خجل النظام الرسمي العربي والإسلامي من مواجهة الشذوذ الجنسي ومخاطره بصفته انحرافا سلوكيا وأخلاقيا وقيميا وسلوك الكثير من النخب الثقافية والسياسية والدينية هذا المنحنى الخطير من التبعية هو حالة كارثية تعطينا مؤشرات صادمة حول مستوى التراجع الذي تشهده المجتمعات المسلمة ليس فقط فيما يتعلق بصراعاتها الداخلية التي أنهكتها في العقد الماضي وجنوحها للتنازل والضعف أمام الهجوم البشع للحضارة الغربية بتنوع ألوانها وأساليبها، فكلمة الفطرة والحق الذي يجب أن يصدح بها من أجل التحذير من هذه الآفة لا تمثل بوصلة لجيل متعدد الفئات في عالمنا الإسلامي الكبير بل أيضا تنبيه لهشاشة المنظومة التشريعية والقانونية التي تحمي تماسك مجتمعاتنا المسلمة في وجه الهجمة الشرسة التي تستهدفها.
لقد زاد بعض التنويرين العرب الخطاب الشعبوي حده تجاه التدين وتحول بعض الكومبارسات في الإعلام الشعبوي إلى “رموز فكرية” في نظر جيل جديد يتم تدجينه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تربطه بصورة مباشرة بالهوية العلمانية والسلوكيات الأخلاقية الدخيلة في العالم الغربي…
ما أود قوله في هذا المقام هو أن الحملة الإعلامية الأخيرة الرافضة للانحراف والشذوذ الجنسي كانت تحذيراً هاماً لانتكاسة تعاني منها الشعوب المسلمة تتعلق بغياب الحصانة والقداسة على المدارس التشريعية والفقهية وغياب دور الكثير من مراكز الإفتاء الإسلامية وتصدرها لمثل هذه الأزمات التي تعيشها الشعوب المسلمة، وقصور دور الأنظمة الرسمية وانبطاحها أمام الابتزاز الغربي لها وهو أمر يشبه كثيراً ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني وشرعنة وجوده ككيان لقيط في وسط محيطنا العربي.
الزحف المدمر
إن الزحف الدافئ لمثل هذه الظواهر المدمرة للمجتمعات المسلمة يجب التعاطي معه ليس من قبيل (الرأي والرأي الآخر) وترك مساحة لتبريرها بحجة العقل، بل يجب وأدها في مراحل المهد وترسيخ عقوبات شديدة تمارس اجتماعيا وتشريعياً لمن يمارسونها أو حتى يظهرون تقبلها أو تحفيز المجتمع على تقبلها.
الأزمة التي نعيشها في عالمنا الإسلامي ونعاني بسببها من توحش أتباع هذه السلوكيات بدعم غربي منقطع النظير سببها تبعية المؤسسات الدينية للنظم الحاكمة وانحيازها دائماً للجانب الرسمي من هذه القضايا، فخلال الأيام الماضية لم يصدر أي بيان رسمي أو فتوى أو تصريح أو تلميح باستثناء الأزهر الشريف في القاهرة الذي جرم الظاهرة واعتبرها من “الكبائر”، والعجز الآخر الذي لا يجب أن نغفله ضعف المؤسسات الإسلامية الأهلية وغياب دورها في توعية المجتمعات من اثر هذه الظاهرة ولاشك أن ضعفها الفكري والاجتماعي نتيجة طبيعية لحالة الانهيار التي سببتها لها الإنهاكات السياسية التي مرت بها بعد “الربيع العربي“.
أنا لا كتب عن تشخيص تلك الظاهرة المنحرفة بقدر ما أحاول تسليط الضوء على ضعف مناعة الأمة المسلمة تجاه هذه الكارثة التي تتسلل إلى جيل بكامله دون استيعاب لخطورتها وهنا أذكر بالكثير من المشاريع والحملات المنظمة التي غزت عالمنا الإسلامي الكبير والتي يقتصر في محاربتها غالباً على المعالجة الأمنية دون وجود حصانة قانونية وإعلامية وتوعية منها.
