منيت روسيا بواحدة من أكبر خسائرها في العتاد منذ بداية غزوها لأوكرانيا عبر إصابة “موسكفا” سفينة قائد أسطولها في البحر الأسود في انفجار ذخائر حسب موسكو وفي ضربات صاروخية حسب كييف.
في واشنطن، وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتقديم مساعدة عسكرية ضخمة جديدة بقيمة 800 مليون دولار، تشمل معدات ثقيلة كانت الولايات المتحدة حتى الآن مترددة في تسليمها إلى كييف خوفا من تفاقم التوتر مع موسكو واعتبارها طرفا في الحرب.
من جهتها، هددت موسكو بضرب مراكز قيادة في كييف متهمة أوكرانيا بشن هجمات على أراضيها.
من جهة أخرى، يتوجه وزير الخارجية الأيرلندي سايمن كوفيني إلى كييف، كما أعلن مكتبه، في أول زيارة يقوم بها وزير خارجية لبلد يشغل مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
وبينما يستعد الجيش الروسي للسيطرة على مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية على بحر آزوف وتوسيع هجومه في جنوب أوكرانيا وشرقها، أصيب الطراد القاذف للصواريخ موسكفا “بأضرار جسيمة”، حسبما نقلت وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان “ريا نوفوستي” و”تاس” عن وزارة الدفاع الروسية.
وقالت الوزارة “بسبب حريق انفجرت ذخائر على متن السفينة” وتم إجلاء الطاقم بالكامل، موضحة أن التحقيق جار لمعرفة أسباب هذا الحريق.
من جهتها، أكدت السلطات الأوكرانية أن السفينة الحربية “موسكفا” أصيبت بصواريخ. وقال الحاكم الأوكراني لمنطقة أوديسا (جنوب) ماكسيم مارتشينكو إن “صواريخ نبتون التي تحمي البحر الأسود سببت أضرارا جسيمة لهذه السفينة الروسية”.
وقال المتحدث باسم الإدارة العسكرية في أوديسا سيرغي براتشوك عبر تطبيق تلغرام “وفقا للبيانات المتاحة كانت صواريخ (أوكرانية) اسباب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسفينة”.
من جهته، قال أوليكسي أريستوفيتش مستشار الرئيس الأوكراني على يوتيوب إن “مفاجأة جاءت لسفينة قائد الأسطول الروسي للبحر الأسود”.
وأضاف أن السفينة “تحترق بكثافة الآن. وفي هذا البحر الهائج، من المستحيل معرفة متى سيتلقون المساعدة”، مؤكدا أن “أفراد الطاقم البالغ عددهم 510 أشخاص” موجودون على متنها. وتابع “لا نفهم ما حدث”.
بينما أكدت وزارة الدفاع الروسية الخميس أن الطراد “موسكفا” الذي تضرر خلال الهجوم على أوكرانيا، لم يغرق وأن الانفجارات على متنه توقفت.
وقالت الوزارة “تم احتواء بؤرة الحريق، لم تعد هناك ألسنة لهب. توقفت انفجارات الذخيرة. الطراد موسكفا لا يزال عائما”. وأعلنت موسكو أنها تحقق في أسباب ما وقع.
و”موسكفا” موضوعة في الخدمة منذ 1983 في عهد الاتحاد السوفياتي. وقد شاركت في التدخل الروسي في سوريا منذ 2015. وفي الأيام الأولى لغزو أوكرانيا، شاركت في هجوم على جزيرة الثعبان قرب الحدود الرومانية، حيث أسر 19 بحارا أوكرانيا لمبادلتهم بأسرى روس في وقت لاحق.
مساعدة عسكرية كبيرة
في اتصال هاتفي الأربعاء مع زيلينسكي أعلن جو بايدن إرسال كمية كبيرة من المعدات المتأتية من مخزونات الجيش الأمريكي إلى كييف بما في ذلك مدفعية ومدرعات ورادارات وصواريخ مضادة للدبابات وطائرات مسيّرة وسفن للدفاع الساحلي بلا طواقم كما أفاد بيان للبيت الأبيض.
ويبدو أن البيت الأبيض تخلى أخيرا عن التمييز بين تسليم معدات “دفاعية” يسمح به و”هجومية” كان يرفض إرسالها. ووعد بايدن بهذه المساعدة الكبيرة بعدما هددت روسيا بضرب كييف مرة أخرى.
وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف “نشهد محاولات تخريب وضربات من قبل القوات الأوكرانية على أهداف في أراضي جمهورية روسيا الاتحادية”.
وأضاف كوناشنيكوف محذرا “إذا استمرت هذه الأفعال، سيشن الجيش الروسي ضربات على مراكز صنع القرار، بما في ذلك في كييف وهذا ما امتنع الجيش الروسي عن القيام به حتى الآن”.
وكانت القوات الروسية انسحبت من منطقة كييف في نهاية آذار/مارس. وقد طوقت العاصمة مدة شهر بلا جدوى وشنت ضربات عليها.
وأعلن كوناشينكوف الأربعاء أيضا أن القوات الروسية سيطرت على منطقة ميناء ماريوبول التجاري تماما.
وكانت روسيا أعلنت قبيل ذلك استسلام أكثر من ألف جندي أوكراني في هذه المدينة الساحلية الاستراتيجية التي تحاصرها قواتها وتقصفها منذ أكثر من أربعين يوما.
ونفى رئيس بلدية ماريوبول فاديم بويتشينكو الخميس عبر القناة العامة الألمانية “داس إرستي” استيلاء روسيا على ميناء ماريوبول، معتبرا أن هذه “الأخبار كاذبة”، موضحا إن “الروس ينشرون قوات جديدة لكننا ما زلنا صامدين وماريوبول لا تزال مدينة أوكرانية وهذا يثير غضب روسيا”.
