يواصل قادة مجموعة العشرين التوافد إلى إندونيسيا لحضور القمة المرتقبة، في وقت يواجه فيه العالم تصاعد حدة أزمات اقتصادية، وسياسية تتطلب حلولا عاجلة، لعل أبرزها أزمتا الطاقة والحرب الروسية في أوكرانيا.
وتجتمع مجموعة العشرين، التي تضم أكبر الاقتصادات في العالم وتشكل أكثر من 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في جزيرة بالي هذا الأسبوع، ومن المتوقع أن يستغل زعماء الغرب، بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، المنتدى الرفيع المستوى لانتقاد روسيا علنا بسبب الحرب في أوكرانيا.
{tweet}url=1592038936142295040&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}
ورفضت روسيا تركيز مجموعة العشرين على قضايا الأمن بدلا من التركيز على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الأكثر إلحاحا في العالم، وذلك قبل قمة من المتوقع أن تهيمن عليها الانتقادات الغربية لغزو موسكو لأوكرانيا.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان قبل القمة: “من المهم بشكل أساسي أن تركز مجموعة العشرين جهودها على التهديدات الحقيقية وليست الوهمية”.
ووصل كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك، إلى إندونيسيا، بينما يتوقع أن يحضر الرئيس الأمريكي في وقت لاحق، إلى جانب زعماء دول أخرى، تمهيدا لانطلاق القمة في الفترة 15- 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
وسيرأس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الوفد الروسي إلى القمة، بعد أن قال الكرملين إن الرئيس فلاديمير بوتين مشغول لدرجة لا تمكنه من الحضور.
دعوات لخفض التصعيد
اعتبرت فرنسا، أن على مجموعة العشرين للقوى الاقتصادية الكبرى دعوة روسيا إلى تبني “منطق خفض التصعيد” في أوكرانيا خلال القمة، مشيرة إلى أن “هناك مساحة واضحة للغاية في مجموعة العشرين لإيصال رسالة سلام ومطالبة روسيا بالدخول في منطق خفض التصعيد”.
ويلتزم عدد من دول مجموعة العشرين، مثل الصين والهند، الحذر الشديد حتى الآن، ورفضوا إدانة العملية الروسية في أوكرانيا أو عبروا بشكل غير مباشر عن مخاوف من استمرار النزاع
وأبرز مستشار للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “عدم مشاركة فلاديمير بوتين تظهر أن تحالفا يتشكل داخل مجموعة العشرين وأن عزلة روسيا حقيقية”.
وأضاف أن “غالبية واسعة جدا داخل النادي (مجموعة العشرين) تعتبر هذه الحرب جسيمة ولا تطاق بالنسبة لبقية العالم”.
أزمة الطاقة
وتبرز أزمة الطاقة كأحد أهم الملفات التي تنتظر قادة العشرين، إذ تتخذ العديد من الحكومات الآن خطوات لزيادة أو تنويع إمدادات النفط والغاز، ويتطلع الكثيرون إلى تسريع التغييرات الهيكلية، مع تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وفي تقرير الأسبوع الماضي لوكالة الطاقة الدولية، فإن آفاق الطاقة العالمية 2022 تظهر أن أزمة الطاقة يمكن أن تكون نقطة تحول تاريخية نحو مستقبل أنظف وأكثر أمانا، لكنه مكلف ويحتاج وقتا.
وتسببت أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية في حدوث تغييرات عميقة وطويلة الأمد، لديها القدرة على تسريع الانتقال إلى نظام طاقة أكثر استدامة وأمانا.
وتتسبب أزمة الطاقة اليوم بصدمة ذات اتساع وتعقيد غير مسبوقين؛ إذ تم الشعور بأكبر الهزات في أسواق الغاز الطبيعي والفحم والكهرباء مع اضطراب كبير في أسواق النفط أيضا.
وبسبب أزمة النفط، استلزم إطلاق مخزون نفط لا مثيل له من قبل الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية لتجنب المزيد من الاضطرابات الشديدة.
وحذرت وكالة الطاقة الدولية من هشاشة وعدم استدامة نظام الطاقة العالمي الحالي، في ظل المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية التي لا تلين، ولا تزال أسواق الطاقة ضعيفة للغاية.
ويشهد النشاط الاقتصادي العالمي تباطؤا واسع النطاق وأكثر حدة من المتوقع، مع ارتفاع معدل التضخم عن ما كان عليه منذ عدة عقود.
ووفق تقرير الشهر الماضي، لصندوق النقد الدولي، فإن أزمة تكلفة المعيشة والأوضاع المالية المشددة في معظم المناطق، والحرب الروسية الأوكرانية وفيروس كورونا الذي طال أمده، تؤثر كلها بشكل كبير على التوقعات.
أزمة الديون
تنجرف البلدان في جميع أنحاء العالم نحو أزمة ديون؛ إذ أدى التباطؤ الاقتصادي وارتفاع التضخم إلى زيادة الطلب على الإنفاق، ما يجعل من الصعب على العديد من الحكومات سداد الأموال التي تدين بها.
