إنها رصاصة غادرة أصابت كل صحفي في أنحاء العالم، ولم تصب شيرين فقط، وأعادت جراح الصحفيين التي لا تندمل ومعاناتهم المستمرة في كل البقاع الحية. وتقف إفريقيا كذلك في قلب هذه المعاناة وهذا الألم. وإن لم تُقدِّم المؤسسات الصحفية الإفريقية التعزية والتنديد الكافي لاغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة؛ فإن الصحفيين الأفارقة يؤدون الواجب ويقفون وقفة صادقة مع الحق والحقيقة.
شيرين خـبر!
من السنغال يرثي الصحفي السنغالي بموقع “داكار نيوز”، محمد الأمين، الزميلة شيرين التي تركت وراءها بصمة واضحة في الصحافة بعد 25 عامًا من العمل في شبكة الجزيرة، وجهودها في تغطية أبرز أنباء القدس بكل حيادية ومصداقية، فبعد سعيها الحثيث وراء الحقيقة والخبر الصادق أصبحت خبرًا.
وفي حديثه لـ”المجتمع” أدان “الأمين” جريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، التي تُشكِّل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي وللمواثيق والأعراف الدولية، ودعا كبار المسؤولين في العالم إلى أخذ كافة الإجراءات اللازمة لفرض عقوبات صارمة ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وملاحقة المتورطين بمقتل الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة.
دولة الاحتلال الإسرائيلي بكل جبروتها عندما تخشى من صوت أو قلم فتعمد إلى إخراسه هكذا بالرصاص
كما أكد الصحفي السنغالي أن الهيئات التي تهتم بحقوق الإنسان يجب أن تولي مزيدا من الجهد لحماية الصحفيين والإعلاميين، لا سيما العاملين في ميدان الحرب والمعركة، وقدَّم “الأمين” التعازي باسم الإعلام السنغالي، إلى مؤسسة الجزيرة وجميع الصحفيين في العالم.
أحيَت آلامًا قديمة..
ومن غانا يقول الصحفي الغاني بجريدة “أفريكا نيوز”، عبد الرحمن شعبان، إن اغتيال شيرين أبو عاقلة مؤسف ومُدان، ويجب محاسبة من قتلها على الفور؛ فـمقتل شيرين مقلق لكل صحفي، خاصة بالنسبة للصحفيين في غانا، قائلًا: “لقد عشنا هذا الألم في عام 2019م عندما قُتل الصحفي أحمد صوال، ولم تقم الشرطة بعد بالقبض على القتلة”.
وأضاف “شعبان” أن الرئيس الغاني السابق جون ماهاما أدان اغتيال مراسلة الجزيرة؛ التي قدمت لسنوات تقارير عن الأحداث في فلسطين، كما طلب من الحكومة العثور على قتلة الصحفي الغاني أحمد صوال.
صدمة للصحفيين..
ومن إريتريا يقول الصحفي الإريتري، عبد القادر محمد علي، لـ “المجتمع”، أن خبر اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة كان مفجعًا على مستويين متشابكين؛ مستوى شخصي مرتبط بتحول شيرين إلى فرد من أفراد العائلة، فقد رافقتنا لربع قرن كجزء من المشهد الفلسطيني، وكانت قادرة في أحلك الظروف وأقساها على نقل الصورة بصوتها الهادئ الرزين ومهنيتها العالية، حتى شكلت ورفاقها جزءًا من وعينا بفلسطين.
وأضاف عبد القادر قائلا: هناك مستوى آخر مهني مرتبط بنا كصحفيين، وهو ممّا ضاعف أثر الصدمة أيضًا؛ حيث تم استهدافها وهي ترتدي الدرع والخوذة وكل ما يدل على هويتها كصحفية، وهو ما يُعيدنا إلى الحالة المزرية التي يعيشها الصحفيون في هذا الجزء البائس من العالم، حيث تتحول ممارسة هذه المهنة إلى نوع من المغامرة والرهان فيها على العُمر حرفيًا.
وأكد الصحفي الإريتري أن دولة الاحتلال الإسرائيلي بكل جبروتها عندما تخشى من صوت أو قلم فتعمد إلى إخراسه هكذا بالرصاص، وعلينا أن نتأمل في حال أنظمة بائسة أقل قوة ونفوذًا كالنظام الإرتري؛ الذي يعتقل صحفيين منذ ما يزيد على عشرين عامًا، ويمنع أي نوع من أنواع الصحافة غير الحكومية، مذعورًا من الكلمة الحرة ومن تمَلك المجتمع للمعلومة؛ لأن الحقيقة هي ما تخيفهم.
استهداف الصحفيين في مختلف أنحاء العالم يتطور بصورة كبيرة من وقت لآخر، في ظل صمت المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان
وأضاف أن شيرين ضحت بحياتها وهي تَحمل بكل بسالة هذا العبء وهذه المسؤولية، وقدم عبد القادر العزاء إلى أسرة الجزيرة والشعب الفلسطيني وكل زملاء المهنة والأحرار في العالم.
الصمت أكبر جريمة!
