عمد الاحتلال على تجسيد الفروقات الشاسعة بين البلدات الفلسطينية التي يزيد عمرها على مئات السنين والمستوطنات الدخيلة التي أقيمت على أراضي تلك البلدات والمدن في عهد السبعينيات من القرن الماضي حتى تظهر تلك المستوطنات بالمظهر الحضاري والقرى والبلدات الفلسطينية بالمظهر البدائي.
ضياع على الطرقات
(آلو، لا يوجد كارمة على الطريق، ضعنا تحت الجسر، يبدو أننا أخطأنا الطريق، أين نتجه؟)، هذه المكالمة تتكرر كثيراً بين الفلسطينيين المتجهين إلى مدن وقرى فلسطينية من شمال الضفة إلى وسطها وجنوبها والعكس، وكان الاتصال للمواطن بكر حسون (45 عاماً) من بيت فجار قضاء بيت لحم جنوب الضفة الغربية أثناء توجهه إلى مدينة قلقيلية، يحمل في طياته نداء الاستغاثة لكي يرشده أي شخص على الطريق الموصل إلى مدينة قلقيلية بعد أن ضاع هو وزملاؤه وتوجهوا إلى حاجز عسكري حدودي يفصل ما بين قرية مسحة في أراضي الـ67 وبلدة كفر قاسم بالداخل المحتل.
حسون الذي يزور مدينة قلقيلية لأول مرة يقول: الغريب في الأمر هو كثافة اللافتات الموجودة على المفترقات الخاصة بالمستوطنات التي ترشد كل مستوطن إلى مستوطنته بسهولة قصوى، بينما القرى العربية لا يوجد لها أي لافتة، وإن وجدت فتكون في مكان غير واضح، وصغيرة ويحتاج الشخص إلى مجهر حتى يراها!
ويضيف حسون: لولا أنني وزملائي اتصلنا بأصدقاء لنا أثناء السفر لما استطعنا الوصول إلى قلقيلية، إضافة إلى كثرة السؤال على الطرقات لإرشادنا على الطريق الموصل إليها.
لافتات باللغة العبرية
اللافتات على الطرقات في الضفة الغربية مليئة باللغة العبرية الخاصة بالمستوطنين، وأي لافتة مكتوب عليها باللغة العربية يحاول المستوطنون إخفاءها من خلال طليها بالدهان الأسود، ففي مدخل قلقيلية الشرقي والوحيد للمدينة عمد المستوطنون إلى إخفاء اللافتة بالدهان التي تشير إلى قلقيلية، وأبقوا على اللافتة التي تشير إلى مستوطنة تسوفيم.
وأفادت مصادر فلسطينية أن سلطات الاحتلال تمنعهم من وضع لافتات على المفترقات الرئيسة باعتبارها تقع في منطقة “ج” ولا سيطرة عليها إلا من قبل سلطات الاحتلال.
مداخل حديثة
ويقول السائق رشدي خالد (46 عاماً): ابن المنطقة يعرف مداخل المدن والقرى، وأي زائر من محافظة أخرى يعجز عن الوصول إلى المكان الذي يريده إلا من خلال التوقف والسؤال عن الطريق أو الاتصال بمعارف له يرشدونه إلى القرية أو المدينة التي يريدها، بينما المستوطنات مداخلها معروفة، فهي مضاءة بشكل كامل وعلى بُعد مئات الأمتار تستطيع أن تميز مدخل المستوطنة، بينما مدن بأكملها تكون مداخلها مظلمة، ولا لافتة ترشدك إليها إلا بعض اللافتات القديمة.
ويضيف: إن وجدت لافتة لقرية أو مدينة فلسطينية، فإنها تكون على استحياء وخجل، بينما اللافتات الخاصة بالمستوطنات تكون كبيرة وبألوان فسفورية للتمكن من رؤيتها في الليل والظلام، إضافة إلى تركيب كشافات ليلية عليها كاملة الإضاءة، وهذا الأمر يعتبر مساعدة لأعمدة الكهرباء القريبة من اللافتة.
وعلق رشدي ساخراً: مداخل المدن الفلسطينية عنوانها الحواجز العسكرية، بينما المستوطنات مداخلها الأضواء الكاشفة والأعمدة الكهربائية الشاهقة وأشجار النخيل والزينة المنتشرة على جانبي المدخل.
ويذكر عاهد عساف (52 عاماً) من قرية كفر لاقف 15 كم شرق قلقيلية: كان مدخل قريتنا التي يقطنها 1500 مواطن يطل على الشارع الرئيس الواصل بين قلقيلية ونابلس وقبل سنوات أغلق المستوطنون المدخل ووضعوا بوابة حديدية أمنية لأنه يقابل مدخل مستوطنة قرنيه شمرون التي أقيمت على أراضي القرية في بداية الثمانينيات.
ويضيف عساف: لم يكتف المستوطنون بذلك، بل أخفوا اللافتة القديمة بالدهان، والآن يصعب الاستدلال من قبل أي زائر بالقرية التي أخفيت من ناحية المدخل واللافتة، بينما المستوطنات المجاورة مداخلها تضاهي مداخل العواصم في العالم.
يشار إلى أن أكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية بدون القدس يقطنون الضفة الغربية في 230 مستوطنة أكبرها مستوطنة أريئيل قضاء سلفيت شمال الضفة الغربية، يقطنها قرابة 50 ألف مستوطن، وتمتد بشكل طولي عدة كيلومترات على شارع ما يسمى عابر السامرة رقم واحد القريب من حاجز زعترة العسكري.