في الأوقات العادية، يمكن لهذه البلدان ببساطة أن تأخذ على عاتقها ديونا جديدة لتحل محل الديون القديمة؛ لكن الظروف الدولية جعلت القيام بذلك أكثر صعوبة، وسط زيادات حادة في أسعار الفائدة العالمية.
ونتيجة لذلك، فإنه لن يتمكن بعض أولئك الذين يقتربون من مواعيد السداد النهائية ببساطة من الوفاء بها؛ لقد فوّتت سريلانكا وزامبيا مدفوعات بالفعل، ما أوقع كلا البلدين في حالة من الانهيار الاقتصادي.
وأحد الأسباب الرئيسية لهذا السيناريو المقلق هو أن البلدان في جميع أنحاء العالم مضطرة أساسا إلى اقتراض الأموال بالدولار الأمريكي أو اليورو، والاحتفاظ باحتياطيات العملات الأجنبية لسداد الديون في المستقبل.
لكن هذه الاحتياطيات تواجه مطالب حيوية أخرى؛ هناك حاجة إلى شراء النفط والواردات الأخرى، وكذلك الحفاظ على القيمة الموثوقة لعملتهم المحلية.
التضخم العالمي
الأسبوع الماضي، قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، إن التضخم العالمي قد يصل إلى ذروته، لكنها حذرت من أن المستهلكين معرضون لخطر مواجهة ضغوط مستمرة من ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب انهيار سلاسل التوريد العالمية.
وهناك مؤشرات على أن الارتفاع العالمي في أسعار المستهلكين منذ تفشي جائحة كورونا الذي فاقمته الحرب الروسية في أوكرانيا يقترب من ذروته، وأن النسب الحالية ليست هي القمة.
ويظهر ذلك في اتحاد البنوك المركزية حول العالم في مكافحة التضخم كأولوية قصوى؛ وإذا لم تنجح فسيتراجع أساس النمو وهو استقرار الأسعار.
وتشهد نسب التضخم العالمية مستويات غير مسبوقة في بلدان مثل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وعند قمة أربعة عقود في بلد مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
سوناك يهاجم الصين
يشارك رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في القمّة، وسيدعو خلالها القوى الأخرى إلى الاتّحاد ضدّ “جهات خبيثة” في الاقتصاد العالمي، في هجوم مُستتر على الصين.
وسيشدّد سوناك على أهمّية الوحدة الغربيّة بمواجهة روسيا في خضمّ الحرب على أوكرانيا، وهو يريد أيضًا من حلفائه تعزيز النظام المالي الدولي، ولا سيّما منظّمة التجارة العالميّة، بحسب ما ذكر داونينغ ستريت مساء الأحد.
وسيتحدّث رئيس الوزراء البريطاني خلال القمّة عن ضرورة أن تتوافر للبلدان النامية إمكانية الحصول على قروض لضمان النموّ الاقتصادي من دون الاعتماد على مُقرضين “استغلاليّين”، مكرّرًا بذلك انتقادات وجّهتها مجموعة السبع للصين.
كذلك، سيشدّد سوناك على أهمّية إصلاح منظّمة التجارة العالميّة للحدّ من “تلاعب جهات خبيثة بالأسواق العالميّة”، في هجوم مبطّن آخر على الصين، عضو مجموعة العشرين.
وفي ما يتعلّق بالغزو الروسي لأوكرانيا، كرّر رئيس الوزراء في بيان السبت، أنّ المملكة المتحدة “ستُندّد بنظام بوتين وتكشف تجاهله التامّ للتعاون الدولي واحترام السيادة اللذين تُمثّلهما قمم مثل قمّة مجموعة العشرين”.
صندوق لمكافحة الأوبئة
قال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الأحد، لدى إطلاق صندوق تابع لمجموعة العشرين لمكافحة الأوبئة، إن الأموال التي جُمعت حتى الآن لتعزيز الاستعداد لمواجهة الأوبئة في المستقبل ليست كافية.
ويستهدف الصندوق الذي أطلقته إندونيسيا، الرئيس الحالي لمجموعة العشرين، الدول المنخفضة إلى المتوسطة الدخل لتمويل تدابير من بينها جهود المراقبة والرصد وزيادة معدل الوصول إلى اللقاحات.
{tweet}url=1592056223599190017&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}
وجمع الصندوق نحو 1.4 مليار دولار حتى الآن، تتضمن مساهمات من إندونيسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلا عن مانحين ومنظمات خيرية مثل مؤسسة بيل ومليندا غيتس.
ويأتي إطلاق الصندوق وسط غضب من الكثير من الدول النامية مما حدث خلال جائحة كوفيد-19، عندما كانت الدول الغنية في أغلب الأحيان تحتفظ بالجزء الأكبر من الموارد مثل اللقاحات لمكافحة الفيروس.
وقدر البنك الدولي الذي سيتولى دور أمين الصندوق، ومنظمة الصحة العالمية التي تقدم المشورة، في تقرير، فجوة التمويل السنوية للتأهب للأوبئة بنحو 10.5 مليار دولار.