قالت مجلة “إيكونوميست” (The Economist) البريطانية: إن روسيا دعمت سياستها تجاه القارة السمراء منذ العام 2019، تاريخ انعقاد القمة الأفريقية الروسية التي استقطبت 43 زعيماً أفريقياً بمنتجع سوتشي في البحر الأسود، خاصة بعد أن فرضت عليها عقوبات إثر ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014، حيث عززت جهود بيع الأسلحة واستخراج الموارد ودعم الأنظمة المهتزة في القارة.
والآن بعد أن فُرض عليها مزيد من العقوبات الكاسحة، قد ترغب موسكو في مضاعفة أنشطتها بالقارة، لكن هل تعتقد الحكومات الأفريقية -تساءلت المجلة- أنه لا يزال لديها المزيد لتقدمه؟
وبحسب “إيكونوميست”، فإن التصويت الذي جرى في الثاني من مارس الجاري بالجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا يشير إلى أن الكثير من الدول الأفريقية بدأت تحتاط أكثر في رهاناتها.
فمن بين 54 دولة أفريقية، أيّدت 28 دولة قرار التنديد بالحرب، في حين امتنعت 17 عن التصويت وغابت 8 بلدان، وانضمت إريتريا -الدولة ذات الهوى السوفييتي- إلى روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وسورية في التصويت ضد القرار.
ومن غير الواضح -تضيف المجلة- إن كانت هذه الأصوات تعكس آراء المواطنين الأفارقة العاديين، لكن الأكيد أنها تعكس جزئياً العلاقات التاريخية بين روسيا والأحزاب الحاكمة، خاصة في دول مثل جنوب أفريقيا، حيث درس العديد من المنتمين للنخب الحاكمة في الاتحاد السوفييتي سابقاً.
والبعض لديهم ذكريات جميلة عن تلك الفترة، مثل أحزاب التحرير التي لا تزال تدير دولاً كأنغولا وموزمبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا وزيمبابوي، التي رأت في الاتحاد السوفييتي حليفاً في معركتها لإنهاء الحكم الأبيض وتعتبر روسيا خليفة له.
وقد حاولت روسيا توسيع نفوذها ليشمل أكثر من بضع دول متهالكة في القارة، حيث باتت الآن أكبر مصدر للأسلحة إلى أفريقيا، كما زادت تجارتها مع دول القارة منذ عام 2014، على الرغم من أنها لا تزال تمثل 2% فقط من حجم التجارة الأفريقية مع باقي العالم.
لكن بالنسبة لمعظم البلدان الأفريقية -تضيف المجلة- تبقى روسيا لاعباً واحداً فقط من بين العديد من اللاعبين، فقد حاول مثلاً الرئيس الأنغولي جواو لورينسو -مثله مثل العديد من القادة الأفارقة الآخرين- منذ عام 2017 بناء “محفظة من الاستثمارات بناء على مصالح السياسة الخارجية”، وفق تعبير ريكاردو سواريس دي أوليفيرا، الباحث بجامعة أكسفورد.
وتبيع أنغولا الآن نفطها إلى الصين، كما أن لديها برنامجاً تنموياً بالشراكة مع صندوق النقد الدولي في الوقت نفسه الذي تنقب فيه عن الماس بالتعاون مع شركة التنقيب الروسية “آلروزا” (Alrosa).
أما في الشرق الأوسط، فتؤكد “إيكونوميست” أن نهج تقديم المصلحة الذاتية والحياد نفسه يطغى على علاقات دول المنطقة مع روسيا، فقد صدمت دولة الإمارات أمريكا، يوم 25 فبراير الماضي، بامتناعها عن التصويت في مجلس الأمن على إدانة العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، كما لم يشر بيان لجامعة الدول العربية بشأن الحرب بعد 3 أيام إلى روسيا لا من قريب أو بعيد.
وعلى الرغم من أن حكومات كل من مصر ودول الخليج الأخرى صوتت لصالح مقترح الجمعية العامة بهذا الصدد، فإن مسؤولي هذه البلدان يجادلون بأن هذه ليست حربهم، وألا تحالفات رسمية لديهم مع أي من أطراف النزاع.
النفط والسلاح
ويعتبر النفط أحد الأسباب المفسرة لهذا الموقف -بحسب “إيكونوميست”- حيث تحرص السعودية على الحفاظ على تكتل “أوبك بلس”، وهو تحالف مكون من كبار المنتجين تعد هي وروسيا أكبرهم.
أما العامل الآخر فهو السلاح، إذ تعتبر مصر أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية في المنطقة، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسي يسعى إلى تنويع مصادر التسلح بما في ذلك شراء طائرات مقاتلة روسية.
وتختتم المجلة بأن دول الخليج التي لطالما اعتمدت على أمريكا من أجل الحماية باتت تعتقد الآن أن هذه المظلة الأمنية بها ثغرات، ويأمل دبلوماسيوها ودبلوماسيو باقي دول المنطقة أن يرسل بقاؤهم على الحياد بشأن أوكرانيا رسالة إلى واشنطن مفادها: “إذا لم نتمكن من الاعتماد عليكم، فلا يمكنكم الاعتماد علينا”، على حد تعبير أحدهم.