هذه الشبهة من أغرب ما أثاره منكرو السنة، وقد رددها شرذمة منهم، من خلال الصحف الصفراء، التي تبحث عن كل ما يثير الرأي العام المسلم، ودأبت على السير في الممنوع، أو اقتحام الحواجز بلا وازع من دين أو خلق، وهذه من الشبه التي تدل على أن هؤلاء الحمقى لا يحترمون القراء ويستخفون بعقولهم؛ حيث لا يوجد على ظهر الأرض مؤمن ولا كافر يقبل هذا الهراء، فالمؤمن والكافر لا يريان أن بين القرآن الكريم وبين سُّنة من أنزل الله تعالى عليه القرآن عداءً أو مجافاة.
وقواعد البحث العلمي تقتضي أن يكون لهؤلاء الزنادقة، الذين اخترعوا هذه الشبهة أدلة من آيات القرآن يكون معناها: لا تؤمنوا بسُّنَّة رسول الله، ولا تتبعوها في حياتكم، لأن الإيمان بها كفر، والعمل بها ضلال.
والواقع أن هؤلاء ذهبوا إلى آيتين كريمتين من القرآن الكريم، واستدلوا بهما – جهلاً وحماقة – على هذه الشبهة النكراء.
إحدى الآيتين هي قوله تعالى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) “الأعراف:3″،
والثانية هي قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) “الأعراف: 185”.
إبطال هذه الشبهة:
لقد صور لهؤلاء جهلهم، أو أرادوا هم أن يصوروا للناس بعنادهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ولي من دون الله؟ وأن هديه وإرشاده وبيانه للقرآن الكريم الذي أنزله الله عليه دين آخر غير الدين الذي بعثه الله به، فحذرهم الله من الإيمان بسنته والعمل بها!، وهذا هو الجهل المركب كما يقولون، وتلك هي الحماقة التي أعيت صاحبها.
كيف يكون للرسول صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة التي يناصب الله تعالى فيها العداء؟ والله تعالى يقول له في نفس السورة “الأعراف” وقبل هذه الآية مباشرة: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) “الأعراف:2″، أما قوله تعالى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء) “الأعراف:3″، فهي تثبيت للمؤمنين على ما بعث الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتباع سبل الباطل وعبادة الأصنام والأوثان، والاعتقاد في غير الله تعالى نافعاً ضاراً، خالقاً رازقاً محيياً مميتاً، رافعاً خافضاً، مبدئاً معيداً… إلخ.
ألا يسأل هؤلاء الحمقى أنفسهم: كيف يبعث الله رسولاً، وينزل عليه وحياً، ثم يتخذ منه منافساً له، ويحذر من أرسله إليهم من اتباعه؟ إنهم بهذا الحمق يسيئون إلى الله سبحانه وتعالى، ويصفونه بما لا يتفق مع جلاله وحكمته.
أما الآية الثانية، فهي حديث صريح عن المكذبين بآيات الله تعالى، الذين آثروا الكفر على الإيمان، وقد جاءت الآية الكريمة في هذا السياق القرآني الحكيم: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) “الأعراف: 182- 185”.
إن هذه الآيات الكريمة تعيب على الكافرين كفرهم، وتشير إلى دلائل الإيمان الواضحة أمامهم، وتضفي هالة عطرة من الثناء على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والحديث المذكور في هذه الآية (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) هو حديث الإيمان في دلائله، ومظاهره العلوية والسفلية، فكيف فهم هؤلاء الحمقى أن الآية الكريمة فيها تنظير بين القرآن وبين حديث من أنزل الله عليه القرآن، وأن الاستفهام الإنكاري ورد في الآية الكريمة للتحذير من اتباع الحديث النبوي؟ أليس هذا دليل على حمقهم؟،
وكيف يتفق هذا الادعاء كما يزعم هؤلاء مع قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) “الأنبياء:107”.
إن سوء النية باد على أفواههم، وفيما تكتبه أقلامهم وإلا فما الذي أعماهم عن قوله تعالى في نفس السورة: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) “الأعراف: 157- 158”.
وبالنظر في نظم الآيتين الكريمتين، نجد التصريح باتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ورد مرتين: مضارعاً وأمراً: “يَتَّبِعُونَ” – “اتَّبَعُواْ”، ثم نتأمل هذه الكلمات: (يَأْمُرُهُم – يَنْهَاهُمْ – يُحِلُّ – يُحَرِّمُ – يَضَعُ) نجد الفاعل فيها عائداً على الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الآمر، والناهي والمحلل، والمحرم، والواضع، فما هي دلالة هذا الصنع مع أنه مبلغ عن الله تعالى في الأمر، والنهي، والتحليل، والتحريم، وفي وضع الأغلال.
إن دلالة هذا النظم البديع أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم دوراً في تأدية الرسالة، وبيان ما أنزله الله عليه في القرآن الكريم، وما هداه إليه من غير القرآن، مما تضمنته سُّنَّته المطهرة، وأحاديثه المشرقة، لأن الله آتاه القرآن ومثله معه”، ولم تكن حجة الرسول صلى الله عليه وسلم التي قاوم بها الباطل قائمة على القرآن الكريم وحده، بل كانت القرآن والسنة معاً.
القرآن ضياء كالشمس، والسُّنة نور كالقمر، وسُّنة النبي صلى الله عليه وسلم هي مفاتيح ما في القرآن من كنوز، والأداة التي وصلت الأمة بما في القرآن من قيم ومبادئ وأسرار.
دعوة القرآن الكريم إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ولمزيد من البيان فلقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تدعو إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، منها:
1- قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) “الأحزاب:36”
2- وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) “الحجرات:1”.
3- وقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) “آل عمران:32”.
4- وقال تعالى: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) “النساء:80”
5- وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) “النساء:59”
6- وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) “الأنفال:46”.
7- وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) “المائدة:92”. 8- وقال تعالى: (لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) “النور:63”.
9- وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) “الأنفال:24”
10- وقال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) “النساء:13-14”
11- وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) “النساء:60-61”.
12- وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) “النور:51-52”.
إلى غير ذلك من الآيات المباركات، فهل يتبقى لهؤلاء الحمقى حجة يدافعون بها عن ضلالهم؟!