ومن إثيوبيا يعتقد الصحفي الأثيوبي أنور إبراهيم، أن استهداف الصحفيين في مختلف أنحاء العالم يتطور بصورة كبيرة من وقت لآخر، في ظل صمت المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان؛ حيث باتت حقوق الصحفيين مهضومة، وأغلب الحكومات ترى أن الصحفيين أعداءٌ لهم، وأغلب الأنظمة لا تُراعي حقوق وأهمية العاملين في الحق الإعلامي.
وأضاف “إبراهيم” أن مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة أثار حفيظة العاملين في مجال الإعلام، وحرك مشاعر العديد من الناس في مختلف أنحاء العالم، خاصة أنها قُتلت وهي تؤدي واجبها الصحفي، ورغم كثرة الاعتداءات على الصحفيين في الآونة الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، فإنه لم يتم محاسبة الجهات التي اعتدت عليهم، ولم نرَ إلا التنديد فقط، وظل الصمت وصمة عار في جبين البشرية.
نكسة في جسد الإعلام العربي..
ومن الصومال يقول الصحفي الصومالي بصحيفة “العربي الجديد”، الشافعي أبتدون، إن اغتيالها يمثل نكسة جديدة في جسد الإعلام العربي، ويفضح العدوان “الإسرائيلي” على الفلسطينيين، وأضاف: “نشعر بحزن عميق إزاء اغتيال المناضلة والصحفية الفلسطينية؛ حيث مَثل مقتلها فاجعة مدوية في الإعلام المحلي والعربي، وهناك تحركات جارية في النقابة الصحفية في الصومال للتنديد بهذه الجريمة”.
وأكد “أبتدون” لـ”المجتمع” أن اغتيال شيرين فضح جرائم الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون الأحداث في كل من غزة والقدس المحتلة، وأن الصمت الدولي والعربي أمام هذه الانتهاكات ضد الفلسطينيين تنتقص من مبادئ حقوق الإنسان وميثاق الشرف المهني للإعلاميين، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة كثير من الصحفيين في فلسطين، أمام استمرار الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال بحق الصحافة الحرة.
تهديد خطير للصحافة..
ومن تنزانيا يرى الصحفي التنزاني في إذاعة صوت أمريكا تشارليز كومبي، أن اغتيال شيرين أبو عاقلة تهديد خطير للصحافة في العالم؛ حيث كانت تؤدي واجبها كصحفية وكانت ترتدي سترة تشير إلى أنها صحفية، وهذا يؤكد أنها استُهدفت وقُتلت عن عمد، ويجب محاسبة “إسرائيل” على ذلك، وأضاف “كومبي” أن استهداف الصحفيين يجب أن يتوقف لأنه ضد حقوق الإنسان، وآن الأوان لكافة الجهات والمؤسسات الصحفية أن تُدين جميع الانتهاكات بحق الصحفيين حفاظًا على سلامة قطاع الصحافة.
اغتيالها يمثل نكسة جديدة في جسد الإعلام العربي، ويفضح العدوان “الإسرائيلي” على الفلسطينيين
الجريمة صحفي!
ومن مالاوي يقول الصحفي المالاوي بإذاعة صوت أمريكا، لاميك ماسينا، إن اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة أمر محزن ومقلق حقًا؛ لأن الصحفيين يُقتلون لمجرد قيامهم بعملهم، وأشار “ماسينا” إلى ضرورة أن تكون المنظمات التي تناضل من أجل حماية الصحفيين يَقظة بما يكفي؛ لكي تكون مصدرًا لحماية الصحفيين في مثل هذه الحالات التي يتم فيها استهدافهم عن عمد، والسعي إلى تقديم الجناة للمحاكمة.
الكاميرا أكثر خطورة من البندقية!
ومن جنوب إفريقيا يقول كبير الصحفيين في إذاعة “صوت كيب تاون”، شفيق موتورو، لـ “المجتمع”، إن اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة أمر مروع للغاية؛ لأنه قتل عن عمد من قناص استهدفها، إنه قتل صحفية بدم بارد بسبب قيامها بعملها. وأضاف أنه من المستهجن أن يُنظر إلى الكاميرا على أنها سلاح أكثر خطورة من البندقية!
إننا أمام ثقافة الإفلات من العقاب، والاستثنائية الصهيونية التي تغض الطرف عن النضال الفلسطيني لكنها تبكي نفاقًا على أوكرانيا
وقال الصحفي الجنوب إفريقي: لقد اخترقت رصاصة القاتل قلوبنا جميعًا، نشعر بحزن شديد، كما أننا غاضبون جدًا. وأضاف “موتورو” أننا أمام ثقافة الإفلات من العقاب، والاستثنائية الصهيونية التي تغض الطرف عن النضال الفلسطيني لكنها تبكي نفاقًا على أوكرانيا.
إنها الكلمة التي قُتلت شيرين لأجلها، وهي ذاتها التي ستبقى حيَّة حتى بعد رحيل شيرين، إن اغتيال شيرين سيكون جرحًا حيًا دائمًا في قلب كل صحفي حر، كما أنه سيكون دافعًا قويًا لاستمرار المسير والنضال نحو صحافة حرة.
من جميع أنحاء القارة الإفريقية.. وداعًا شيرين