وأضاف “من الواضح أن الجيش الروسي ارتكب آلاف جرائم الحرب في هذه المدينة”. وطالب “المجتمع الدولي بالبرهنة على إنسانيته عبر إنشاء ممرات إنسانية لإنقاذ أرواح”.
من جهة أخرى، أعلنت أوكرانيا الخميس استئناف عمليات إجلاء المدنيين عبر تسعة ممرات إنسانية ، لا سيما من ماريوبول بعد يوم من التعليق بسبب الانتهاكات الروسية لوقف إطلاق النار.
وسيشكل استيلاء القوات الروسية على ماريوبول انتصارا مهما لموسكو لأنه سيسمح بتعزيز مكاسبها من الأراضي الساحلية على طول بحر آزوف عبر ربط منطقة دونباس التي يسيطر عليها جزئيا موالون لها، بالقرم التي ضمتها روسيا في 2014.
ويقول خبراء إن سقوط ماريوبول حتمي لكن القوات الأوكرانية تواصل المقاومة وباتت المعارك تتركز في المنطقة الصناعية لهذه المدينة.
متاهة
قال الجيش الأوكراني الأربعاء إن القصف الجوي الروسي لماريوبول مستمر ويستهدف خصوصا الميناء ومجمع آزوفستال للصناعات المعدنية.
وتنذر هذه المتاهة التي حولها الجنود الأوكرانيون إلى حصن بلجوئهم إلى ممرات تحت الأرض تمتد كيلومترات، بمعركة شرسة.
في المكان شاهد صحافيون وصلوا مع القوات الروسية، الدمار في هذه المدينة المحترقة التي يقول الأوكرانيون إنها “دمرت بنسبة 90 في المئة”.
ومنذ بداية الأسبوع، تتحدث شائعات غير مؤكدة حتى الآن، عن استخدام الروس أسلحة كيميائية في ماريوبول، بينما تؤكد موسكو إن “خطر الإرهاب الكيميائي” يأتي من الأوكرانيين.
من جهة أخرى، تتواصل عمليات القصف في الجزء الشرقي من أوكرانيا. وقد تسببت بمقتل سبعة أشخاص خلال الساعات ال24 الماضية في مدينة خاركيف (شمال شرق) التي يحاصرها الروس أيضا منذ بدء الغزو.
ودعت كييف سكان هذه المناطق إلى الفرار في أسرع وقت ممكن خوفا من هجوم روسي كبير وشيك للسيطرة بالكامل على دونباس التي تتقاسمها القوات الأوكرانية مع أعدائها الانفصاليين الموالين لروسيا منذ 2014.
ويرى محللون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يواجه مقاومة أوكرانية شرسة، يريد تحقيق انتصار في دونباس قبل العرض العسكري الذي يجري في التاسع من أيار/مايو في الساحة الحمراء في ذكرى انتصار السوفيات على النازيين في 1945.
وفي هذا الإطار، أكد ليونيد باسيتشنيك رئيس إحدى “الجمهوريتين” الانفصاليتين المواليتين لروسيا والمعلنتين من جانب واحد، في هذه المنطقة الشاسعة الغنية بالمناجم، الأربعاء أن قواته تسيطر الآن على “80 إلى 90 في المئة” من لوغانسك التي تعد أولوية لدى الكرملين.
“مسرح جريمة”
يلتقي وزير الخارجية والدفاع الإيرلندي سايمن كوفيني في كييف الخميس نظيريه الأوكرانيين دميترو كوليبا (لخارجية) وأوليكسي ريزنيكوف (الدفاع) ويزور المناطق المتضررة بشكل مباشر من الغزو الروسي.
وقال مكتبه في دبلن إن “محادثاته مع الحكومة الأوكرانية ستركز على كيفية مواصلة ايرلندا تقديم الدعم السياسي والأمني والإنساني لأوكرانيا”ن وكذلك على كيفية “مساعدة” أوكرانيا في جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي و”تنفيذ عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا ومحاسبة روسيا على غزوها الوحشي وغير المبرر”.
صرح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان خلال زيارة لبوتشا قرب كييف الأربعاء أن أوكرانيا أصبحت “مسرح جريمة” حقيقيا.
وقال لصحافيين “إننا هنا لوجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد أن جرائم تدخل ضمن صلاحيات المحكمة ارتكبت. علينا أن نبدد غبار الحرب لنصل إلى الحقيقة” في هذه البلدة التي أصبحت رمزا لفظائع النزاع منذ عثر على جثث مئات القتلى حسب السلطات الأوكرانية، في نهاية آذار/مارس.
ونفت روسيا من جانبها وقوع أي انتهاكات في أوكرانيا.
في كل أنحاء العاصمة كما في كل الأماكن الاخرى، تقول السلطات الأوكرانية إنها تستمر في العثور على جثث في المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية نهاية آذار/مارس.
ودان مكتب النائب العام الأوكراني الأربعاء بمقتل سبعة أشخاص برصاص جنود روس في منزل قاموا بتفجيره بعد ذلك لإخفاء الجريمة في قرية في جنوب خيرسون المدينة القريبة من خط المواجهة.
في دنيبرو في الشرق، أشار نائب رئيس البلدية ميخائيل ليسينكو إلى أن جثث أكثر من 1500 جندي روسي موضوعة في مشارح هذه المدينة الصناعية الكبيرة، و”لا أحد يريد أخذها”.