طالب عدد من الحقوقيين بضرورة وقف نزيف الموت بالسجون المصرية على خلفية استمرار حالات الوفيات بها، معبرين عن استغرابهم واستنكارهم لهذا الأمر، في ظل دعوات للحوار الوطني وتشكيل جديد للجنة العفو المنوطة بالإفراج عن المعتقلين بالسجون المصرية، متسائلين عن كيفية أن يتناغم هذا الأمر مع حالات الوفيات المتكررة.
وأكدوا، في تصريحاتهم لـ”المجتمع”، ضرورة اتخاذ خطوات فعلية وجادة، ولا يكون الأمر مجرد حملة دعائية لتحسين صورة السلطات أمام المحافل الدولية.. وطالبوا باتخاذ إجراءات من قبيل إفراج شامل للمحبوسين احتياطياً، وتوفير الرعاية الطبية الحقيقية، وكذلك الإفراج عن المرضى الذين باتت حياتهم مهددة بالموت، على أن يطبق هذا في الواقع وليس مجرد وعود تكررت كثيراً ولم تقدم شيئاً على الأرض.
ومؤخراً، تم رصد عدد من حالات الوفاة داخل السجون المصرية بشكل متكرر، من بينها المحامي علي عبدالنبي (58 عاماً) بسجن العقرب، والمعتقل رضوان سلامة بمستشفى فاقوس شرقية بعد نقله من مقر احتجازه بمركز شرطة فاقوس، وصاحب مكتبة البيت السعيد حسين حسن عبداللاه الذي كان محتجزاً بمقر أمن الدولة بأسيوط، وغيرها من حالات أخرى متكررة طالت الوسط الصحفي، حيث وفاة الصحفي محمد منير، العام الماضي، بسبب إصابته بفيروس كورونا، نتيجة القبض عليه واحتجازه بأحد السجون ولم يتمكن من إنقاذه بعد الإفراج عنه وهو في مرحلة متأخرة جداً.
العطار: الانتهاكات تتواصل.. ولم يتغير الوضع المزري في السجون وأماكن الاحتجاز المختلفة
عمليات منظمة
وفي سياق تعليقه، قال مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أحمد العطار: إن بداية عمل وطبيعة لجنة العفو ليس بجديد، فهذه اللجنة تعمل منذ سنوات، وتتجاهل بشكل واضح المعتقلين السياسيين في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث لم يشمل قرارات العفو إلا عدد قليل جداً من السياسيين، بينما أطلق سراح من اتهموا في جرائم كالبلطجة والقتل والتعذيب.
وأضاف العطار، في حديثه لـ”المجتمع”: بحسب ما تم رصده وتوثيقه وبالأرقام، فإن الواقع يقول: إن الانتهاكات تتواصل، بل ولم يتغير الوضع المزري في السجون وأماكن الاحتجاز المختلفة.
وأوضح قائلاً: فإذا ما نظرنا مؤخراً لجريمة مقتل الخبير الاقتصادي أيمن هدهود، وبالرغم من وضوح وثبوت جريمة التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، فإن النيابة العامة المصرية عملت بكل السبل لإعطاء غطاء قانوني لهذه الجريمة لتبرئة المتسببين في وفاته بدلاً من محاسبتهم.
وأنهى كلامه بالقول: هذا ما أكدته التقارير الحقوقية التي صدرت من الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات المصرية والدولية من أن جرائم القتل بأنواعه سواء بالتعذيب والحرمان من العلاج وتلقي الرعاية الصحية المناسبة في التوقيت المناسب وفي المكان المناسب هي عمليات منظمة ممنهجة، بدليل حدوث 3 وفيات في أماكن مختلفة نتيجة منهجية السلطات الأمنية في التعامل اللاإنساني واللاقانوني، وهذا يؤكد عدم الخوف من المحاسبة وعدم الجدية في التعامل مع هذا الملف.
حسن: اعتبار إرادة الشعب المصري هي الإرادة الأصيلة للبلد، وليس تشكيل لجان عفو شكلية
وبدورها، قالت المديرة التنفيذية للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات هبة حسن: كي يتوقف نزيف السجون ومسلسل القتل البطيء والانتهاكات المستمرة والمتزايدة ضد معتقلي الرأي، لا بد أن تكون هناك إرادة حقيقية لدى السلطات للتغيير وإحداث تحول حقيقي في المجتمع نحو الحريات واحترام القانون واعتبار إرادة الشعب المصري هي الإرادة الأصيلة للبلد، وليس تشكيل لجان عفو شكلية، والإعلان عن حوار وطني صوري للاستهلاك الإعلامي لم يتخذ مطلقوه أي خطوة حقيقية لتفعيله أو تحويله إلى واقع.
وطالبت، في حديثها لـ”المجتمع”، بـ”قانون يطبق على الجميع على قدم المساواة لا أن تنتهك القوانين وحتى لوائح السجون الموضوعة للمجرمين الفعليين التي تحترم آدميتهم وتوفر لهم ما يضمن حقهم في الحياة لا أن يمنع عنهم الدواء والعرض على الأطباء وهم في حالات مرضية متأخرة أو لتدهور حالاتهم الصحية بسبب تردي أوضاع السجون الصحية بشكل عام”.
كما طالبت بتعامل السلطات مع المعتقلين على أنهم بشر وأرواح وليسوا أرقاماً لا قيمة لها، وأن فقدان هذه الأرواح يضيع أسراً بأكملها، ويخلق في المجتمع مزيداً من الاحتقان لن يجني من ورائه الجميع إلا الدمار.
العربي: أول الخطوات لإثبات جدية هذا الحوار هو وقف الاعتقالات والإعدامات والإفراج عن السجناء
أولى خطوات جدية الحوار
ومن جانبه، قال مدير المرصد العربي لحرية الإعلام قطب العربي: مآلات الموت داخل السجون نتيجة الإهمال الطبي لم ولن تتوقف؛ لأننا أمام سلطة تتعامل مع خصومها بطريقة ثأرية انتقامية تستهدف الخلاص منهم بأي طريقة حتى تخلو لها المشهد.
وأضاف في حديثه لـ”المجتمع”: هذه الوفيات التي تحدث نتيجة الإهمال الطبي والامتناع عن السماح للمعتقلين بالعلاج على نفقتهم في مستشفيات خاصة خارج السجن هو جريمة لا تسقط بالتقادم.
وتابع: تتنافي استمرار هذه الجريمة مع دعوة الحوار التي أطلقها رأس السلطة مؤخراً، وإعادة تشكيل وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، فأول الخطوات لإثبات جدية هذا الحوار هو وقف الاعتقالات والإعدامات والإفراج عن السجناء وليس فقط علاجهم في سجونهم، لكن بالنسبة للمرضى فعلى الأقل المسارعة بعلاجهم أو السماح لهم بالعلاج علي نفقتهم الخاصة.
وحول معاناة الصحفيين المعتقلين تحديداً وتعرض البعض منهم لخطر الموت، كما حدث مع الصحفي محمد منير العام الماضي قال: إن هناك العديد من السجناء المرضى الذين يعانون أوضاعاً صحية متدهورة، ويحتاجون إلى علاجات عاجلة، لكن سلطات السجون ترفض ذلك مثل الصحفي أحمد النجدي، وهشام عبدالعزيز، وحمدي الزعيم، وغيرهم.