أدوار مفقودة
بالطبع هناك الكثير من الجهود التي تبذل للتصدي للظاهرة في سياق ديني، لكن غياب الوعي الديني عند الكثيرين وغياب دور المؤسسات التعليمية والتربوية وخصوصاً الأسرة يسمح للكثير من الاختراق في منظومة القيم وعلاج ذلك بالتشديد في القوانين والتشريعات من خلال تجريم التعاطي مع هذه الظاهرة وعدم التهاون مع مرتكبيها، فالكثير من الدول الغربية أصبحت أكثر استسلاما لهذه الظاهرة رغم رفض أغلبية المجتمعات لها بسبب قوة المال السياسي الداعم لها وتمركز الكثيرين ممن يمارسون هذه الرذيلة في مراكز صناعة القرار الغربية أو لديهم حصص عالية في اقتصاديات الدول، لذلك وجدنا الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، يخرج مذعنً في آخر أيامه في البيت الأبيض للمشاركة في مظاهرة للشاذين جنسياً، وكذلك بابا الكاثوليك فرنسيس، الذي خالف الرفض الدائم للفاتيكان وأعلن دعمه لجواز الشواذ جنسياً، بعد سلسلة فضائح هزت الكنيسة الكاثوليكية، وذلك إن دل على شيء فهو يدل على أن هذه الظاهرة ليست سلوك قيمي واجتماعي منحرف بل ظاهرة سياسية تدعمها الرأسمالية الغربية باعتبارها أحد وسائل تحطيم وتفكيك المجتمعات الشرقية وضمان انهيار منظومتها الأخلاقية، لولا الوجود الروسي والصيني في مجلس الأمن لحولتها الولايات المتحدة لتشريع ثابت ضمن النظم الداخلية لهيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
العام الماضي نشرت إحدى دور النشر المجرية المتخصصة في الترويج للشذوذ الجنسي، كتاب (A Fairy Tale for Everyone)، ولم يكن الكتاب سوى عبارة عن تحديث لقصص أطفال قديمة يتم استبدال الشخصيات فيها بشخصيات شاذة جنسياً، أي عبارة عن “دس السم في العسل” كما يقولون، لم تقف السلطات المجرية عاجزة أمام هذه الظاهرة، بل بادر رئيس الوزراء فكيتور أوربان وهو مسيحي متشدد إلى مهاجمة دار النشر والشذوذ الجنسي وأطلق حملة شرسة ضد هذه الظاهرة أسفرت عن حملات منظمة لمصادرة الكتاب من المكتبات. وفي بولندا وصف الرئيس اندريه دودا الشذوذ الجنسية بأنه “أيديولوجية” أسوء من الشيوعية، وقاد حملة تسمى “ميثاق الأسرة” تضمن نصوص تمنع وتحارب “زواج الشواذ” أو السماح لهم بتبني أطفال وحماية مؤسسات التعليم من خطرهم. وفي روسيا صدر قانون يجرم “الترويج للشذوذ”، وتم طرح مقترح مشروع قانون لحماية الأسرة يمنع زواج الشواذ أو السماح لهم بتبني أطفال، بالإضافة إلى إضافة خانة الجنس عند ولادة الطفل. كذلك في ماليزيا هناك خطوات شعبية ورسمية لمحارة الشذوذ الجنسي، أهمها قانون يقضي بالسجن لمدة 20 عاماً لمن يمارسون الشذوذ الجنسي، وتقوم وزارة الصحة الماليزية بصورة دائمة بتنظيم مسابقات للتوعية من مخاطر هذا السلوك المنحرف، أما في الصين فتُقر وزارة التعليم في مناهج علم النفس أن “الشذوذ الجنسي عبارة عن اضطراب عقلي غير طبيعي”، وتقارن هذه الفئة بمن يمارسون الجنس مع الحيوانات أو الموتى.
في عام 1947م كانت الولايات المتحدة تصف الشذوذ الجنسي بــ” بالمرض السيكوباتي” وخصصت الشرطة الأمريكية في حينه برنامج” القضاء على الانحراف الجنسي”، وأصدر الكونغرس قانون ” علاج السيكوباتيين جنسياً” في واشنطن وكان هذا القانون مدخلاً لمعاقبة واعتقال الأشخاص الذين يقومون بهذا السلوك المنحرف، باعتباره مرضاً عقلياً، وكان ينظر له على انه تهديد تخريبي للبلاد يقارن بالشيوعية، لكن مع هيمنة الشركات الدولية على الرأسمالية العالمية وشيوع هيمنة وسائل الإعلام الجديد على المعرفة الرقمية وقيام الكثيرين من رموز الإعلام والمال بدعم وتبني هذه الظاهرة مثل جورجيو أرماني، فإن العالم الإسلامي مقبل على التعاطي مع هذه الظاهرة في سياق أمني وسياسي وليس مجرد أزمة رأي!
______________________
(*) المصدر: مجلة “البيان“ (بتصرف).