتعامل معها.
كما أنّه جرى تواصل بين مجلس الخدمات الاجتماعية في عدد من المدن السويدية الرئيسة، ومؤسسات إسلامية فاعلة، للعمل معاً على معالجة أسباب المشكلات، ومنها ردم الهوة الثقافية بين المهاجرين وقانون الرعاية الاجتماعية.
وفي هذا الإطار، طالب مجلس الأئمة السويدي جميع الفاعلين من مسؤولين وسياسيين وإعلاميين وأئمة أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يؤكدوا الحوار والتعاون، ونبذ خطاب الكراهية، وحلّ المشكلات، ورفض تقسيم المجتمع إلى نحن وهم، كما دعا المجلس إلى ضرورة مساندة الأسر التي يثبت تضررها، من أجل الحصول على حقوقها، والتدقيق مع الموظفين الذين تعسفوا في استعمال القانون، وتصحيح الإجراءات الخاطئة، وإلزامهم بالخضوع إلى حكم القضاء.
وانطلاقاً من هذا الواقع المستجد، فإن المسلمين في السويد مطالبون بالاستفادة من هذه الأزمة:
– أن يجتمعوا على مؤسساتهم، وأن يثقوا بها، ويستأنسوا بمواقفها وتوجيهاتها إزاء أي تطورات فـ”أهل مكة أدرى بشعابها”.
– ألا ينجرّوا خلف أي أصوات إعلامية عاطفية شعبوية متشنجة، يقودها مشاهير و”يوتيوبر” يعيشون خارج السويد، ولا يعرفون عن قوانين البلد وثقافته إلا القليل، فضلاً عن أنهم يأخذون مادتهم الإعلامية من منصات وسائل التواصل الاجتماعي دون تدقيق بصحتها أو تمحيص بمصدرها، وبالتالي يطلقون دعوات غير مسؤولة للمسلمين السويديين بالهجرة من “دار الحرب إلى دار الإسلام”، فيكون الحال كالمثل العربي القائل: “أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل”.
– أن يبادروا إلى المشاركة الواعية والفاعلة في الحياة السياسية، ليكون لهم صوت وازن في المعادلة السياسية المحلية، وليتعاونوا مع سياسيين معتدلين، في مراقبة تطبيق القانون دون تحيّزٍ أو تمييز.
أما رسالتنا إلى المؤسسات الإعلامية والإعلاميين الغيورين على مسلمي السويد ويعيشون خارج أوروبا، أن يتجنبوا الخطاب الشعبوي، وأن يتحرّوا الصحة في مادتهم الإعلامية، وأن يدققوا بأسباب وظروف الفيديوهات التي تنتشر هنا وهناك، وأن يعودوا إلى أهل الاختصاص في السويد، قبل “إعلان النفير العام” الذي يدفع ثمنه العوائل والأُسَر التي أرادوا نصرتها ودعمها، كما أنّ هذا الخطاب الشعبوي يصبّ في خدمة اليمين المتطرف، على أبواب الانتخابات القادمة بعد أشهر معدودة.
____________________
(*) صحفي سويدي.